اتفقت عليها قوى مدنية وتؤكد على أهمية تحقيق وقف إطلاق نار فوري لأغراض إنسانية وتوفير بيئة ملائمة لبدء عملية سياسية.
ملخص
تثار تساؤلات حول قدرة القوى المدنية مجتمعة على تحقيق تقدم حقيقي على الأرض ينهي هذه الحرب، في ظل الانقسامات والاختلافات في الآراء والمواقف التي تعاني منها تجاه جميع قضايا الوطن.
توصلت مجموعة من القوى المدنية السودانية خلال اجتماع عُقد في جنيف مؤخراً إلى اتفاق بشأن مبادئ وثيقة تهدف إلى حل الأزمة التي تواجه البلاد، والمتمثلة في النزاع المستمر منذ أكثر من 19 شهراً بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”.
تتضمن الوثيقة إعلان وقف إطلاق نار عاجل لأغراض إنسانية وتهيئة الظروف لبدء عملية سياسية، بالإضافة إلى تأسيس جيش محترف موحد بعيداً عن التأثيرات السياسية والحزبية.
لكن هناك تساؤلات تُطرح حول إمكانية أن تتمكن القوى المدنية مجتمعة من تحقيق تقدم فعلي على الأرض يضع حداً لهذه الحرب، في ظل ما تعانيه من انقسامات وتباينات في الآراء والمواقف المتعلقة بكافة قضايا الوطن؟
توحيد الصف
يقول رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل: “من الواضح أن العمل المدني في بلادنا أصبح ضرورة ملحة للجميع، بسبب استمرار الحرب وانعدام الإرادة من طرفي النزاع لإيقافها، رغم ما أوقعته من دمار وانتهاكات ونزوح مستمر، بالإضافة إلى انتشار الأمراض القاتلة ونقص الغذاء. لذلك، يجب توحيد الجبهة المدنية لتمثل ضغطاً على القوتين المتحاربتين وكذلك على المجتمعين الدولي والإقليمي”.
ويقول فيصل: “في رأيي، فإن اللقاء الذي جرى مؤخراً بين القوى المدنية السودانية في سويسرا حقق تقدماً مهماً، حيث إنها المرة الأولى التي تجتمع فيها هذه الأطراف وتصدر وثيقة مشتركة شاملة تتضمن المبادئ المتفق عليها وتصميم العملية السياسية ودور القوى السياسية فيها. كما تم تشكيل لجنة تحضيرية للتهيئة لمؤتمر المائدة المستديرة المرتقب إقامته في يناير 2025 بمشاركة جميع القوى المدنية الداعمة لوقف الحرب والتحول الديمقراطي”.
يوضح رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي أن “هذه الخطوة بالغة الأهمية، حيث لا يوجد حل لأزمة البلاد سوى توحيد الصف المدني عبر جبهة واسعة. وقد ظهرت قناعة لدى العديد بأهمية هذا التوجه، رغم اختلاف توجهاتهم السياسية. فمعظم المشاركين في اجتماع سويسرا كانوا من خلفيات متنوعة، لكن الهدف المشترك بينهم هو إنهاء الحرب. لذا، فإن أي طرف مدني يدعو لوقف القتال يعد جزءاً من هذه الجبهة، والوثيقة التي تم التوافق عليها قابلة للتعديل”.
سقوف وطموحات
في المقابل، يعتقد الخبير في الاقتصاد السياسي حسن بشير محمد نور أن “القوى المدنية تواصل تحركاتها في الخارج من خلال محاولات متفرقة حتى الآن، ولكن الأمر المهم هو أن هذه القوى لم تتمكن من توحيد صفوفها كخطوة أولى حيوية للغاية، وأكبر دليل على ذلك هو مشاركتها الضعيفة في الاجتماع الأخير في سويسرا، الذي لم يحظ بأي زخم إعلامي مؤثر بسبب ضعف نتائجه”. ويضيف “من وجهة نظري، يكمن نجاح القوى المدنية في تحقيق اختراق في الداخل، بالإضافة إلى توحيدها ككتلة فاعلة. وفي كل الأحوال، من الصعب تحقيق نتائج ملحوظة في المدى القريب وفقاً للواقع الحالي، ولكن تحركات هذه القوى ضرورية حتى وإن كانت نتائجها ضعيفة، لأنه لا يمكنها أن تبقى متفرجة على ما يحدث في البلاد من حرب أحدثت دماراً هائلاً، فضلاً عن ما يعانيه المواطن من قتل وانتهاكات وتهجير وجوع”.
يقول محمد نور: “ما يمكن ملاحظته هو أنه في بداية تأسيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية ‘تقدم’، كانت هناك مؤتمرات متعددة ذات طموحات عالية وسقوف مرتفعة، بالإضافة إلى الزخم الذي أحدثته من خلال أنشطتها النشطة، لكن نجد الآن أن صوتها قد تراجع بسبب تراجع مواقفها وأنشطتها”. ويضيف: “في رأيي، فإن مثل هذا العمل لن يكون مفيداً لتحقيق نتائج حقيقية إلا إذا حدثت انقلابات واضحة، وما دامت القوى المدنية بجميع تشكيلاتها غير قادرة على تحقيق اختراق داخلي وتحمل النتائج والتحديات المرتبطة بذلك، فلن تتمكن من القيام بالكثير. وقد تابعنا المحاولات مع الأمم المتحدة، التي لم تكن سوى لمحاولة تحسين الصورة، فضلاً عن المشروع البريطاني لحماية المدنيين الذي فشل بسبب الفيتو الروسي”.
وأفاد المتخصص في الاقتصاد السياسي أنه بشكل عام ينبغي توجيه الجهود من قِبل القوى المدنية في ثلاثة مجالات، وهي: تعزيز وحدة القوى المدنية، والسعي لتحقيق اختراق داخلي، وزيادة الضغط على المجتمع الدولي ليكون جادًا في قضايا حظر الطيران وتوريد الأسلحة والمراقبة الفعلية لعمليات الانتهاكات، واتخاذ الإجراءات الضرورية ضد الأطراف المتحاربة للحد من هذه الانتهاكات الفاضحة، فضلاً عن العمل على تقديم المساعدات الإنسانية.
تغيرات دولية
قال المحلل السياسي عروة الصادق: “أعتقد أن القوى السياسية التي اجتمعت في سويسرا مؤخراً قد بذلت جهوداً كبيرة لتقديم مقترح يشتمل على رؤية شاملة لحل الأزمة السودانية، من خلال تشخيص المشكلة ذات الجذور التاريخية المعقدة. واعتباراً أن الحل العسكري ليس هو الخيار الأمثل، فإن المجتمعين يتطلعون لبناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم التنوع وتحقق العدالة والمساواة. وقد تم تقديم مجموعة من الآليات لحل هذه الأزمة، تتضمن الحوار الشامل وبناء الثقة وإصلاح المؤسسات. ومع ذلك، يتضمن التصور نقاط ضعف متعددة على الرغم من شموليته، بالإضافة إلى التحديات التي قد تعيق تنفيذه، من أبرزها عدم توفر الموارد المالية اللازمة.”
وقال الصادق: “لكن في ظل الوضع الراهن، يبقى تحقيق توافق وطني هدفاً أساسياً، رغم أن السودان يضم مجموعة متنوعة من القوى السياسية، مما يجعل عملية التوافق السياسي صعبة. بالإضافة إلى ذلك، فإن انعدام الثقة المتزايد بين المكونات المدنية يشكل عقبة أمام الوصول إلى هذا الهدف. ومع ذلك، لا يمكن لأحد إنكار أن المصالح المتضاربة تتعارض مع الأهداف المعلنة للمقترحات، وخاصة فيما يتعلق بقضية تفكيك نظام 30 يونيو واستعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد. كما أن التغيرات الإقليمية الأخيرة، مثل وقف إطلاق النار في لبنان ودخول سوريا في صراع، وكذلك الموقف الجديد لتشاد تجاه فرنسا، قد تؤثر على الوضع في السودان وتزيد من تعقيد أزمته.”
يعتقد المحلل السياسي أنه رغم التحديات، هناك توافق بين القوى المدنية على أهمية إنهاء الحرب واستعادة الديمقراطية، مما يوفر قاعدة مشتركة للتعاون. ومن جهة أخرى، لا يزال الشارع السوداني ينظر إلى القوى المدنية كبديل عن الأطراف العسكرية المتصارعة، مما يشكل دافعاً لتوحيد الجهود. بالإضافة إلى ذلك، فإن الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي والإقليمي على الأطراف السودانية لوقف القتال والعودة إلى المسار السياسي قد تدفع القوى المدنية نحو الوحدة، خاصة وأنها قد استفادت من تجاربها السابقة وأصبحت أكثر إدراكًا بالتحديات التي تواجهها.
أشار إلى أن تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” تبذل جهوداً كبيرة، حيث تجتمع قياداتها حالياً في العاصمة الأوغندية كمبالا، بهدف تفعيل هياكلها وتحسين أدائها والتواصل مع قوى سياسية وكيانات مسلحة لتوسيع قاعدة المشاركة. يتمثل الهدف في تشكيل جبهة عريضة تجمع أكبر عدد ممكن من القوى المدنية، بما في ذلك الشباب والنساء والأحزاب السياسية الفاعلة على الأرض، بالإضافة إلى وضع رؤية مشتركة تتفق عليها القوى المدنية لتحديد الأهداف الاستراتيجية والإجراءات المطلوبة لتحقيقها، وقد حققت الاجتماعات الجانبية تقدماً ملحوظاً في هذا الإطار.
وثيقة نيون
اتفقت مجموعة من القوى السياسية الرئيسية في السودان وشخصيات وطنية ومنظمات مدنية خلال اجتماع غير رسمي في سويسرا على مبادئ وأسس تهدف إلى حل الأزمة السياسية في البلاد وتحقيق وقف فوري لإطلاق النار.
أطلقت القوى التي وقعت على الإعلان اسم “وثيقة نيون”، وقررت أن تتركه مفتوحًا لعرضه على بقية المكونات السياسية في البلاد، بهدف إدارة حوار حوله والتوصل إلى إجماع حوله.
تشدد الوثيقة على أهمية تحقيق وقف فوري لإطلاق النار في السودان لأغراض إنسانية، وتهيئة الظروف لاستئناف عملية سياسية. كما دعت إلى إنشاء جيش محترف موحد بعيداً عن التأثيرات السياسية والحزبية.
أكدت الوثيقة أن السودان موحد ويمتلك سيادة كاملة على جميع أراضيه، وشددت على أهمية وجود دولة مدنية ديمقراطية تكون محايدة تجاه الأديان والهويات والثقافات. كما دعت إلى إنشاء نظام حكم فيدرالي يعترف بحق الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية.
اقترحت أيضًا استراتيجية شاملة للعدالة والعدالة الانتقالية، لضمان المساءلة عن الجرائم التي جرت منذ 30 يونيو 1989، ودعت إلى عملية سلام شاملة ومتكاملة تتناول الجوانب الإنسانية والعسكرية والأمنية والسياسية.
كما دعت إلى الشروع الفوري في المسار السياسي بأسرع وقت ممكن، وأكدت على ضرورة التوصل إلى اتفاق بين القوى السياسية لعقد مؤتمر مائدة مستديرة ودعوة الفاعلين السياسيين والمدنيين في جبهة موحدة تهدف إلى إنهاء الحرب.