أصدرت 46 منظمة، من بينها هيئة محامي دارفور ومركز الخاتم عدلان والمركز الأفريقي للدراسات، بيانًا مشتركًا في منتصف أكتوبر، حيث أشارت إلى تقارير تفيد بزيادة الوجود العسكري للقوات المشتركة في معسكر زمزم.
وأكد البيان أن استخدام مخيمات النازحين لأغراض عسكرية يعرض المدنيين وغير المقاتلين لمخاطر كبيرة، بما في ذلك العمليات العسكرية والانتقام من الأطراف المتحاربة.
هربت زينب مع أطفالها الثلاثة من معسكر زمزم للنازحين إلى مدينة الفاشر يوم الاثنين الماضي، بسبب القصف المدفعي غير المسبوق الذي شنته قوات الدعم السريع على المعسكر. تقول زينب لراديو دبنقا: “اضطررنا للهرب من المعسكر سيراً على الأقدام دون أن نأخذ معنا سوى القليل من أمتعتنا. كان القصف مرعباً ومنظر الضحايا مخيفاً”. وتضيف: “لم يكن أمامي خيار سوى العودة مرة أخرى إلى الفاشر، التي نزحنا منها بسبب تصاعد حدة القتال بين الجيش وحلفائه وقوات الدعم السريع”. استأنفت قوات الدعم السريع قصف معسكر زمزم للنازحين، الذي يبعد 15 كيلومتراً غرب مدينة الفاشر، يوم الثلاثاء، وذلك لليوم الثالث على التوالي. وقد أسفر القصف الذي وقع خلال اليومين الماضيين عن مقتل 8 أشخاص وجرح 13 آخرين. وفي السياق ذاته، تم تجديد القصف الجوي والمدفعي في الفاشر اليوم. وفقاً لإحصائيات المنظمات التطوعية، فإن معسكر زمزم للنازحين يستضيف أكثر من نصف مليون شخص نازح، ويعاني المعسكر من أزمة إنسانية متزايدة نتيجة للمجاعة المستمرة منذ أربعة أشهر.
قال الصحفي معمر إبراهيم لراديو دبنقا إن الطيران الحربي نفذ غارات جوية على المحور الشرقي للفاشر صباح الثلاثاء ، بينما قامت قوات الدعم السريع بقصف المدفعية الذي استهدف المحور الجنوبي الغربي من المدينة، وأشار إلى سقوط القذائف في حي الثورة جنوب وسوق المواشي.
وأوضح أن القصف المدفعي أسفر عن إصابة عدد قليل من الأشخاص، مشيراً إلى أن هذه هي المرة الخامسة التي يتعرض فيها السوق للقصف المدفعي. يقترب القتال بين الطرفين في مدينة الفاشر من شهره السابع، وقد أسفر حتى الآن عن مقتل آلاف المدنيين ونزوح حوالي 140 ألف شخص من المدينة. أكد معمر أن قوات الدعم السريع تسعى يومياً للتقدم نحو الاتجاهات الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية، مشيراً إلى أن الجيش والقوة المشتركة يواجهان هذه الهجمات بشكل مستمر.
قال مواطنون في الفاشر لراديو دبنقا إن قوات الدعم السريع متواجدة بشكل واضح في حي التجانية شرقي المدينة، إلا أن الصحفي معمر إبراهيم أشار إلى أن وجود الدعم السريع في الفاشر محدود. وأضاف أن العمليات الأخيرة للتوغل لم تصل إلى السوق الكبيرة.وأشار إلى أن تأخر انطلاق الجيش والقوة المشتركة في الاتجاه الشرقي أدى إلى استمرار عمليات التوغل واستمرار القصف المدفعي.
نزوح جماعي
أفادت مصفوفة النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية أن القصف المدفعي على معسكر زمزم أدى إلى نزوح 84 أسرة إلى الفاشر ومنطقة دار السلام في شمال دارفور يومي الأحد والاثنين. أعلنت غرفة طوارئ دار السلام في شمال دارفور عن قدوم عدد كبير من الأسر النازحة من معسكر زمزم إلى مدينة دار السلام ومنطقة علاونة، حيث كانت الغالبية من النساء والأطفال. وأشارت إلى أنه تم استقبال 119 أسرة وتم إيواؤهم في مركز رئاسة المحلية. أكد معمر إبراهيم لراديو دبنقا أن حركة النازحين نحو الفاشر استمرت اليوم الثلاثاء، بينما توجه آخرون إلى منطقتي شقرة وخزان قولو، مشيرًا إلى أن القصف المدفعي استهدف بعض المناطق التي استقبلت النازحين الجدد. وصف معمر حركة النزوح من زمزم إلى الفاشر بأنها عكسية وغير مسبوقة، حيث كان النازحون يتجهون سابقًا من الفاشر إلى معسكر زمزم بعد المعارك العنيفة التي شهدتها المدينة. كما أشار إلى الأوضاع المزرية للنازحين الجدد، مبينًا أنهم يتواجدون في الأودية و”الخيران”. تذكر زينب أنها انقطعت عن التواصل مع عائلتها في معسكر زمزم منذ مغادرتها نتيجة فقدان خدمة الإنترنت الفضائي (ستارلينك). أكد معمر أن استمرار انقطاع خدمة الإنترنت الفضائي “ستارلينك” في معسكر زمزم قد جعل من الصعب معرفة الوضع الحقيقي هناك. من ناحيتها، ذكرت منظمة أطباء بلا حدود في تقرير لها أنها قامت بإخلاء مستشفاها في زمزم يوم الاثنين نتيجة لتجدد القصف المدفعي. وأفادت المنظمة بأنه تم نقل المرضى والمصابين إلى مرفق آخر، بما في ذلك ثلاثة أشخاص يحتاجون إلى رعاية طبية مكثفة، كما انتقلت الطواقم الطبية إلى موقع آخر. أفاد الصحفي معمر إبراهيم بأنه تم نقل المصابين إلى مستشفى “السلاح الطبي” ومستشفى “السعودي” في الفاشر.
مواقف دولية
أعربت كليمنتين نكويتا سلامي، المنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان التابعة للأمم المتحدة، عن قلقها الكبير بشأن التقارير التي تشير إلى وقوع قصف في منطقة معسكر زمزم بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور.قالت نكويتا سلامي: “لقد مضى 232 يومًا على حصار مدينة الفاشر، مما تسبب في مستويات غير مقبولة من المعاناة الإنسانية”.وأعربت المسؤولة الأممية عن إدانتها الشديدة للأعمال العنيفة التي تستهدف المدنيين الأبرياء، مضيفة: “أشعر بقلق عميق حيال التقارير المتعلقة بالقصف العشوائي الذي استهدف مخيم زمزم والعيادات الصحية وملاجئ النازحين، وأؤكد على أهمية حماية هؤلاء الأشخاص بشكل كبير”. من ناحيتها، دعت منظمة “أنقذوا الأطفال” جميع أطراف النزاع إلى وقف القتال في مدينة الفاشر، وخاصة في معسكر زمزم.
ودعا المدير القطري المؤقت لمنظمة “أنقذوا الأطفال” في السودان، محمد عبد اللطيف، في بيان اطّلع عليه راديو دبنقا جميع أطراف النزاع في شمال دارفور إلى حماية المدنيين، مشدداً على أن المعاناة التي يمر بها سكان معسكر زمزم للاجئين “تفوق كل تصور”. وأضاف عبد اللطيف: “ندعو إلى تسريع وصول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل والالتزام بالقانون الإنساني الدولي من أجل إنقاذ حياة مئات الآلاف من المدنيين المحتجزين في المخيم.” وفقًا لمنظمة “أنقذوا الأطفال”، فقد لجأ العديد من الأسر إلى تناول علف الحيوانات (الأمباز) بسبب النقص الحاد في الغذاء وارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الذرة والقمح والدخن. يعاني سكان المعسكر من عجز كبير في المياه، حيث يحصل كل شخص على لترين فقط في اليوم، في حين أن الكمية اللازمة يومياً تصل إلى 20 لتراً. أعربت المنظمة عن قلقها من تدهور الأوضاع الصحية في المخيم، حيث تم تسجيل زيادة في حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال، بالإضافة إلى ظهور أعراض مثل الهزال، وتغير لون الجلد، وتورم الأطراف. دعت المنظمة إلى ضرورة التحرك بشكل عاجل من قبل المجتمعين الإقليمي والدولي لتوفير المساعدات الغذائية والطبية، وفتح ممرات آمنة لنقل الإمدادات الإنسانية إلى المخيم والمناطق المتضررة الأخرى.
كابوس حقيقي
في نفس السياق، أفادت منظمة أطباء بلا حدود أن الهجوم يُعتبر كابوسًا حقيقيًا للنازحين في مخيم زمزم، حيث أسفر عن سقوط ضحايا، وانتشار الذعر، ووقوع نزوح جماعي. ووصفت منظمة أطباء بلا حدود الوضع بأنه يفوق السيطرة، حيث تترك المرضى والفرق الطبية المعسكر في محاولة للهروب والنجاة بحياتهم. نقل البيان الصحفي عن ميشيل-أوليفييه لاكارتيه، رئيس عمليات الطوارئ في أطباء بلا حدود، قوله: “لم يكن الناس يعانون من الجوع فحسب، بل يواجهون الآن قصفًا يجبرهم على الفرار مرة أخرى. نحن قلقون على سلامتهم، بما في ذلك سلامة موظفينا، وندعو بشكل عاجل إلى حماية المرضى والمدنيين والفرق الطبية والمرافق الصحية في مخيم زمزم. يجب أيضًا تأمين ممر آمن لمن يفرون من هذا العنف”.
إسقاط الفاشر عبر بوابة زمزم
من ناحيته، صرح والي ولاية شمال دارفور المكلف حافظ بخيت أن القصف المدفعي يهدف إلى الاستيلاء على مدينة الفاشر من خلال معسكر زمزم وإفراغ المدينة من السكان للسيطرة عليها. واتهم بعض المنظمات غير المسماة والحركات المسلحة التي يقودها الهادي إدريس، والطاهر حجر، وسليمان صندل بنقل النازحين إلى مناطق تحت سيطرة حركة تحرير السودان التي يقودها عبد الواحد، بحجة تقديم المساعدات.
تبادل اتهامات
تبادلت قوات الدعم السريع والقوة المشتركة للحركات المسلحة الاتهامات حول المسؤولة عن تدهور الأوضاع في معسكر زمزم، حيث زعمت قوات الدعم السريع أن القوة المشتركة حولت معسكر زمزم إلى قاعدة عسكرية واستغلت النازحين كدروع بشرية. في المقابل، اتهمت القوات المشتركة قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات عديدة في معسكرات النازحين. لم يتمكن راديو دبنقا من الحصول على إجابة سريعة من الجهات ذات الصلة.
وجود عسكري
أشارت 46 منظمة، من بينها هيئة محامي دارفور ومركز الخاتم عدلان والمركز الأفريقي للدراسات، في بيان مشترك صدر في منتصف أكتوبر، إلى تقارير تفيد بأن القوات المشتركة تعزز من تواجدها العسكري في معسكر زمزم.ورأى البيان أن استخدام مخيمات النازحين لأهداف عسكرية يعرض المدنيين وغير المقاتلين لمخاطر العمليات العسكرية والانتقام من الأطراف المتنازعة. طالبت الأطراف المتصارعة بوقف نشر القوات والمعدات العسكرية في معسكر زمزم، وإنهاء التواجد العسكري في معسكرات النازحين بجميع أنحاء دارفور. كما دعت إلى وقف العمليات العسكرية والقصف المدفعي والجوي.أشار مركز البحوث الإنسانية في جامعة ييل الأمريكية، في تقريره الذي صدر في نوفمبر، إلى أن صور الأقمار الصناعية أظهرت وجود تحصينات جديدة بالقرب من معسكر زمزم.
إدانة
أعربت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في السودان عن إدانتها للقصف المدفعي الذي استهدف معسكري أبو شوك وزمزم في الفاشر. كما أدانت القصف الجوي الذي نفذته الطائرات الحربية، وأشارت إلى استهداف المواطنين خلال تلك العمليات. أعرب آدم رجال، المتحدث باسم المنسقية، عن حزنه الشديد للإساءات الأخلاقية الكبيرة التي تقوم بها قوات الدعم السريع والجيش السوداني. كما دعا جميع أطراف النزاع إلى الابتعاد عن معسكرات النازحين وعدم استخدامها كحلبات للقتال.