على الرغم من هرب السودانيين إلى أوغندا بحثاً عن حياة آمنة بعيداً عن مآسي الحرب بعد بدء النزاع في منتصف أبريل 2023، إلا أن الصراعات السياسية والإثنية التي تركوها وراءهم قد تسللت إلى تجمعاتهم ومعسكراتهم داخل العاصمة كمبالا ومحيطها. وفقاً لتقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد اللاجئين السودانيين في أوغندا حتى شهر أكتوبر الماضي 54,343 شخصاً، من إجمالي 1,741,331 لاجئاً وطالب لجوء يتواجدون في البلاد. ويشكل اللاجئون من جنوب السودان النسبة الكبرى حيث يصل عددهم إلى نحو 959,303، تليهم مجموعة تتكون من 538,138 لاجئاً من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
حادثة التخريج
شهد حفل تخريج طلاب سودانيين في معهد نيلسون في كمبالا في نوفمبر الماضي حالة من التوتر السياسي، حيث تم تبادل الهتافات المؤيدة لأطراف النزاع في السودان. فقد هتف مؤيدو “القوة المشتركة” بشعاراتهم، بينما كان أنصار قوات الدعم السريع يردون بهتافات مضادة. وانتهى الحفل بمشادات كادت تتطور إلى اشتباكات جسدية، لولا تدخل العقلاء لتهدئة الأوضاع.
أزمة توزيع المساعدات
في معسكر كيرنانغدو، الذي يبعد حوالي 4 ساعات عن كمبالا، ظهرت أزمة جديدة في 18 نوفمبر الماضي تعكس زيادة التوترات بين اللاجئين داخل المخيم ومجموعات قدمت من كمبالا. وقد نشب النزاع نتيجة توزيع مساعدات إنسانية قدمتها السفارة الإماراتية، والتي تضمنت 30 ألف سلة غذائية. أفاد عثمان آدم، المتحدث الرسمي باسم المكتب القيادي للاجئين السودانيين في معسكر كيرنانغدو، في حديثه لـ “التغيير”، أن المكتب قدّم طلباً إلى السفارة الإماراتية يشمل مساعدات تتضمن سلة غذائية، ونقطة مياه، ومستشفى، وسيارتي إسعاف لخدمة جميع اللاجئين داخل المعسكر. بعد وصول السلة الغذائية، تم إعداد خطة توزيع استندت إلى مبدأ المساواة بين اللاجئين، حيث تم تخصيص 30% من المساعدات للاجئين من جنوب السودان لتعزيز التعايش، في حين تم توزيع باقي السلة على السودانيين داخل المعسكر. ومع ذلك، واجهت العملية اعتراضات من جماعات قادمة من كمبالا، التي رفضت المساعدات واعتبرتها متعارضة مع دور الإمارات في النزاع السوداني. وتحولت هذه الاعتراضات إلى فوضى داخل المعسكر، مما جعل المكتب يتعاون مع الجهات الأمنية الأوغندية لضمان إتمام عملية التوزيع بشكل هادئ.
صراعات قديمة تتجدد
يشير الناشط السوداني ضرار آدم ضرار، الذي يعيش في كمبالا منذ أكثر من عشرة أعوام، في حديثه مع “التغيير” إلى أن الوجود السوداني في أوغندا شهد مراحل مختلفة. ففي السنوات التي سبقت توقيع اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) في عام 2005، كان التركيز على أنصار الحركة الشعبية لتحرير السودان، ومعظم هؤلاء كانوا لاجئين من الجنوب، ولم يكن هناك صراعات سياسية أو إثنية ملحوظة في ذلك الوقت. بعد توقيع اتفاق نيفاشا وانفصال جنوب السودان، شهدت طبيعة اللاجئين السودانيين في أوغندا تغييرات ملموسة، مع بروز مجموعات معارضة من مناطق مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، بالإضافة إلى ظهور تيارات سياسية مثل الجبهة الثورية. ورغم هذا التنوع، بقيت العلاقات الاجتماعية بين اللاجئين هادئة نسبياً، حيث جمعهم معارضتهم المشتركة لنظام البشير، كما أشار ضرار. في المرحلة الثالثة، بدأت مع اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023. تدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين من مختلف مناطق السودان، مثل الخرطوم والجزيرة وكردفان، مما أدى إلى تنوع كبير من الناحية الإثنية والسياسية داخل معسكرات اللجوء. ووفقاً لضرار، فإن هذا التنوع أدى إلى ظهور خلافات بين المجموعات التي تدعم الجيش وتلك التي تؤيد قوات الدعم السريع. اعتبر ضرار أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في تفاقم هذه الصراعات، وتحولت منصاتها إلى أدوات لنشر خطاب الكراهية وتعزيز الانتماءات القبلية.
تأثير الاستقطاب السياسي
أفاد الباحث الاجتماعي خضر الخواض في حديثه لـ”التغيير” أن الصراعات داخل مجتمعات اللاجئين تعكس بشكل مباشر الوضع السياسي في السودان. وأوضح أن الانتماءات القبلية والولاءات السياسية تعتبر العوامل الرئيسية وراء هذه النزاعات، خاصة بين الشباب والمراهقين الذين يفتقرون إلى الخبرة السياسية والنضج الاجتماعي. أكد خضر أن القوانين في أوغندا تمنع القيام بأي نشاط سياسي داخل مخيمات اللاجئين، مما يجعل استمرار هذه الأنشطة مخالفاً للقانون. كما أشار إلى أن غياب الدور الفعال للمجتمع المدني في توعية اللاجئين بهذه القوانين زاد من حدة المشكلة.
دعوات للتضامن والحذر
وفقًا للمتحدث الرسمي للاجئين بكيرنانغدو، فقد استشعر المكتب القيادي منذ البداية خطورة الاستقطاب السياسي والإثني، مما دفعه لاتخاذ خطوات استباقية للحيلولة دون تفاقم الوضع. وقد تم إنشاء مكتب تمثيلي يضم جميع السودانيين بهدف توحيد الجهود وتفادي النزاعات، بالإضافة إلى فرض حظر صارم على أي أنشطة سياسية داخل المعسكر، بالاستناد إلى القوانين الدولية والإنسانية التي تمنع ممارسة الأنشطة السياسية ضمن تجمعات اللاجئين. قال آدم: الأحداث الأخيرة في المعسكر مرتبطة بشكل وثيق بما يحدث في العاصمة كمبالا، حيث ساهم التوتر السياسي في خلق أجواء من القلق بين اللاجئين السودانيين. وأوضح أن هناك بعض الجهات السياسية الموجودة في كمبالا تعمل على نقل خلافاتها إلى المعسكرات، مما يضر بمصالح اللاجئين ويعرضهم لمخاطر قانونية واجتماعية كبيرة.