الخرطوم – عبد الرحمن العاجب
بعد نجاح العملية التي أطلقت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان اسم (النوايا الحسنة) والتي بموجبها أفرجت عن (125) أسيراً، كانت تحتجزهم في مناطق النزاع المسلح بالنيل الأزرق وجنوب كردفان، وإصدار المشير عمر البشير رئيس الجمهورية قراراً جمهورياً قضى بإسقاط عقوبة الإعدام عن النزلاء المحكومين بالإعدام والمتهمين في عدد من المعارك والبالغ عددهم (259) محكوماً ومتهماً، قالت حركة تحرير السودان التي يتزعمها عبد الواحد محمد نور، إن القرار الرئاسي الذي أصدره عمر البشير رئيس الجمهورية بخصوص إطلاق سراح أسرى الحركات المسلحة لم يشمل أسراهم، وأبرزهم القائد (مصطفى تمبور)، الناطق العسكري باسم جيش تحرير السودان، الذي يعاني من مرض الكلى، وأشادت الحركة بإطلاق سراح أسرى قوات الحكومة من قبل الحركات الثورية، ووصفته بالعمل الإنساني النبيل، وقالت إنها في 2015م أطلقت سراح أكثر من (15) أسيراً من قوات الحكومة تم تسليمهم للصليب الأحمر دون ضوضاء، وأشارت إلى قناعتها بأن ملف الأسرى إنساني بحت، ولا مجال للمزايدة والتكسب الإعلامي والسياسي من خلفه.
في الثالث عشر من ديسمبر من عام 2015م، أعلنت حركة تحرير السودن بقيادة عبد الواحد محمد نور أسر مصطفى تمبور الناطق العسكري لجيش تحرير السودان واثنين من رفاقه، أثناء قيامهم بمهمة إدارية ناحية مدينة (الضعين)، وناشدت الحركة وقتها في بيان صادر عنها، كافة المنظمات الحقوقية والمهتمين بحقوق الإنسان الضغط على النظام للإفراج عن جميع الأسرى ومعاملتهم معاملة إنسانية لائقة، كما نصت المعاهدات والمواثيق الدولية واتفاقية (جنيف).
في نهاية سبعينيات القرن الماضي، شهدت مدينة (زالنجي) صرخة ميلاد مصطفى نصر الدين تمبور.. المدينة الوريفة التي تتوسط كل من (وادي أريبا) و(وادي أزوم) والتي تحفها الخضرة والجنائن والجبال من كل النواحي، ساهمت في تشكيل شخصية تمبور الذي نشأ وترعرع فيها، وسط أسرة مشبعة بالعلم والثقافة، وكان والده نصر الدين أحمد تمبور والذي لا يزال على قيد الحياة، يعمل معلماً بمدارس الأساس من أعيان مدينة زالنجي الذين يشار لهم بالبنان.. ودرس مصطفى تمبور جميع مراحله الدراسية الابتدائية والوسطى والثانوي بمدينة (زالنجي)، التي تكسوها خضرة جنائن الفواكه المختلفة ورمال الوديان الكبيرة والعريقة والتلال والتي بدورها ساهمت في تشكيله.
مدينة (زالنجي) التي أنجبت عبد الواحد محمد نور، رئيس حركة تحرير السودان، هي ذات المدينة التي أنجبت مصطفى تمبور الذي درس فيها جميع مراحله الدارسية، وبعدها التحق بجامعة النيلين طالباً في كلية القانون.. وإبان دراسته الجامعية نشط تمبور في العمل بتجمع روابط طلاب دارفور، وبعدها قام مع عدد من رفاقه الطلاب بتأسيس تنظيم الجبهة الشعبية المتحدة الـ(u p f)، الجناح الطلابي لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، وبعدها التحق تمبور مقاتلاً بصفوف الحركة ولم يبرح الميدان إلى أن تم تعيينه ناطقا رسميا باسم جيش الحركة، وباعتقاله تكون الحركة فقدت أحد أميز كوادرها السياسية والعسكرية.
الحركة التي ولدت قبل نحو عقد من الزمان وأربعة أعوام تقريباً، تقلد عبد الواحد محمد نور رئاستها، بينما تقلد مني أركو مناوي منصب أمينها العام.. وبسرعة فائقة ووتيرة متسارعة لمع نجم قادتها إثر اعتداء الحركة على مطار مدينة (الفاشر)، حاضرة ولاية شمال دارفور في عام 2003م، ولكن قبل أن تمضي ثلاث سنوات على تأسيس الحركة الوليدة ضربتها صراعات عنيفة أدت إلى انشقاقها في مؤتمر (حسكنيتة) الشهير، الذي عقد عام 2005، والذي بموجبه انقسمت الحركة إلى جناحين؛ الأول يقوده عبد الواحد والثاني يقوده مناوي، الذي اختارت مجموعته الاتجاه غرباً صوب العاصمة النيجيرية (أبوجا)، وتوصلت فيها لاتفاق مع الحكومة السودانية في عام 2006م.
وظلت خيبات الأمل تلاحق حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور والتي بلغ عمرها عقداً وأربعة أعوام من الزمان، تقريباً، وطوال مسيرتها مرت الحركة بمنعطفات ومنعرجات كادت أن تعصف بوجودها، وفقدت في فترات متفاوتة أميز قادتها وكوادرها السياسية والعسكرية، تارة بسبب الخلافات التي ضربت صفوفها، وتارة أخرى بسبب المعارك التي خاضتها ضد القوات الحكومية والتي أفقدتها عددا كبيرا من القادة والمقاتلين. وتواصلت الانشقاقات بداخلها وخرجت منها حركة تحرير السودان (الإرادة الحرة) بقيادة الدكتور الراحل عبدالرحمن موسى، وعلي مجوك المؤمن، وحركة تحرير السودان (الأم) بقيادة أبو القاسم إمام الحاج، الذي كان يعتبر الساعد الأيمن لرئيس الحركة عبد الواحد، وبموجب الاتفاق المبرم بين الحكومة والحركة المنشقة تم تعيين أبوالقاسم إمام الحاج وقتها والياً على ولاية غرب دارفور.
وتواصل النزيف المتمثل في فقدان أميز الكوادر العسكرية والسياسية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد داخل الحركة، بل ضربتها موجة خلافات أخرى قادت بدورها إلى انشقاق آخر قاده أحمد عبد الشافع (توبا)، مسؤول العلاقات الخارجية بالحركة، والذي لعب دورا خارجيا كبيرا، استطاع من خلاله تحسين صورة الحركة خارجياً، وبعد خروج عبد الشافع مغاضباً من الحركة اتجه صوب مدينة (جوبا) وأسس مع عدد من رفاقه حركة تحمل اسم (تحرير السودان)، وبعدها انضوى تحت لواء حركة التحرير والعدالة والتي غادرها تاركاً الكفاح المسلح.
الحركة التي اختارت الكفاح المسلح سبيلاً لتحقيق أهدافها، فقدت طوال مسيرتها عددا من كوادرها السياسية والعسكرية بطرق مختلفة، منها الانشقاق والفصل، إلى جانب القتل والأسر الذي تعرض له مقاتلو الحركة في معاركها ضد القوات الحكومية، والتي كان آخرها معارك منطقة (فنقا) و(سرونق) بشرق جبل مرة، التي فقدت فيها الحركة عددا من المقاتلين بالموت والأسر، وكل هذه العوامل أثرت بشكل كبير على الحركة وكادت أن تقعدها عن مواصلة مشوارها الذي اختارته لتحقيق أهدافها المعلنة.. ولكن بعد أن تواصل النزيف داخل الحركة والذي بسببه فقدت أميز كوادرها السياسية والعسكرية تارة بسبب الانشقاقات التي ضربت صفوفها وتارة أخرى بالأسر، سيبقى مستقبلها في خطر ما لم تضع الحركة بشكل حاسم حداً لمعالجة الأخطاء المتكررة التي ظلت ترتكبها.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي