السودان الان السودان عاجل

هل يساهم تهديد الرئيس الاريتري أفورقي في تصعيد باب التدخلات الدولية في السودان؟ خبراء يعلقون

مصدر الخبر / موقع التغيير

منذ بدء حرب السودان في 15 أبريل من العام الماضي، لم تعلن أي دولة عن تدخلها بشكل علني للقتال إلى جانب أحد طرفي النزاع. ومع ذلك، فإن تصريحات رئيس إريتريا، أسياس أفورقي، بشأن احتمال تدخل بلاده في حالة تهديد الولايات السودانية الشرقية، قد تفتح المجال لدول أخرى للانخراط بشكل علني في الصراع.

بورتسودان :كمبالا: التغيير

في الأيام الأخيرة، ذكر رئيس إريتريا “أسياس أفورقي” إمكانية تدخل بلاده بشكل مباشر في الصراع السوداني دعماً للجيش السوداني، إذا اقتربت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع من المناطق الشرقية. وأضاف أفورقي في تصريحات صحفية: “إذا انتقلت هذه الحرب إلى تلك المناطق، فلن تبقى إريتريا ساكنة، وستكون جزءًا من النزاع بكل ما لديها من جيوش وإمكانات، لأن أمنها القومي سيكون في خطر”.

تخوف أفورقي

يعتقد المراقبون أن إعلان أفورقي عن إمكانية تدخل بلاده في النزاع السوداني يعكس قلقه من أن تصل تداعيات الحرب إلى دولته التي تعاني من صراعات سابقة. ويرى البعض أن أفورقي يعتبر ولايات شرق السودان – القضارف وكسلا وبورتسودان والنيل الأزرق – بمثابة عمق استراتيجي لبلاده.

تقارب العلاقات

شهدت العلاقات بين السودان وإريتريا تقاربًا ملحوظًا منذ بداية الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث قامت إريتريا بفتح أراضيها لتدريب قوات الأورطة الشرقية تحت قيادة الأمين داؤود، وذلك بهدف تأمين شرق السودان في حال امتداد النزاع إليه. وفي نهاية نوفمبر الماضي، قام البرهان بزيارة إلى إريتريا حيث عقد مباحثات مع أفورقي تناولت أوجه التعاون بين البلدين وأحدث التطورات في السودان، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار. أطلع البرهان أفورقي على التطورات الأخيرة في السودان، والانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع ضد المواطنين، بالإضافة إلى التدمير المنظم الذي تتعرض له الدولة السودانية ومؤسساتها، وذلك حسب ما جاء في بيان إعلام مجلس السيادة.

عدم ثقة بالبرهان

في المقابل، يعتبر مصدر دبلوماسي أن إريتريا لا تضع ثقتها في البرهان، وهو ما أكده أفورقي للوفد الصحفي السوداني الذي زار بلاده مؤخرًا. وأوضح الدبلوماسي أن الوضع الحالي في الشرق يمثل فوضى منظمة، قد تكون قابلة للانفجار بسبب استخدام الجيش للعناصر الاجتماعية، واصفًا هذه الحالة بأنها “لعبة خطرة” قد تستفيد منها بعض الأطراف الإقليمية لصالح الدعم السريع. كما أشار المصدر إلى أن قوات الأورطة بقيادة الأمين داؤود ليست قوات سودانية بحتة، بل تتداخل بشكل كبير مع الجيش الإريتري. وأفاد المصدر أن أفورقي قد التقى في 3 ديسمبر 2024 بمحمد الأمين ترك، بهدف طمأنته بأنه لا توجد قوات من الأورطة منتشرة ضد قضايا البجا. ويعتقد الدبلوماسي أن الحل يتطلب من الجيش أن يتولى القيادة ويتجنب “ملشنة الحروب الداخلية”، أي تفريخ المزيد من الميليشيات، وأن يتحول إلى جيش محترف ووطني يحمي الحدود، ويترك السلطة للقوى المدنية، من خلال وقف الحرب.

تخوف ترك

أعرب رئيس مجلس البجا والعموديات المستقلة، محمد الأمين ترك، عن قلقه من تشكيل “الأورطة الشرقية”. وقد أشار في مناسبات عديدة إلى أن هذه القوات جاءت بهدف إضعاف مكون البجا، واعتبر أنها تتكون من قوميات تحمل عداء تاريخيًا تجاه البجا. وبالتالي، أعلن عن فتح معسكرات لتجنيد مقاتلين من مكون البجا. وقد أدت هذه الخطوة إلى تدخل الرئيس الإريتري أفورقي، الذي طلب من ترك زيارة أسمرا ليطمئنه بأن القوات لن تكون ضد البجا.

بر الأمان

وفقًا لرئيس تحرير صحيفة (التيار) السودانية، عثمان ميرغني، الذي زار أسمرا كجزء من وفد صحافي سوداني الشهر الماضي، أفاد بأن الرئيس الإريتري أبلغهم أن بلاده “تعتبر الحرب الحالية حربًا إقليمية تهدف إلى استهداف السودان”، داعيًا إلى التعامل معها بجدية أكبر.

وأضاف أفورقي: “لم يكن يجب السماح بظهور هذه الحرب من الأساس، سواء سلمًا أو حربًا، ويجب عدم السماح باستمرارها لأكثر من عام ونصف، وكان ينبغي توجيه ضربة استباقية لـ(الدعم السريع)”. وأضاف ميرغني عبر حسابه الشخصي على “فيسبوك” أن أفورقي أشار إليهم بأهمية أن تصل الدولة السودانية إلى ما سماه “بر الأمان”، مشددًا على أن ذلك “يأتي في مقدمة الأولويات”. وأوضح أفورقي أن “الدولة السودانية تواجه تحديًا يتعلق بالبقاء أو الانقراض، وإنقاذها من هذا المصير يتطلب توحيد صفوف الشعب السوداني مع الجيش”.

تدخل دول الإقليم

من ناحيته، أشار المتحدث الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، بكري الجاك، إلى أن امتداد الحرب إلى شرق السودان سيؤدي إلى تدخل دول المنطقة، مما قد يغير طبيعة الصراع ليصبح صراعاً حول مياه النيل والنفوذ السياسي. صرح الجاك في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء الماضي: “حتى ديسمبر من العام الماضي، لم تكن الحرب قد أثرت على البلاد بهذا القدر نتيجة لتوسعها. ومع غياب اتفاق لوقف إطلاق النار أو التزام بإنهاء الأعمال العدائية، فإن أي مكان في السودان يصبح للأسف ساحة للصراع بين الطرفين، ولا توجد منطقة آمنة”.

وأضاف: “لقد أصبح وضع الحرب معقدًا، وأصبحت الآن ساحة الحرب مكانًا للتدخلات الخارجية في السودان، حيث تتيح الحروب فرصًا أوسع للتدخل. وللأسف، فإن الحرب في السودان تخرج عن سيطرة طرفي النزاع، وقد تتحول إلى حرب بالوكالة في منطقة القرن الأفريقي.”

وتابع قائلاً: “قبل أيام، سمعنا تصريحات من قادة بعض الدول حول تدخلهم في الحرب لصالح إحدى الجهات المتصارعة”. وزاد: “لا نرغب في أن يصبح السودان ساحة للصراع الدولي، فاستمرار الحرب سيؤدي بالبلاد إلى كارثة شاملة لن تترك شيئاً”. وأكمل بالقول: “ليس لدينا أي شك في أن الحرب ستتحول إلى صراع إقليمي إذا استمرت لمدة ستة أشهر أخرى”.

انكسار الجيش

يعتقد إدريس سليمان حليفة، المختص في الشؤون الإريترية، أن تدخل النظام الإريتري في السودان يرجع إلى عدة عوامل، منها منع الجيش السوداني من الانهزام أمام قوات الدعم السريع، خاصة في الاتجاه نحو الولايات الشرقية.

وهذا يعد تهديدًا مباشرًا للنظام الإريتري، يتمثل في تدفق اللاجئين الهاربين من النزاع، حيث سيسبب تواجدهم بأعداد كبيرة خطرًا أمنيًا يجعل من الصعب على النظام السيطرة على الحدود وإدارة المنافذ والمعابر على طول الحدود. قال إدريس في مقال نُشر على موقع إذاعة أرينا الدولية إن الاعتبار الثاني هو منع قوات الدعم السريع من الوصول إلى الحدود السودانية الإثيوبية، حتى لا تتمكن من إيجاد وسيلة بديلة للحصول على الدعم اللوجستي لعملياتها العسكرية في وسط السودان عبر إثيوبيا، التي تربطها علاقات جيدة مع قوات الدعم السريع. استقبلت إثيوبيا في بداية العام الحالي الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” كأنه رئيس دولة، كما تم عقد الاجتماع التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” في عاصمتها أديس أبابا.

وكان رئيس وزرائها آبي أحمد هو أول من دعا إلى فرض حظر على الطيران العسكري السوداني العام الماضي. ومع تفاقم التوترات بين إريتريا وإثيوبيا، قد يؤدي هذا الوضع إلى تشكيل جبهة معارضة على الحدود بين إريتريا وإثيوبيا والسودان.

وأضاف حليفة: “الاعتبار الثالث يتمثل في رغبة إريتريا في الحفاظ على ضعف الوضع في السودان، حتى لا يشكل تهديدًا للنظام في المستقبل. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تفتيت وحدة المجتمع السوداني وتماسكه، عن طريق إشعال الخلافات الحادة بين مكوناته، بحيث لا تنجح هذه الوحدة. وهذا يفسر إنشاء معسكرات التدريب في إريتريا للمجموعات المختلفة في شرق السودان، على الرغم من تناقضاتها الداخلية.” وأضاف قائلاً: “أما الاعتبار الأخير، الذي يعد الأبعد، فقد يتعارض أسياس أفورقي مع بعض قناعاته الراسخة، وقد يسعى إلى استقرار السودان بدلاً من زعزعته إذا شعر بوجود تهديد آخر خطير يهدد حكمه”. وبين هذا وذاك، يبقى شرق السودان بالنسبة للرئيس أفورقي، كما يشير فتحي عثمان، أشبه بقلم رصاص مشحذ من الطرفين، حيث يمكن استخدام أي من الطرفين لتحقيق غرضه، سواء كان هذا الغرض هو زعزعة الأوضاع أو تحقيق الاستقرار.

عن مصدر الخبر

موقع التغيير