في تطورات سريعة، فقد النظام السوري خلال يوم السبت عدة مناطق في ريف دمشق بعد انسحاب قواته، ليحل مكانها مسلحون محليون وعناصر من فصائل المعارضة. وأفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بأن فصائل المعارضة باتت قريبة من أبواب دمشق بعد الانسحابات المتكررة من ريف العاصمة. وأشار إلى أنه من المتوقع أن يشهد الباقون من سكان مناطق المصالحات تدافعًا في الأيام القادمة.
من بين المناطق التي خرجت من سيطرة النظام، هناك جرمانا وداريا والكسوة وعرطوز. كما انسحبت قوات اللواء 66 التابع للفرقة الرابعة من منطقة القلمون باتجاه دمشق. وأضاف المرصد أن مسلحي فصائل المعارضة أصبحوا على بعد 10 كيلومترات من العاصمة، ويحيطون بلدات زاكية وخان الشيح وسعسع بهدف تحرير السجناء في سجن الأمن العسكري. جاءت هذه الانسحابات بعد تقدم كبير حققته فصائل المعارضة في جنوب سوريا، وبالأخص في محافظتي القنيطرة ودرعا. وعقب سيطرتها على مدينة الصنمين، أعلنت هذه الفصائل أنها بدأت المرحلة الأخيرة من حصار دمشق.
أوضح الباحث السوري وائل علوان أن دمشق لا تزال تحت سيطرة النظام، لكن الفوضى تتزايد في المناطق الريفية بسبب هذه الانسحابات. أضاف أن معظم مناطق ريف دمشق أصبحت خارج سيطرة النظام، باستثناء النقاط العسكرية.
في تطور آخر، وثق ناشطون سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحطيم تمثال حافظ الأسد في جرمانا، وإحراق صور بشار الأسد في داريا. وهذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها مناطق في ريف دمشق عن سلطة النظام منذ عام 2018. قبل ذلك، خاضت قوات الأسد عمليات عسكرية واسعة النطاق ونجحت في السيطرة على محيط دمشق بموجب اتفاقيات “تسوية” رعتها موسكو. على الرغم من فقدان النظام لمناطق عدة، فإن تقارير وزارتي الدفاع والداخلية التابعتين له تشير إلى أن قواته مستعدة للمقاومة. كما أكدت فصائل المعارضة على تركيز جهودها على دمشق، مشيرة إلى أنها تقترب من إتمام الحصار الكامل للعاصمة. وفقًا للرئاسة، فإن بشار الأسد لا يزال يقوم بمهامه من مكتبه في دمشق، بينما أكد وزير الداخلية على إحكام الطوق الأمني حول الأطراف.
ويعيش الأسد في القصر الجمهوري على جبل قاسيون، الذي يعد المقر الرسمي لرئاسة الجمهورية. وحسب خبراء، تتوزع مهام حماية القصر الجمهوري بين عدة جهات، من بينها “الحرس الجمهوري” و”الفرقة الرابعة”، التي تؤدي دورًا كبيرًا في حماية محيط دمشق. ومع ذلك، فإن التحديات تزداد في ضوء الأحداث الأخيرة، ولا يُعرف ما إذا كانت هذه القوات ستستطيع البقاء في حال تغيّرت مجريات المعركة.
اين الاسد
على الرغم من فقدان النظام السوري لمناطق شاسعة في سوريا، وخاصة في محيط العاصمة دمشق لصالح فصائل المعارضة، فإن البيانات التي أصدرتها وزارتا الدفاع والداخلية التابعتان له في الساعات الأخيرة تشير إلى أن قواته تستعد لـ “المقاومة”. تشير المعلومات المتعلقة بفصائل المعارضة المسلحة إلى أن تركيزها الحالي ينصب على دمشق، حيث أفادت يوم السبت بأنها تقترب من فرض حصار كامل على العاصمة السورية.
وفقًا لرئاسة الجمهورية السورية، فإن رئيس النظام السوري بشار الأسد لا يزال يواصل أداء واجباته من مكتبه في دمشق. ومن جانبه، أشار وزير الداخلية اللواء محمد الرحمون إلى وسائل الإعلام أنهم “وفروا طوقًا أمنيًا مشددًا جدًا حول أطراف دمشق، ولا يستطيع أحد اختراقه”، كما ذكر. يقيم بشار الأسد في القصر الجمهوري الذي يقع على جبل قاسيون، حيث يُعتبر هذا القصر المقر الرسمي لرئيس الجمهورية السورية ومركز إدارة شؤون الحكم في البلاد. بالإضافة إلى القصر الجمهوري، توجد مواقع أخرى يُعتقد أن الأسد يعتمد عليها لأداء مهامه، خاصة في ظل الظروف الأمنية الراهنة في البلاد. من بين هذه المواقع “قصر الشعب” الواقع على قاسيون، والمكتب الرئاسي في كفرسوسة، بالإضافة إلى مواقع سرية أو بديلة، وفقًا لما أشار إليه خبراء وباحثون لموقع “الحرة”. ما القوات المسؤولة عن حمايته؟ تتولى ثلاثة جهات مسؤولية حماية القصر الجمهوري، وفقًا للباحث السوري في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محسن المصطفى والخبير العسكري إسماعيل أيوب. الجهة الأولى هي “الحرس الجمهوري”، القوة الأساسية المكلفة بحماية قصر الأسد، والتي أُسست منذ سنوات عديدة بهدف ضمان حمايته وحماية نظامه بشكل خاص. على مدى سنوات عديدة، كانت عملية اختيار عناصر “الحرس الجمهوري” تتم بعناية فائقة، استنادًا إلى مستوى اللياقة البدنية ودرجة الولاء للنظام، بالإضافة إلى الانتماء الطائفي في العديد من المناطق، حسب ما ذكره المصطفى.
ويشير إلى أن “الحرس الجمهوري يحتوي على وحدات مدربة بشكل ممتاز”، لكنه يستبعد أن يكون له تأثير فعّال، وذلك استناداً إلى المعلومات الميدانية التي تم ملاحظتها في سوريا خلال الأسبوع الماضي. الجهة الثانية هي “الفرقة الرابعة مدرعات”، وعلى الرغم من أن هذه الوحدة العسكرية ليست مسؤولة عن حماية القصر، إلا أنها تلعب دوراً هاماً منذ سنوات عديدة في تأمين محيط العاصمة دمشق. يقود “الفرقة الرابعة” شقيق بشار الأسد، ماهر الأسد، وقد ارتبط اسمها دومًا بتنسيق عمليات تهريب الكبتاغون من سوريا، بالإضافة إلى ارتكاب جرائم وحشية، من أبرزها ما حدث في سجن صيدنايا عام 2008 عندما وقع استعصاء. “خط دفاع أول” يوضح الخبير العسكري إسماعيل أيوب لموقع “الحرة” أن “الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة يُعتبران منذ سنوات طويلة الخط الدفاعي الأول عن العاصمة السورية دمشق”.
قبل عام 2011، كان عدد جنود “الحرس” حوالي 20 ألف جندي، وكذلك كانت الحال بالنسبة للفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر الأسد. يشير أيوب إلى أن كلاً من الوحدتين مزودتان بدبابات متقدمة مثل “تي 82″، بالإضافة إلى عربات للدفاع الجوي من طراز “بانتسير”. من جانبه، يوضح الباحث السوري المصطفى أن “الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة يعملان كقوة دفاعية لحماية القصر الجمهوري”. ويضاف إلى ذلك “القوات الخاصة” التي يقودها اللواء سهيل الحسن. وتتولى هذه الوحدات الثلاث مسؤولية حماية القصر الجمهوري، بحسب ما ذكره الباحث في حديثه لموقع “الحرة”. لكنّه يضيف قائلاً: “ليس من المؤكد ما إذا كانت الفصائل ستخوض القتال بعد سقوط أرياف دمشق ومحيطها. أين سيكون مكان قتالهم؟ في المدن؟ ننتظر لنرى نتائج معركة حمص التي تشنّها فصائل المعارضة.” يؤكد الخبير العسكري أيوب على ذلك، حيث يرى أنه إذا تمكنت فصائل المعارضة من السيطرة على حمص، فإن القوات المسؤولة عن القصر الجمهوري ستجد نفسها محاصرة، ولن يكون لديها مكان للهروب سوى إلى لبنان. من ناحية أخرى، يشير إلى أن فصائل المعارضة لم تصل إلى محيط دمشق بأسلحة خفيفة فقط، بل أيضاً بأسلحة متطورة من بينها الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى المدفعية والدبابات. وبالتالي، “سيسفر ذلك عن مقاومة من قبل القوات المعنية بحماية القصر الجمهوري، مما يؤدي إلى مقتل بعض من أفرادها وضباطها، فضلاً عن وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين وتدمير المنشآت”.