أعرب المتحدث الرسمي للمحكمة الجنائية الدولية عن أمله في أن يعود الاستقرار إلى السودان، مما سيمكن من تعزيز التعاون مجددًا.
لاهاي: أمل محمد الحسن
وصف فادي العبد الله، الناطق الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية، بدء المرافعات الختامية في محاكمة علي كوشيب بأنه “مرحلة هامة”، حيث تبين أن العدالة ستواصل جهودها في التحقيق، مما يمنح الضحايا أملاً في تحقيق العدالة وكشف الحقائق المتعلقة بما حدث والمسؤولين عنه. يتم محاكمة علي عبد الرحمن كوشيب في المحكمة الدولية بعد أن سلم نفسه في عام 2019، حيث يواجه اتهامات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور خلال الفترة من أغسطس 2002 إلى أبريل 2004.
أكد العبد الله في تصريحات صحفية أدلى بها اليوم الأربعاء في مقر المحكمة في لاهاي، أن الجرائم الخطيرة التي يُتناول الحديث عنها في نظام روما الأساسي، مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم ولا تتوقف المتابعات القانونية المتعلقة بها. وأضاف أن مرور الزمن لا يعطل الإجراءات القضائية، وأن القضاة هم الجهة الوحيدة القادرة على وقفها بناءً على أسباب قانونية، حيث “تستمر العدالة دائماً في السعي لخدمة الضحايا”.
وفيما يتعلق بتأثير محاكمة “كوشيب” على الأوضاع في السودان، ذكر الناطق الرسمي أن هذه المحكمة تُعَد جزءًا من المحاكمات الضرورية التي تجري في السودان وفي مناطق أخرى من العالم. وأضاف أنه سيكون هناك المزيد من المحاكمات، سواء في إطار المحكمة الجنائية الدولية أو من خلال المحاكم الوطنية، مشيرًا إلى أن هذا أمر ضروري لكشف الحقيقة ووقف دوامة العنف المتبادل والسعي إلى الانتقام، من خلال وجود سلطة قضائية تعمل على تحديد المسؤوليات ومعاقبتها. فيما يتعلق بتأخير المحاكمات، أشار العبد الله إلى أنها تستغرق وقتاً طويلاً بسبب اعتمادها على عوامل خارجية. وأوضح أن السودان امتنع عن التعاون مع المحكمة في انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن، “لذلك فإن المحكمة ليست المسؤولة عن هذا التأخير بشكل رئيسي”. وأضاف: من الضروري تواجد الشخص المطلوب أمام المحكمة، حيث إنها لا تعقد محاكمات غيابية.
وأشار إلى عدم وجود قوات عسكرية لدى المحكمة، مما يضطرها لطلب المساعدة من الدول للقبض على الأفراد وتسليمهم إلى المحكمة. أكد العبد الله أنه بعد اعتقال الشخص المطلوب تبدأ مرحلة أخرى تأخذ الإجراءات فيها وقتاً أطول من المعتاد أمام القضاء الوطني، لأن القضايا ليست بسيطة بل تحمل درجة عالية من الخطورة وتحدث في مناطق جغرافية أوسع، وغالباً ما يكون المدى الزمني طويلاً. وأشار إلى أن عدد التهم في القضية قد يتراوح بين 30 و40 تهمة، وفي بعض الحالات قد يصل إلى 70 تهمة.
وأكّد المتحدث باسم النيابة العامة على أهمية حماية الشهود، بالإضافة إلى الضغوط المتعلقة بالأسباب اللوجستية، حيث إن عدد الأدلة يكون كبيرًا ويجب احترام حقوق الدفاع في الحصول عليها بطريقة منظمة وواضحة تمكّنه من التحضير بشكل جيد للدفاع عن موكله، مُشيرًا إلى أن هذه الإجراءات ضرورية لإجراء محاكمات عادلة. نبه العبد الله في تصريحاته الصحفية إلى وجود احتياجات أخرى، مثل الترجمة، حيث أن هناك شهودًا لا يتحدثون اللغات الرسمية للمحكمة، مما يستدعي توفير مترجمين لترجمة الوثائق. كما أشار إلى أهمية اعتبار الاستئناف كمبدأ من مبادئ العدالة، مما قد يؤدي إلى كون الإجراءات أكثر تعقيدًا وأطول في بعض الأحيان. وأكد أن الرسالة الأساسية هي استمرار عمل المحكمة وإصرارها على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة وحماية الضحايا، حتى وإن طالت المدة. وذلك لأنها تمثل الملاذ الأخير، خصوصاً أن هذه القضايا قد لا تُحل على المستوى الوطني بسبب عدم قدرة أو رغبة الجهات المعنية في إجراء الملاحقات. في حالة السودان، أشار العبد الله إلى إمكانية إحالة القضية إلى مجلس الأمن، حيث تم فتح التحقيق بناءً على إحالة من المجلس.
وفي قراره، عندما طلب من المحكمة بدء التحقيق، ألزم الدولة السودانية بالتعاون مع المحكمة، وأي عدم تعاون منها يعتبر انتهاكًا لقرارات مجلس الأمن. ويستلزم ذلك إثبات وقوع عدم التعاون وإظهار أن هناك طلبات من المحكمة قوبلت بالرفض من قبل السلطات المعنية. في رده على سؤال “التغيير” حول ما إذا كانت المحكمة قد طلبت من حكومة بورتسودان تسليم المطلوبين في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، أكد المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية وجود طلبات سابقة، مشيراً إلى أن الحديث عن هذا الموضوع يعود إليهم. عبر عن أمله في أن يساهم حضور المدعي العام ومسؤولين سودانيين في محاكمة كوشيب اليوم في تعزيز التعاون وتسريع إجراءات العدالة. وأشار إلى أن المحكمة علنية وتُرحب بجميع الحضور. أجاب العبد الله عن سؤال (التغيير) بشأن التعاون مع حكومة الفترة الانتقالية، بأن المدعي العام قد صرح في ذلك الحين ببدء التعاون والسعي لتعزيز خطوات البناء، ولكن الظروف تغيرت فيما بعد.
وأعرب عن أمله في عودة الاستقرار إلى السودان مما سيمكن من تعزيز التعاون مجددًا. وردًا على سؤال آخر من (التغيير) حول التواصل مع قوات الدعم السريع ومدى تعاونها في التحقيقات الحالية في دارفور، أوضح أن الأمر يتطلب السرية لحماية التحقيقات والعاملين عليها. أجاب العبد الله في رده على سؤال حول (التغيير) بشأن التهديد بعقوبات أمريكية ضد المحكمة الجنائية الدولية، ومدى تأثيرها على عملهم والإجراءات الاحترازية التي اتخذوها، بأنه يفضل عدم توقع الأمور مسبقاً.
وأشار إلى وجود عقوبات سابقة على المدعية العامة السابقة وأحد موظفيها، إلا أن ذلك لم يؤثر على استمرار إجراءاتهم الضرورية والعادلة، كما لم يمنع القضاة من إصدار القرارات المتعلقة بطلبات المدعي العام الحالي. أكد العبد الله أن المحكمة ستستمر في أداء مهامها القانونية بالرغم من التهديدات، مشيرًا إلى أن هذا هو الدور الذي منحته إياه الدول الأعضاء في معاهدة نظام روما، مع التأكيد على عدم الاعتداد بأي قضايا سياسية تتجاوز الإطار القانوني والأدلة. عبر عن قناعته بأن الدول التي أوكلت هذه المهمة إلى المحكمة ملزَمة بالتعاون معها وتسهيل مهمتها لأداء دورها.