أثارت المطالب بمنح شرق السودان الحكم الذاتي مخاوف من تفجر الأوضاع في الإقليم الذي يتخذ منه الجيش السوداني مقراً لحكومته بعد اندلاع الحرب في الخرطوم. طالبت مجموعة من قبائل البجا المنتشرة في الشرق الحكومة السودانية بمنح الإقليم الشرقي الحكم الذاتي، وذلك بناءً على اتفاق سابق تم بين “مؤتمر البجا والحكومة السودانية” في فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير.
أفاد بيان صادر عن الفريق الشرطي عثمان أحمد فقراي، أحد القادة البارزين في الشرق، بأن الإقليم الشرقي يواجه ظروفًا حساسة تستدعي تدخلاً عاجلاً لإنقاذ الوضع الحالي. وأشار البيان إلى أن الإضرابات في الموانئ وتوقف الأنشطة الاقتصادية تعكسان أزمة عميقة الجذور تتعلق بقضايا تاريخية لم تُحَل منذ الاستقلال. وأشار إلى أن اتفاقية عام 2004 التي أرسى أسسها القادة الأوائل لمؤتمر البجا، كانت تمثل خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار والتنمية والسلام. ومع ذلك، لم تُنفذ هذه الاتفاقية، وتم تجاهلها لصالح اتفاقية جبهة الشرق التي فرضت بأجندة خارجية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات بدلاً من حلها، وفقاً لما ورد في البيان. وأضاف أنه “لذا نطالب القيادة العليا في الدولة بإعادة تقييم الوضع الراهن واتخاذ خطوات جادة لإعادة تفعيل اتفاقية 2004 الموقعة مع مؤتمر البجا للإصلاح والتنمية، وتسريع تنفيذ بنودها ومنح الإقليم الشرقي الحكم الذاتي، بدءاً بتعيين حاكم للإقليم وتنفيذ باقي بنود الاتفاقية”.
أوضح البيان أن الظروف الحالية لا تستدعي الحلول العسكرية وحسب، بل تحتاج أيضًا إلى رؤية سياسية شاملة تأخذ في الاعتبار التعقيدات الأمنية والاجتماعية في المنطقة.
كما أكد أن تجاهل هذه الأوضاع قد يؤدي إلى تصعيد خطير ينقل الصراع إلى الشرق، وهو ما يجب تجنبه بكل الطرق الممكنة. وفي تعليقه، حذر المحلل السياسي عمار الباقر من عواقب ما أطلق عليه “الأزمة المخفية” في شرق السودان، نتيجة التهميش الاقتصادي والتنموي الذي يعاني منه السكان في المنطقة، والذي تفاقم بسبب الحرب الحالية، كما قال. قال الباقر لـ”إرم نيوز”: إن شرق السودان يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، خصوصًا مع ظهور ميليشيات متعددة بعد نقل الجيش لقيادة الحكومة إلى مدينة بورتسودان.
وأشار إلى أن “معظم هذه الميليشيات تأتي من خارج إقليم الشرق، وهناك ميليشيات أخرى ليست مرتبطة بجماعة البجا التي تتمتع بانتشار واسع في شرق السودان. وقد أدى ذلك إلى تزايد حركتها وصعود مطالبها بطرق متنوعة، ومن المحتمل أن تضغط على قيادة الجيش للمطالبة بالحكم الذاتي”. أشار الباقر إلى أن مطلب الحكم الذاتي لشرق السودان لا يزال يعتبر من المطالب الفردية التي لم تتفق عليها جميع مكونات البجا حتى الآن، ولكنه لا يستبعد أن تتوحد هذه القومية وراء هذا المطلب مع استمرار النزاع. ومع ذلك، أشار إلى أن المطالبة بالحكم الذاتي إذا جاءت من قبيلة البجا فقط، ستؤدي إلى أزمة كبيرة في شرق السودان.
وأوضح أن البجا، رغم كونهم الأكثر عددًا في الإقليم، إلا أنهم يواجهون مجموعات سكانية أخرى غير متوافقة معهم، مما قد يؤدي إلى إشعال الصراع في الإقليم مرة أخرى في ظل انتشار الميليشيات والأسلحة. أشار إلى أن “ميليشيا الأورطة الشرقية” التي برزت مؤخرًا في شرق السودان تمثل قبيلة “البني عامر”، والتي لديها خلافات معروفة مع قبيلة البجا، موضحًا أن هذا قد يزيد من تعقيد الأمور إذا لم توافق على مطلب الحكم الذاتي لشرق السودان.
من ناحيته، أشار المحلل السياسي عمر محمد النور إلى أن المطالبة بالحكم الذاتي لشرق السودان ليست ذات أهمية كبيرة في الوقت الراهن، موضحًا أن مسألة نظام الحكم تتطلب وجود حكومة شرعية لتتخذ القرارات بشأنها. قال النور لـ”إرم نيوز” إن الأوضاع في السودان الحالية غير مستقرة بسبب الحرب، حيث لا يوجد دستور أو حكومة شرعية يمكنها اتخاذ قرار بمنح أي جهة الحكم الذاتي أو الفيدرالي. وأشار إلى أن المطالب بالحكم الذاتي التي أطلقها البعض في شرق السودان لن يكون لها تأثير إلا إذا تم دعمها من قِبل غالبية جماهير الإقليم وتعزيزها من خلال الاحتجاجات. بيّن أن الوثيقة الدستورية التي حددت نظام الحكم بعد سقوط النظام السابق، قد نصت على إقامة حكم فيدرالي لأقاليم السودان. وكان من المتوقع أن يتم تحديد نظام الحكم في السودان خلال الفترة الانتقالية من خلال مؤتمر خاص، إلا أن هذا المؤتمر لم يُعقد نتيجة الانقلاب على الحكومة الانتقالية في عام 2021.
صراع الميليشيات
قبل أن يظهر مطلب الحكم الذاتي من قومية البجا، شهد إقليم شرق السودان صراعات بين المليشيات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، مما أثار مخاوف من احتمال نشوب حرب جديدة في المنطقة. تراجع مؤخراً مستوى الصراع الذي كان قائماً بين “القوة المشتركة” التابعة للحركات المسلحة في دارفور وميليشيات من شرق السودان، والتي يمثلها قائد تحالف أحزاب شرق السودان، شيبة ضرار. هناك أيضاً تيارات أخرى لم تخرج إلى العلن، حيث تعبر عن نفسها فقط من خلال البيانات الصحفية. يدور الصراع حول رفض الميليشيات التي تمثل شرق السودان لوجود الحركات المسلحة من دارفور في مدينة بورتسودان، حيث يسعى الرافضون إلى الضغط لإعادة هذه الحركات إلى إقليم دارفور، كما يتضح من البيانات والتصريحات المتاحة. أكد “تيار الشباب البجاوي الحر”، الذي يمثل قومية البجا، أن وجود الحركات المسلحة من دارفور في الشرق أصبح يشكل تهديدًا لأمن واستقرار الإقليم.