مع اقتراب امتحانات الشهادة السودانية المقررة في 28 ديسمبر الجاري، تشتعل النقاشات بين المواطنين حول هذا القرار الذي اتخذته حكومة بورتسودان. حيث يعبر الكثيرون عن تأييدهم لإجراء الامتحانات، معتبرين أنها فرصة لإنقاذ العام الدراسي للطلاب بعد فترة طويلة من النزاع، بينما يعبر آخرون عن قلقهم من أن الظروف الحالية قد تجعل من الصعب تحقيق العدالة في هذه الامتحانات.
في الوقت الذي يسعى فيه البعض إلى استئناف التعليم وتفادي فقدان المزيد من الوقت، يبرز تساؤل حول إمكانية إجراء الامتحانات في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة والنزوح الذي يعاني منه العديد من الطلاب. ويشير المعارضون إلى أن هذه الظروف قد تؤدي إلى تمييز غير عادل بين الطلاب، حيث قد يتأثر أداء الطلاب بناءً على مواقعهم الجغرافية.
تتزايد المخاوف من أن يؤدي هذا القرار إلى تفاقم الفجوات التعليمية بين الأقاليم المختلفة، مما قد ينعكس سلباً على مستقبل الطلاب. ومع ذلك، تبقى الآراء متباينة، حيث يسعى البعض إلى إيجاد حلول تضمن حقوق جميع الطلاب وتحقق العدالة في هذه الظروف الصعبة.
تحديد موعد إجراء الامتحانات
في نهاية شهر أكتوبر من العام الماضي، أشار وزير التربية والتعليم المكلف، أحمد خليفة، إلى أن امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة ستعقد في الموعد المحدد الذي هو الثامن والعشرون من ديسمبر 2024. أوضحت الوزارة أن إعلان تنظيم الامتحانات في هذا الوقت جاء بسبب أن الحرب أسفرت عن تأجيلها لمدة عامين كاملين. وأشارت إلى أن هذا التأجيل تسبب في شعور الطلاب وعائلاتهم باليأس من إجراء الامتحانات. كما أعلنت عن تنظيم امتحانات إضافية في مارس المقبل للطلاب الذين لم يتمكنوا من حضور الامتحانات القادمة.
موقف حكومة بورتسودان
بدأت حكومة بورتسودان في تنظيم الامتحانات في الولايات التي تخضع لسيطرتها وفي المراكز الخارجية فقط. كما ناشدت الطلاب في الولايات التي لن تتم فيها الامتحانات للانتقال إلى المراكز المعينة في مناطق سيطرة الجيش. تُجرى الامتحانات بشكل أساسي في ولايات كسلا والقضارف وبورتسودان والشمالية، بينما تُقام في نهر النيل والنيل الأبيض بصورة جزئية، بالإضافة إلى مراكز محدودة في ولايات كردفان. وفي يوم الثلاثاء الماضي، وافق نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار على إنشاء مركزين للامتحانات في محليتي القرشي والمناقل بولاية الجزيرة. كما أعلنت ولاية الخرطوم عن تنظيم الامتحانات فقط في محلية كرري، في حين تفتقر ولايات دارفور الخمس إلى أي مركز للامتحانات. وأعلنت الوزارة أيضًا عن تنظيم الامتحانات في 15 دولة. لكن مالك العقار أثار دهشة الجميع عندما أعلن قبل أسبوعين من موعد الامتحانات عن قرار السلطات التشادية برفض السماح لحوالي 13 ألف طالب سوداني بأداء امتحانات الشهادة الثانوية السودانية على أراضيها، مما يعرض مستقبل هؤلاء الطلاب للخطر. ومن جهة أخرى، وجه مكتب تنسيق حكومة ولاية جنوب دارفور الطلاب بالتوجه إلى ولاية نهر النيل لإجراء الامتحانات، مشيراً إلى اعتذار تشاد عن استضافتها للامتحانات. لكن خديجة عبد الله، المسؤولة عن التعليم في معسكرات شرق تشاد، أخبرت راديو دبنقا أنهم سمعوا شائعات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي حول منع الحكومة التشادية للامتحانات، لكن لم يصلهم أي إشعار رسمي بشأن ذلك حتى الآن. ورأت أن هذه المعلومات تمثل مصدر قلق للاجئين وحوالي 13 ألف طالب وطالبة كانوا يستعدون للامتحانات، حيث دفعوا الرسوم المطلوبة وتلقوا أرقام الجلوس الخاصة بهم.
نداء أخير من لجنة المعلمين
كنائبة عن أحد الأطراف الرئيسية في العملية التعليمية، أصدرت لجنة المعلمين السودانيين ما أسمته “النداء الأخير” في 13 ديسمبر 2024، مع اقتراب موعد امتحانات الشهادة الثانوية السودانية. وأشارت اللجنة إلى وجود انقسام واضح بين السودانيين بشأن جدوى إجراء الامتحانات في هذا الوقت وعلى هذا النحو المعلن. وأفادت لجنة المعلمين السودانيين بأنها تركز على أهمية استمرار العملية التعليمية وما يرتبط بها، ولكن يجب أن تتوفر شروط ومتطلبات معينة تراها ضرورية، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة. أوضحت لجنة المعلمين السودانيين أنها تواجه تجاهلاً لنداءاتها المتكررة بضرورة فرض وقف إطلاق النار خلال فترة الامتحانات، والتأكيد على أهمية العدالة والشمولية، وأن التعليم يجب أن يكون بعيداً عن صوت البنادق وأن يسهم في تحقيق السلام والتعايش. وحذرت لجنة المعلمين السودانيين من أن تنظيم الامتحانات بهذه الطريقة سيؤدي إلى حرمان 60% من إجمالي الطلاب الذين استوفوا شروط الجلوس للامتحانات قبل الحرب (570 ألف طالب). وأشارت إلى أن ثمانية ولايات من أصل 18 ولاية ستُحرم بالكامل من الامتحانات، فيما ستجري فيها الامتحانات جزئياً في ست ولايات، بينما ستتميز أربع ولايات هي البحر الأحمر وكسلا والقضارف والشمالية بإجراء الامتحانات بشكل كامل. حددت لجنة البيان أربعة شروط أساسية لنجاح تنظيم الامتحانات، وهي كالتالي: أكدت فاطمة محمد أدم أحمد، مديرة تجمع الزهراء للمدارس الثانوية للبنات في نيالا، خلال حديثها مع راديو دبنقا أن الأوضاع مستقرة وأنهم بدأوا في مراجعة الامتحانات منذ فترة مبكرة، ولكن الجميع يعاني من ضغوط نفسية بسبب عدم وضوح الرؤية حول الامتحانات.
الأصوات المعارضة ترتفع
ارتفعت العديد من الأصوات المعارضة لتنظيم الامتحانات في ظل هذه الظروف. وقد أعلنت الحملة المشتركة لوقف الحرب، من خلال ناطقها الرسمي سامي الباقر، عن توقف أكثر من 14 ألف مدرسة عن أداء مهامها، بالإضافة إلى توقف أكثر من 17 مليون تلميذ وطالب، وعدم حصول المعلمين على رواتبهم. وكل هذا يجعل خيار وقف الحرب هو الخيار المناسب الذي تتقبله الفطرة السليمة. طالبت هيئة محامي دارفور والشركاء معها بتسهيل الأمور أو تأجيل امتحانات الشهادة السودانية عن التاريخ المحدد في 28 ديسمبر 2024. وأكدت الهيئة وشركاؤها أن أكثر من 16 ألف طالب من أبناء السودان من دارفور يواجهون تهديدًا لمستقبلهم التعليمي بسبب العوائق التي تمنعهم من أداء امتحانات الشهادة لهذا العام نتيجة الصراع القائم. وحذرت من استخدام التعليم والامتحانات كأدوات في الحرب القائمة، مما لا يحقق أي فائدة لأي من الأطراف. كما أن إجراء امتحانات الشهادة السودانية القومية دون مراعاة مستقبل الطلاب في المناطق المتضررة من الحرب يمكن أن يترك آثاراً سلبية على مستقبل وحدة الوطن. دعت الهيئة إلى إبعاد موضوع تنظيم الامتحانات عن التوترات في العلاقات الرسمية بين السودان وتشاد، وكشفت عن عزمها تقديم مذكرة للرئيس التشادي لمطالبته بمواصلة الجهود لتسهيل إجراء امتحانات الشهادة السودانية في تشاد لعام 2024. وضعت المبادرة الوطنية لإنقاذ امتحانات الشهادة السودانية ثلاثة خيارات أمام قادة الجيش وقوات الدعم السريع لتجنب حرمان عدد كبير من الطلاب من أداء الامتحانات. الخيار الأول هو تأجيل الامتحانات لفترة محددة تسمح للطلاب بالاستعداد، مع تقديم بدائل فنية تضمن قوميتها خلال فترة التأجيل. الخيار الثاني هو تعميم الامتحانات في جميع أنحاء البلاد مع ترتيبات فنية وضمانات أمنية من الطرفين المتصارعين وأطراف أخرى. أما الخيار الثالث، فإذا تعذر التأجيل، فهو تنظيم امتحانات لنفس الدفعة مع ترتيبات وشروط أكثر عدالة وأمانًا تضمن قوميتها ونزاهتها. في نفس السياق، أطلقت الشبكة الشبابية السودانية لإنهاء الحرب حملة بعنوان “خلوهم يمتحنوا” للضغط على أطراف النزاع لضمان سلامة الطلاب والسماح لهم بأداء الامتحانات. وقد أوضحت أن عدد الطلاب الذين سيتمكنون من الجلوس للامتحانات لا يتجاوز 50% من إجمالي العدد. وطالبت الشبكة بتوفير ممرات آمنة لجميع الطلاب للوصول إلى مراكز امتحاناتهم دون أي عوائق أو تهديدات. كما ناشدت بضمان عدم تعرض الطلاب لأي نوع من الاعتداءات خلال ذهابهم وإيابهم من مراكز الامتحانات. معارضة من أطراف مؤيدة للجيش
لم تقتصر معارضة تنظيم الامتحانات في ظل الظروف الحالية للحرب على معارضي حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، بل شملت أيضاً بعضاً من مؤيديها، ومن بينهم مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة. حيث اعتبر في تغريدة له على منصة إكس أن قرار تنظيم امتحانات الشهادة السودانية في ظل انتشار الحرب وعدم الاستقرار في معظم أنحاء البلاد يعد قراراً خاطئاً، مما يبرز غياب الوعي والاهتمام من قبل القائمين على الأمور في بورتسودان بتداعيات الحرب على شعبهم. غرد مبارك أردول، رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، عبر حسابه على منصة إكس، كاشفاً عن تلقيه اتصالات من كردفان بشكل عام وجبال النوبة بشكل خاص بشأن امتحانات الشهادة السودانية المقرر إقامتها في الأيام القادمة. وأكد أن الأمر يحتاج إلى إعادة تقييم ودراسة دقيقة من قبل السلطات الحكومية في بورتسودان، خصوصاً فيما يتعلق بشمولية الامتحانات لكافة الطلاب في البلاد والظروف التي تواجه بعض المناطق. وأضاف: “ليس من العدالة أن يُحرم الطلاب في الولايات التي تعجز الحكومة عن الوصول إليها بسبب الحرب والحصار من إجراء الامتحانات.”
أبعاد سياسية للامتحانات
في إطار المبررات التي قدمتها لدعم خططها للإعلان عن حكومة تلغي شرعية حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، أشارت الجبهة الثورية إلى قضية التمييز بين المواطنين، والتي ظهرت جلياً من خلال إجراء الامتحانات في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة، مما حرم مناطق أخرى من ذلك. واعتبرت أن هذا الأمر ينال من حقوق المواطنين كاملة، وأن المسؤولية الوطنية والأخلاقية للجبهة الثورية تلزمها بعدم القبول بهذا الوضع كأمر واقع. كما أن أسامة سعيد، المتحدث الرسمي باسم الجبهة الثورية، أشار إلى أنه يرتبط بمشروع دولة البحر والنهر، حيث ستنظم الامتحانات فقط داخل حدود هذه الدولة.
الدعم السريع يرفض
لم تتوانَ قوات الدعم السريع عن إعلان رفضها لإجراء امتحانات الشهادة الثانوية في نهاية شهر ديسمبر الجاري، معتبرة أن ذلك يأتي ضمن سياسات تهدف إلى تقسيم البلاد. وأوضحت في بيان لها أن بدء الامتحانات في مناطق معينة دون سائر الولايات يؤكد عدم الاهتمام بمستقبل مئات الآلاف من الطلاب في مختلف المناطق. أكد البيان لأبناء السودان في جميع المستويات التعليمية أن حقوقهم مضمونة وفقًا للقوانين المحلية والدولية. كما طمأن الطلاب وعائلاتهم بأنه سيتم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لضمان حقوقهم وتمكينهم من العودة إلى مرافق التعليم وأداء الامتحانات المؤجلة بشكل يضمن التوازن والعدالة مع زملائهم. اتبعت قوات الدعم السريع هذا الرفض بإجراءات ملموسة، حيث أفادت مصادر في محلية القطينة بولاية النيل الأبيض بأن قوات الدعم السريع منعت طلاب وطالبات الشهادة السودانية من دخول مناطق الجيش التي تتواجد فيها مراكز الامتحانات. بعد وصولهم إلى القوارب التي تنقل الركاب إلى منطقة الشيخ الصديق غرب النيل، قامت بإعادتهم إلى مدينة القطينة. أعلنت الإدارات المدنية في جنوب دارفور وغرب كردفان رفضها لنقل الطلاب خارج ولاياتهم لأداء الامتحانات، بينما أصدرت الإدارة المدنية في وسط دارفور قراراً يقضي بمنع الطلاب من السفر إلى كوستي وعطبرة لأداء امتحانات شهادة السودان.
رأي متابعي راديو دبنقا
طرح راديو دبنقا سؤالًا واستبيانًا على موقعه الإلكتروني وصفحاته على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيق واتساب. السؤال: ما رأيك في تنظيم امتحان الشهادة السودانية في بعض المناطق دون غيرها؟ تم عرض ذلك على صفحة فيسبوك لراديو دبنقا يوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، وحتى اليوم الأربعاء 18 ديسمبر 2024 الساعة الحادية عشر صباحاً. وصل عدد الأشخاص الذين طرح عليهم السؤال إلى 12,240، وبلغ إجمالي التفاعلات 110 تفاعلات. تم إجراء استطلاع على منصة أكس بعنوان: هل تعتقد أن إجراء امتحان الشهادة الثانوية في الوقت الحالي عادل؟ وصل عدد المشاركين في الاستبيان إلى 747 شخصًا، حيث كانت نسبة الإجابات بنعم 29.8%، بينما كانت نسبة الإجابات بلا 63.8%، وأجاب 6.4% بـ لا أدري. تم نشر نفس الاستطلاع على منصة الفيسبوك، حيث وصل عدد المتابعين إلى 6,969 شخصاً، وشارك فيه 656 شخصاً، وكانت إجاباتهم كالتالي: 56% أجابوا بـ(نعم)، و5% أجابوا بـ(لا)، بينما قال 39% لا أدري. تم نشر الاستبيان على الموقع الإلكتروني لراديو دبنقا، حيث أجاب 50% بـ “نعم” و50% بـ “لا”.
ماذا يقول جمهور راديو دبنقا؟
تظهر الخلافات بين السودانيين بوضوح من خلال آراء جمهور راديو دبنقا. على سبيل المثال، اعتبر أحد المعلقين أن إجراء الامتحانات هو “أفضل قرار، وإن شاء الله، من الأفضل أن نكون في فريق واحد بدلاً من التجميد. قرارات ود الخليفة ملزمة ويجب المساعدة في تنفيذها، وأي طالب لم يحضر في 28 يمكنه الانضمام إلى زملائه في 24 مارس القادم. أي تأخير يعتبر جريمة”. اعتبر معلق آخر أن “هذه الامتحانات غير عادلة وتمثل لعبة سياسية واستهدافاً لبعض الولايات، وهو عمل غير وطني”. يقول معلق آخر إن “الوضع مأسوي ولا يوجد شيء يمكن فعله بعد مرور عامين، وأن الحياة مستمرة. من الأفضل إجراء الامتحانات في المناطق الآمنة لنحافظ على جزء من أجيالنا بدلاً من أن تضيع كلها، رغم ما في ذلك من ظلم.” يرى موسى عبد الرحيم صندل من جوبا أن “إجراء الامتحانات في جزء من البلاد يسبب ظلماً لأبناء السودان الذين لا يستطيعون الوصول إلى مراكز الامتحانات، ويهدد وحدة السودان. كما أعرب عن شكوكه في معايير الاستقرار التي تسمح بإجراء الامتحانات في 6 ولايات فقط. واعتبر أن القرار الأنسب هو إخضاع الموضوع لدراسة أعمق وربط الامتحانات بالاستقرار أو السماح بإجرائها في مناطق تحت سيطرة أطراف أخرى حيث لا توجد اشتباكات عنيفة، فضلاً عن إمكانية إجرائها في الدول المجاورة”. أما أحمد عبود من ليبيا، فيؤكد على أهمية “اجتياز كل طالب للامتحانات في منطقته؛ لأن الوضع في البلاد غير آمن. وإذا كان من الممكن للطالب الذهاب للامتحان في الشمال، فلماذا لا يتم إحضار معلمين من مناطق تحت سيطرة بورتسودان لإجراء الامتحانات في مناطق أخرى تحت إشراف الأمم المتحدة أو الإدارة المحلية؟”.