تعبّر قصة الشابة في العشرينات من عمرها التي شاركتها مع “التغيير” عن معاناة يعيشها آلاف السودانيين الذين أجبروا على النزوح واللجوء بسبب الحرب الحالية في البلاد، حيث تركوا خلفهم بيوتهم وآمالهم.
التغيير: فتح الرحمن حمودة
انطلقت معاناتها في صباح يوم اندلاع الحرب في الخرطوم، حيث كانت أصوات الرصاص والانفجارات تعم سماء العاصمة وبلداتها الثلاث. في تلك الأوقات، قررت الشابة “م.ع”، خريجة جامعة الأحفاد، مغادرة الخرطوم صوب مسقط رأسها مدينة الفاشر في غرب السودان.
تروي قصة الشابة في العشرينات، التي شاركتها مع “التغيير”، معاناة يواجهها الآلاف من السودانيين الذين اضطروا إلى النزوح واللجوء نتيجة الحرب المستمرة في البلاد، تاركين خلفهم منازلهم وآمالهم.
أفادت “م.ع” بأنها كانت تعيش في حي العرضة بالخرطوم عندما بدأت الحرب، وغادرت بسرعة نحو مدينة ربك في ولاية النيل الأبيض، ومن ثم مرت بعدة مناطق حتى وصلت إلى مدينة الفاشر التي كانت آمنة في بداية الحرب، وقد استقبلت العديد من النازحين من المناطق المجاورة، لكنها سرعان ما تعرضت للاقتتال.
وقالت إنها وصلت واستقرت في حي “الكرنيك” الذي يقع بالقرب من قيادة المنطقة العسكرية في المدينة، مما جعله هدفًا للقصف العشوائي لاحقًا من قبل قوات الدعم السريع. وقد دُمّرت معظم المنازل هناك نتيجة القصف المستمر خلال تجدد المواجهات العسكرية، مما زاد من معاناة السكان وأجبر الكثير منهم على البحث عن مأوى آمن. كانت “م.ع” تعمل في إحدى المنظمات الوطنية وتعرضت خلال فترة عملها لمواقف صعبة، ومنها حادثة وقعت أثناء محاولتها توزيع المساعدات للنازحين.
حيث قالت إنهم حصلوا على موافقة من مديرهم لنقل المواد من المخزن وتوزيعها على الأسر المتضررة، لكن المنطقة كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع. أضافت الفتاة أنه بالرغم من تقديمنا للأوراق الرسمية، تعرضنا للاستجواب لمدة أربع ساعات مليئة بالابتزازات، حيث اتهموني بأنني مرتبطة بالاستخبارات العسكرية فقط لأنني أعيش في حي الكرنيك القريب من قيادة الجيش.
وقالت إنها بعد هذه الحادثة قررت هي وعائلتها مغادرة المدينة، فتوجهت الأسرة إلى مليط بينما انتقلت هي إلى مدينة الضعين التي تقع شرق دارفور، حيث قضت أسبوعين هناك قبل أن تبدأ رحلتها إلى أوغندا عبر عاصمة جنوب السودان، مدينة جوبا. وصفت “م.ع” رحلتها الطويلة إلى أوغندا بأنها كانت مليئة بالتحديات، حيث ذكرت أنها واجهت أمطاراً غزيرة ونقصاً في المال، بالإضافة إلى مرورها عبر بوابات تتطلب دفع رسوم نقدية لم تكن تملكها. ورغم توسلاتها، لم تتلق أي استجابة، وذكرت أنها بقيت في جوبا لمدة أسبوع كامل قبل أن تغادر إلى أوغندا وتصل إلى العاصمة كمبالا. في كمبالا، كانت الفتاة تخطط لدراسة الماجستير، لكنها تفاجأت بارتفاع ملحوظ في رسوم الدراسة، مما اضطرها لتغيير خطتها. بعد ذلك، انتقلت إلى مدينة بيالي التي توجد فيها معسكرات للاجئين السودانيين، وكانت تبحث عن فرصة عمل حتى تمكنت من العمل في إحدى المنظمات لمدة ستة أشهر. ووصفت “م.ع” الحياة في مخيمات اللاجئين بأنها قاسية وغير آمنة، وأشارت إلى أنها كانت تعاني من مشكلة الرطوبة نظراً للأمطار الغزيرة التي تتساقط في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، كان الوضع الأمني داخل المخيم سيئاً بسبب انتشار العصابات وحوادث النهب المسلح، مما دفعها لاحقاً إلى اتخاذ قرار الانتقال للعيش خارج المخيم لتجنب هذه المخاطر التي يواجهها العديد من السودانيين هناك. وفيما يتعلق بأوضاع النساء، أشارت الفتاة، من خلال تجربتها، إلى أن الحياة في المعسكر لم تكن سهلة بالنسبة لهن، حيث تعرضت العديد من النساء لانتهاكات نتيجة بُعد الحمامات وصعوبة التنقل ليلاً، وخاصة للفتيات. إضافة إلى ذلك، كانت فرص العمل محدودة وغالباً ما كانت مصحوبة بابتزازات. وانتهت الفتاة من حديثها قائلة: على الرغم من كل ما واجهته، لا زلت متمسكة بأمل العودة إلى بلادي، وأتمنى أن تتحقق أحلامي وأعود إلى منزلي الذي أحبه. كل ما أريده هو أن تنتهي هذه الحرب، وأقول لا للجهوية، لا للقبلية، ولا للعنصرية.