السودان الان السودان عاجل

تشكيل حكومة موازية في السودان : هل هي قفزة في الظلام أم خطوة نحو التغيير الإيجابي؟ محللون وسياسيون يعلقون

مصدر الخبر / راديو دبنقا

أثار إعلان تشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع جدلاً واسعاً، حيث اعتبر العديد من المراقبين أن هذه الخطوة تمثل مغامرة غير محسوبة. في المقابل، يرى مؤيدو هذه الفكرة أنها تعكس بداية مرحلة جديدة من العمل الجماعي الذي كان منتظراً منذ فترة طويلة.

وقد أبدى بعض الخبراء قلقهم من تداعيات هذه الخطوة، مشيرين إلى أن تشكيل حكومة في ظل الظروف الحالية قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع بدلاً من تحسينها. بينما اعتبر آخرون أن هذه الخطوة قد تساهم في تحقيق الاستقرار في المناطق المتأثرة.

في الوقت نفسه، يواصل المؤيدون التأكيد على أهمية هذه الخطوة في تعزيز المشاركة السياسية، معتبرين أنها تعكس إرادة الشعب في تشكيل حكومته الخاصة. ومع ذلك، يبقى التساؤل حول مدى نجاح هذه الحكومة في تحقيق الأهداف المنشودة في ظل التحديات القائمة.

التخفي تحت ستار المدنية

قال يوسف عزت، المستشار السابق لقائد قوات الدعم السريع، إلى وجود نقاشات حول إمكانية تشكيل حكومة مدنية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وفي تغريدة له على منصة “أكس”، اعتبر عزت أن هذه الخطوة تمثل محاولة من بعض الأطراف لتجنب اتخاذ موقف واضح بشأن الصراع القائم، حيث يسعون للاختباء خلف شعار المدنية لتفادي إعلان دعمهم لقوات الدعم السريع.

وأوضح عزت أن هذه المحاولات قد تؤدي إلى فقدان أرواح الشباب والمجتمعات، من أجل حماية حكومة لا تعترف بأنها حكومة الدعم السريع وحلفائها. وأكد على ضرورة أن تكون أي حكومة يتم تشكيلها تحت قيادة قائد الدعم السريع المعروف، مع ضرورة مشاركة جميع الأطراف المعنية التي تحملت تبعات هذه الحرب، بما في ذلك القوى المدنية والحركات التي تعبر عن مواقفها بوضوح.

كما أشار عزت إلى أن قوات الدعم السريع اليوم تختلف تماماً عن تلك التي كانت موجودة في الخامس عشر من أبريل، داعياً إلى ضرورة إشراك جميع الفئات في اتخاذ القرارات التي تؤثر على مستقبل السودانيين والمجتمعات التي تعاني من آثار الحرب. وأكد على أهمية التوافق بين جميع الأطراف لضمان تحقيق الاستقرار والسلام في البلاد.

مرحلة العمل الجماعي

في الجهة المقابلة، ذكر الدكتور سليمان صندل، رئيس حركة العدل والمساواة، أن شرائح كبيرة قد استجابت لقرار تشكيل “حكومة السلام”. وأشار في تغريدة على حسابه في منصة “أكس” إلى أن هذه الخطوة تمثل الانتقال من مرحلة الشكوى والمطالبات إلى مرحلة العمل والفعل الجماعي الذي يُعزز الإرادة الوطنية تجاه القضايا الكبرى والمصالح المشتركة للبلاد. قال: “لقد قرروا تشكيل الحكومة وإعادة حكومة الثورة لتحرير الشعب السوداني من البرهان ومجموعة المؤتمر الوطني وواجهاتها القديمة والحديثة، ولإنهاء احتكار الوطن وموارده، نحو آفاق الحرية والعدالة والمساواة”.

وأشار إلى أنهم يتحكمون في توجيه موارد الوطن لصالح البلاد وللحفاظ على وحدتها، مبيناً أنهم ينتقلون من مرحلة إدانة الانتهاكات إلى مرحلة حماية المدنيين ومن حالة السلبية إلى الإيجابية، حيث يعملون وسط الجماهير والمواطنين، ويتواجدون في قلب المعاناة للتمكن من العمل معهم من أجل تخفيفها، ويسعون لرسم مستقبل البلاد من خلال جهود الجميع، وتحديد ملامح السودان الجديد.

وأشار إلى أنهم عزموا على تشكيل الحكومة بهدف نبيل ومطلب وطني، وهو إنهاء الحرب ونشر السلام وتحقيقه من داخل السودان بإرادة الشعب السوداني القوية، ليقوموا بأعمال تتناسب مع حجم تضحيات الشعب السوداني في مسيرته الطويلة نحو النضال الوطني، التي سطّرها الشعب والشباب والأبطال. ودعا الشعب السوداني إلى الإيمان بالحكومة التي ستُشكل، مضيفاً أن عليهم أن يثقوا بأنها لن تخذلهم، وأنهم سيواجهون التحديات بكفاءة. وهم في موعد مع التاريخ ليكتبوه بأحرف مضيئة، من أجل تحقيق الحرية والمساواة والعدل والديمقراطية، ليعيش شعبنا بعزة وكرامة.

 

هروب للأمام

ومع ذلك، يعتقد الأستاذ محمد موسى حريكة، الكاتب والمحلل السياسي، أن فكرة تشكيل حكومة في هذا الوقت تُعتبر هروباً للأمام، مشدداً على أنها تشكل تهديداً لمستقبل الدولة السودانية بشكل كامل. وأوضح أنه إذا كانت الحرب قد دمرت الدولة السودانية بنسبة 80%، فإن الحكومة الموازية أو الإقليمية وغيرها قد تساهم في تدمير النسبة المتبقية التي تبلغ 20%.

قال: “ما يحدث الآن فيما يتعلق بتشكيل الحكومة هو جزء من مراحل الحرب، مشيراً إلى أن الحرب قد تؤدي إلى العديد من الأمور بجانب الدمار، مثل سخافة الفكرة ووجود مؤامرات تحمل عواقب غير مضمونة.” أشار إلى أن فكرة تشكيل حكومة قد اقترحها بعض الأشخاص في تنسيقية تقدم، وبدأت بفكرة إنشاء حكومة منفى، التي تُعتبر هروبًا من مواجهة القضايا الملحة المرتبطة بوقف الحرب وتحويل المعركة إلى مجالات أخرى. وأشار إلى أن فكرة حكومة المنفى لم تتمكن من البقاء حتى في أوساط مؤيديها بل أدت إلى حدوث انقسامات وتفكك داخلها، مما أدى إلى التحول نحو تشكيل حكومة مدنية في غرب السودان. وأشار إلى أن هناك قضايا أساسية بحاجة إلى التفكير، وهي قضايا الجوع والتهجير والتعليم وإيقاف الحرب. وأضاف أنه كان ينبغي عليهم البحث عن حلول لهذا الوطن الذي عانى من حرب بدأت تتفاقم وتتخذ أشكالاً متعددة. أكد أن مفهوم الحكومة المدنية الموازية هو عمل غير مجدي، موضحاً أن المجتمع الدولي يتعامل مع الحكومة الحالية في بورتسودان وليس مع حكومة ناتجة عن ظروف الحرب. أشار إلى أن القوى المدنية والسياسية والديمقراطية المتنوعة يمكن أن تقدم مشاريع، سواء كانت حكومات فدرالية أو كونفدرالية، في أجواء السلام. وبيّن أنه في ظل ظروف الحرب والاقتتال والانقسام، فإن من يسعون لتشكيل حكومة في هذه الأوضاع لا يعبرون عن المجتمع المدني. أشار إلى أن المجتمع المدني الذي يتحدثون نيابة عنه يجب أن يشارك في مثل هذه الأفكار بشكل فعلي، وهذا لن يتحقق في أوقات الحرب بل في أجواء السلام.

قفزة في الظلام

قال حريكة إن المشروع الرئيسي هو كيفية إنهاء الحرب، حيث أن عكس ذلك سيؤدي إلى تفاقم الصراعات وظهور دويلات ضعيفة من دون وجود مركز إقليمي قوي يستطيع ممارسة نفوذه في المنطقة المحددة. واعتبر تشكيل الحكومة بمثابة قفزة في الظلام. وأضاف: “من خلال تجاربنا السابقة، خلال ثورة ديسمبر، كانت هناك صراعات بين القوى الحزبية والمدنية والحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق سلام جوبا، حيث استمرت هذه الصراعات لعدة شهور للتوصل إلى صيغة معينة للحكومة. وكانت تلك الصراعات تحدث في ظروف سلمية، فكيف سيكون الحال الآن في ظل الحرب؟”

قال: “كيف يمكن لقوى مسلحة أن تتحدث باسم القوى المدنية، وكيف يمكن أن تُعتبر حكومة مدينة؟”. ووصف ذلك بأنه استخفاف بالعقول، مشيراً إلى أن تلك القوى لا تمتلك خططاً للحكم تعبر عن شكل الدولة، بل إن مشاريعها تقتصر على التجنيد وعمليات الكر والفر.وفيما يتعلق بالأسباب التي قدموها لتشكيل الحكومة، والتي تركزت على حماية المدنيين، أوضح حريكة أن أي حكومة مدنية ضعيفة لن تتمكن من حماية المدنيين. وأكد أن حماية المدنيين لا يمكن تحقيقها إلا من خلال وقف الحرب أو من خلال الاستعانة بالعناصر الخارجية، مثل المنظمات الدولية والإقليمية والأمم المتحدة بخططها المتنوعة. وأضاف أن الأمم المتحدة، عن طريق مجلس الأمن، لم تنجح في تقديم مشروع لحماية المدنيين في السودان. أكد أنه لا يوجد أي طرف يمتلك القدرة على حماية المدنيين، كما أشار إلى مشاكل تتعلق بحماية الموارد وحدودها الجغرافية. وتساءل عن كيفية حماية الموارد في بلد يتعامل حالياً بعملتين، حيث أن حدوده مفتوحة مما يسمح بدخول الأسلحة كما تُدخل الخبز إلى أي دولة.

عن مصدر الخبر

راديو دبنقا