السودان الان السودان عاجل

نازحو زمزم: معاناة لا تطاق بين الجوع والتدوين المستمر -زيارات ميدانية

مصدر الخبر / راديو دبنقا

تبدلت حياة السيدة فضة جابر، البالغة من العمر 40 عاماً، منذ زمن بعيد، عندما بدأت حرب دارفور الأولى في عام 2003. فقد تم تهجيرها للمرة الأولى إلى مخيم زمزم الواقع جنوب الفاشر، حيث فقدت عقدين من عمرها في ظروف معيشية قاسية.لكنها مع ذلك لم تكن تظن أن النزوح والخوف والرعب سيعودون ليطاردوها مرة أخرى، خاصةً أنها، مثل ملايين النازحين واللاجئين، كانوا يعتقدون أن فترات الحروب قد انتهت للأبد بعد توقيع اتفاق السلام بين الحكومة السودانية والفصائل المسلحة في أكتوبر 2020، عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

لكن الهدوء الذي شهدته في عام 2020 لم يستمر طويلاً. مع اندلاع حرب أبريل 2023، ولا سيما حرب الفاشر، وجدت فضة نفسها مجددًا تحت النيران. تفرض عليها الهجمات من قبل الدعم السريع الهروب يوميًا مع أطفالها ووالدها المسن إلى بلدة “شقرة” المجاورة، بحثًا عن الأمان الذي لا تستطيع العثور عليه في مخيمها.في بداية ديسمبر الحالي، بدأت قوات الدعم السريع بشن هجمات على معسكر زمزم الذي يقع على بعد حوالي 12 كيلو مترًا جنوب مدينة الفاشر، باستخدام أعداد كبيرة من القذائف المدفعية بعيدة المدى التي سقطت على أكواخ النازحين، مما أسفر عن مقتل حوالي 57 نازحًا، بينهم نساء و15 طفلًا بالإضافة إلى مسنين.ورغم الإدانة الواسعة من الداخل والخارج للهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع على المعسكر، إلا أن قواتها استمرت في قصفه يوميًا، مما حول حياة النازحين إلى جحيم لا يُحتمل، حيث تلتهم النيران المنازل المكونة من القش والحطب.

تزايد القصف المدفعي من معاناة النازحين في زمزم، حيث ارتفعت معدلات نقص الطعام بشكل مخيف، مما زاد من تفاقم أزمة المجاعة التي تم الإعلان عنها في أغسطس الماضي. وقد دفع هذا الهجوم الآلاف إلى الهروب بشكل نهائي إلى مناطق أكثر أمانًا في جبل مرة وشرق دارفور.تقول فُضة جابر لـ”سودان تربيون”: “نخرج من منزلنا كل يوم في الساعة الرابعة صباحًا مع أطفالي ووالدي متوجهين إلى بلدة شقرة، في رحلة شاقة سيرًا على الأقدام و باستخدام الدواب. نقضي ساعات النهار هناك ثم نعود إلى المنزل عند غروب الشمس. نقوم بذلك يوميًا خوفًا من القذائف التي تطلقها علينا قوات الجنجويد”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.”أصبحت الحياة في زمزم أكثر صعوبة.. توقفنا عن العمل في السوق بعد قرار المسؤولين المحليين بوقف العمل مؤقتًا للحفاظ على أرواح النازحين”، حسبما تقول فضة.تشير فضة إلى أن العديد من النازحين أصبحوا يعتمدون في غذائهم اليومي على “البليلة”، وهي عبارة عن حبوب الذرة الرفيعة المغلية في الماء مع قليل من الملح وأحياناً السكر، حيث تُقدم للأطفال وكبار السن كوجبة رئيسية، عسى أن تخفف من جوعهم. تدور أجواء من القلق والخوف في مخيم زمزم بسبب احتمال حدوث مجزرة جديدة.

يخشى النازحون من أن تقوم قوات الدعم السريع في زمزم بتكرار ما فعلته في الجنينة، حيث وُجهت إليها اتهامات بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية. وتزيد هذه المخاوف بسبب ادعاءات الدعم السريع بأن سكان المعسكر متعاطفون مع القوات المقاتلة في الفاشر.أفاد أحد الأعضاء في غرفة القيادة والسيطرة لقوة العمل المشترك لـ”سودان تربيون” بوجود خطة لدى قوات الدعم السريع لتفريغ معسكر زمزم من سكانه من خلال القصف المدفعي، استعدادًا لاجتياحه والسيطرة عليه. يأتي ذلك في إطار جهود قوات الدعم السريع للسيطرة على مدينة الفاشر، حيث يعد المعسكر هو المنفذ الوحيد لإمدادات الغذاء التي ترد من منطقة خزان جديد في ولاية شرق دارفور وشرق جبل مرة، اللتين تحت سيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.كشف المصدر عن تجمعات كبيرة لقوات الدعم السريع تحيط بقرى محلية في منطقة دار السلام جنوب الفاشر، بالإضافة إلى بلدة أبو زريقة وشنقل طوباي، مما يدل على نيتها التوجه نحو معسكر زمزم.

نَفَى في نفس الوقت وجود أي وجود عسكري للقوة المشتركة داخل أو بالقرب من معسكر زمزم، موجهًا دعوة للمجتمع الدولي بضرورة التحرك الفوري لوقف الهجوم المحتمل على المخيم المكتظ بالنازحين، مخاوفًا من ارتكاب قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها لجرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية ضد السكان، وخاصةً من قبيلة الزغاوة التي تشكل الأغلبية داخل المعسكر. بررت قوات الدعم السريع استهداف معسكر زمزم بأن القوة المشتركة انسحبت إلى داخله واستخدمت النازحين كدرع بشري. إلا أن العمدة هارون نمر، عضو اللجنة العليا للمعسكر، نفى هذه الادعاءات في تصريح لسودان تربيون، مشيرًا إلى أن “سكان زمزم هم نازحون عُزَّل لا ينتمون إلى أي تنظيمات عسكرية أو سياسية، ولا يوجد في المعسكر أي قيادة أو قوات عسكرية”. وتساءل نمر: “لماذا يتم استهدافنا؟”.

وأشار نمر إلى أن الهجوم الذي حدث في بداية ديسمبر واستمر لثلاثة أيام تسبب في هروب الآلاف من مراكز الإيواء. وأضاف: “إنهم يعيشون الآن في ظروف مأساوية، حيث يتعرضون للجوع والمرض بسبب نقص الغذاء والدواء، ويموت الأطفال يومياً بسبب عدم قدرة ذويهم على توفير الطعام لهم.” وصف المتحدث باسم نازحي معسكر زمزم، محمد خميس دودة، قصف الدعم السريع للمعسكر بأنه “فعل جبان وخائن”، حيث استهدف منطقة مأهولة بالسكان تحتوي على أكثر من مليون ونصف المليون نازح يعانون من الجوع والمرض في ظل غياب المساعدات الإنسانية والحصار الممتد لعدة أشهر. كما أشار دودة إلى أن قوات الدعم السريع أطلقت حوالي 37 قذيفة مدفعية سقطت في الأسواق ومراكز الإيواء والمستشفيات.اعتبر أن الهجوم على زمزم يعد هجوماً ذا طابع عرقي يهدف إلى تدمير مجتمعات سكانية معينة، كما حدث في أبوزريقة ومناطق أخرى شمال محلية كتم، حيث قامت قوات الدعم السريع بتهجير آلاف السكان بعد إحراق قراهم ونهب ممتلكاتهم، مما يشير إلى الهجمات التي استهدفت القرى التي يقطنها الزغاوة.

ويقول دودة في حديثه: “زمزم يمثل هويتنا الرسمية وأهلنا النازحين الذين يعانون من ظروفهم القاسية. يجب أن يتوقف القصف العشوائي الذي يستهدف الأطفال وكبار السن والمعاقين الذين يعيشون في أكواخ لا تحتمل ضربات المدفع، حيث تسببت القنابل في تهدم المنازل فوق رؤوس سكانها، وهناك أطفال فقدوا حياتهم جراء الحريق.”اتهم خميس بعض الكيانات السياسية – التي لم يحددها – بمنح قوات الدعم السريع الغطاء القانوني لاستهداف معسكر زمزم، مبررين ذلك بوجود مظاهر عسكرية داخل المعسكر.

وأضاف قائلاً: “نحن لا نعرف فلول أو كيزان، بل نحن نازحون عُزَّل جئنا إلى هنا نتيجة للحرب. قيادة الجيش تتواجد في الفاشر وليس داخل معسكر زمزم”.وأفاد بأن جميع الأسواق ومطاحن الحبوب ومحطات المياه والمستشفيات توقفت بشكل كامل نتيجة للتدوين الذي أثر عليهم بشكل مباشر، كما أشار إلى هروب الأطباء من المركز الصحي المدعوم من منظمة أطباء بلا حدود بعد سقوط قذيفة بالقرب منه.وأشار إلى أنهم يعانون من أجل تأمين العلاج للجرحى والمرضى، مضيفًا: “يتم نقل الجرحى إلى مدينة الفاشر وهي منطقة خطرة، ولسوء الحظ توفي بعضهم بسبب نقص الرعاية الصحية… يجب علينا أن نرفع أصواتنا عاليًا ونقول لا لاستباحة زمزم ولا لارتكاب المجازر.”

في مركز “بلولة” الواقع في معسكر زمزم، الذي يُعد مركز إيواء مؤقت يستقبل الفارين من مدينة الفاشر، تزداد الحاجة إلى مواد الإيواء والغذاء، حيث يعاني النازحون من الجوع الشديد بسبب نقص المساعدات الإنسانية.تقول النازحة سيدة لسودان تربية، وبصوتٍ يغلب عليه الحزن: “نزحنا من مدينة الفاشر، ونحن نقيم الآن في مركز بلولة. منذ وصولنا إلى هنا، نعيش في عذاب مستمر. لا نملك ما يُسّدد احتياجاتنا اليومية، والبرد والجوع يؤثران على صحتنا. لدينا أطفال معاقون وكبار سن يعانون بشدة. نحن في حاجة ماسة إلى البطانيات والطعام.”تناولت الحديث عن هروب معظم سكان المركز بعد سقوط حوالي أربع قذائف بالقرب منه، بينما لا زالت بعض الأسر القليلة موجودة لعدم قدرتها على النزوح مرة أخرى بسبب قلة المال. وتناشد المتحدثة المجتمع الدولي بسرعة التحرك لإنقاذ الجائعين من خلال توفير الغذاء والدواء لهم.

منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة

اعداد وتحرير/ سودان تربيون

 

عن مصدر الخبر

راديو دبنقا