توقع خبراء سودانيون أن “الحكومة المدنية” التي تسعى بعض القوى السياسية لتشكيلها في السودان ستؤدي إلى محاصرة مؤيدي الحرب، وفرض أجندة للسلام، مما سيجبر قيادة الجيش على الدخول في مفاوضات والتوقف عن الحرب كخيار نهائي. بدأت قوى سياسية ومجموعات مسلحة وشخصيات مستقلة في السودان، بخطوات عملية لتأسيس حكومة مدنية بديلة للحكومة الحالية التي يسيطر عليها الجيش، وستتخذ من مدينة بورتسودان في شرق البلاد عاصمة لها.
تم طرح فكرة تشكيل حكومة مدنية لوقف الحرب في السودان داخل أروقة تحالف تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، إلا أنها لم تحظ بالتوافق بين جميع مكونات التحالف. وهذا ما دفع القائمين على الفكرة إلى البدء في تنفيذها عمليًا بعيدًا عن التحالف الأوسع في السودان، وفقًا لمصادر مطلعة لموقع “إرم نيوز”. وأوضحت المصادر أن جميع الإجراءات الدستورية والقانونية الخاصة بالحكومة الجديدة قد اكتملت، وأنها ستكون مطابقًة لهياكل الحكومة الانتقالية التي أنشئت بعد سقوط نظام البشير، والتي تتضمن “مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، ومجلسًا تشريعيًا”.
خطوة إيجابية
اعتبر المحلل السياسي عمر محمد النور أن الحكومة المدنية التي تقوم بتشكيلها قوى سياسية للإعلان عنها في العاصمة الخرطوم هي خطوة إيجابية نحو تحقيق السلام. وأشار إلى أن هذه الخطوة أصبحت ضرورية جدًا بعد أن استمرت حكومة الأمر الواقع، التي تقودها عناصر من النظام السابق، في اطالة الحرب ورفض مبادرات السلام.
قال النور لـ”إرم نيوز” إن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان اتبعت سياسات تمييزية تجاه السودانيين، حيث حرمت مناطق واسعة من خدمات الدولة، وآخر هذه الإجراءات كان امتحانات الشهادة الثانوية العامة التي بدأت اليوم السبت، والتي اقتصر إجراؤها على المناطق التي يسيطر عليها الجيش فقط. كما أشار إلى حرمان نحو 75% من المواطنين السودانيين من حق الاطلاع على الأوراق الثبوتية، بالإضافة إلى وقوع العديد من حالات التعسف، واستهداف المواطنين بناءً على الانتماءات الجهوية والعرقية. وأضاف أن “حكومة البرهان استأثرت بموارد السودان، وادعت أنها الحكومة الشرعية، ووجدت فائدة لها في استمرار الصراع حتى يتمكن أعضاؤها من الاستفادة من موارد البلاد واستخدام مؤسسات الدولة الرسمية مثل البنك المركزي والسجل المدني وغيرهما في نزاعهم على السلطة”.
وأكد أنه “عندما تُشكّل حكومة مدنية جديدة في الخرطوم، سيكون ذلك بداية لإزالة الشرعية الزائفة عن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، والتي يديرها عناصر من نظام الرئيس السابق عمر البشير”. ذكر أن حكومة بورتسودان استمرت في رفض جميع مبادرات السلام، مما أدى إلى إطالة أمد النزاع، وهذا دفع القوى الوطنية للعمل على تشكيل حكومة تهدف إلى تحقيق السلام. وأوضح أن الحكومة المرتقبة سيكون لها دور في توحيد السودانيين ضد مجموعة بورتسودان، كما يُتوقع أن تضع أجندة السلام التي يسعى إليها جميع السودانيين في الوقت الحالي.
سحب الشرعية
أعربت “حكومة البرهان” عن قلقها بشأن نية القوى السياسية تشكيل حكومة موازية، حيث أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على ذلك وأبدت استعدادها للتعاون معها. يرجع المحلل السياسي، عمار الباقر، رد فعل مؤيدي البرهان المعارض لتشكيل حكومة موازية، إلى مخاوفهم من إمكانية فقدان الشرعية لحكومة بورتسودان، وخاصة إذا تم تشكيل الحكومة الجديدة من مجموعة متنوعة من القوى السياسية السودانية. أشار في حديثه إلى “إرم نيوز” إلى أن حكومة البرهان بدأت حملة منظمة لتشويه فكرة إنشاء حكومة موازية، حيث قامت بالترويج في وسائلها الإعلامية بأن تشكيل الحكومة الموازية يعني تقسيم السودان، رغم أنها مستمرة في اتخاذ خطوات عملية تهدف إلى تمزيق البلاد. وأشار إلى أن “الحكومة الجديدة ستساهم في تقليل إجراءات تقسيم البلاد من خلال السعي لتحقيق المساواة بين جميع السودانيين، على عكس ما يقوم به الجيش”. وأكد أن قرار تشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع ليس خطوة مستقلة، بل هو رد فعل على ما تقوم به حكومة البرهان في بورتسودان ضد فئات واسعة من سكان السودان. وأشار إلى أن نجاح الحكومة الجديدة يعتمد على تقديم برنامج يتجاوز “الندية” لحكومة البرهان، وتسعى من خلاله لوقف الحرب وتقليل الانتهاكات ضد المدنيين، خصوصًا تلك التي ترتكبها قوات الدعم السريع، حيث ستمتلك الحكومة الجديدة السيطرة على تلك المناطق.
ليست حكومة منفى
يعتبر سليمان صندل حقار، رئيس حركة العدل والمساواة المنفصلة عن الحركة التي يقودها جبريل إبراهيم، وزير المالية وحليف البرهان، من أبرز الداعمين لتشكيل حكومة بديلة لحكومة البرهان. وقد استمر لفترة طويلة في طرح مزايا الحكومة الجديدة على منصة “إكس”. قال في أحدث منشور له على منصة “إكس” إن قوى سياسية وحركات مسلحة اتفقت على تشكيل حكومة تهدف إلى تحرير الشعب السوداني من البرهان ومجموعة المؤتمر الوطني، وكسر احتكار الوطن وموارده، وتوجيهها لصالح البلاد، والمحافظة على الوطن ووحدته. وأضاف أن “الحكومة التي نسعى لاستعادتها وإعادة تشكيلها وإعلانها ليست حكومة منفى، بل هي حكومة داخل الأراضي السودانية وتهتم بجميع المناطق السودانية”. وأشارت إلى أنها “ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لإنهاء الحرب، وتحقيق السلام، وحماية المدنيين، وإنقاذ الأوضاع الإنسانية المأساوية، بالإضافة إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية من حيث الأرض والشعب والتراث، وإسكات الأصوات العنصرية التي تظهر بشكل خجول من مجموعة بورتسودان وأنصارها”.
خيار أخير
يرى المحلل الاستراتيجي عادل بشير أن الحكومة التي يتم الحديث عن تكوينها قد تمثل الخيار الأخير أمام القوى السياسية السودانية لإقناع قائد الجيش الفريق البرهان بالموافقة على إنهاء الحرب من خلال التفاوض. قال بشير لوكالة “إرم نيوز” إن البرهان لطالما سعى إلى الحصول على سلطة شرعية منذ الانقلاب على الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك في 25 أكتوبر 2021، وحتى الحرب الحالية، مما يجعل من غير المرجح أن يوافق على أي مفاوضات تؤدي إلى إنهاء احتكاره للسلطة.
وأضاف أن “إنشاء حكومة موازية لسلطة الجيش قد يشكل تهديدًا حقيقيًا للبرهان، لأنها قد تسحب الشرعية التي يسعى للحصول عليها، خاصة أن القوى التي تنوي تشكيلها كانت جزءًا من الحكومة الانتقالية المعترف بها قبل الانقلاب، مما يزيد فرص اعتراف المجتمع الإقليمي والدولي بها مقارنة بسلطة البرهان التي لا تزال تؤدي إلى تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي”. وأوضح أن الصراع الدائر في السودان نشب في الأساس بسبب الصراع على السلطة، حيث يسعى الجيش للسيطرة الكاملة عليها ولا يعتزم التخلي عنها، بغض النظر عن مدة الحرب. كما أشار إلى أن وجود سلطة معترف بها تمثل السودان داخليًا وخارجيًا، بعيدًا عن حكومة الجيش في بورتسودان، سيساهم في دفع البرهان للموافقة على وقف الحرب من خلال مفاوضات، بحسب قوله.