بدأت يوم الأحد في محكمة كسلا بشرق السودان أولى جلسات محاكمة عمر فضل الله عبد السخي رزق الله، المعروف بلقب “عمر هلالية”، وهو عضو في الحزب الشيوعي. تأتي هذه المحاكمة بموجب المادتين 50 و51 من القانون الجنائي السوداني، اللتين تتعلقان بتقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة. وقد وصف حقوقيون هذه الاتهامات بأنها تفتقر إلى الأدلة القاطعة، مما يثير تساؤلات حول دوافع هذه المحاكمة.
تجدر الإشارة إلى أن هلالية قد تم اعتقاله لمدة ستة أشهر منذ يوليو الماضي، حيث ألقت السلطات الأمنية القبض عليه عند وصوله إلى ولاية كسلا قادمًا من قرية الهلالية بولاية الجزيرة، حيث كان يرافق والده المريض لتلقي العلاج. وقد أثار اعتقاله قلقًا واسعًا بين منظمات حقوق الإنسان، خاصةً أنه تم دون تقديم أسباب واضحة، مما يعكس تدهور الوضع الحقوقي في البلاد.
عائلة هلالية أفادت بأنهم لم يتمكنوا من معرفة مكان احتجازه أو مقابلته لفترة طويلة، حتى تم السماح لهم بلقائه قبل يومين من بدء محاكمته. كما أشار بيان الأسرة إلى أن اعتقاله جاء بعد تفتيش هاتفه الشخصي دون إذن رسمي، مما يزيد من المخاوف بشأن استغلال السلطات للنصوص القانونية لأغراض سياسية، ويعكس تزايد الضغوط على المعارضين في البلاد.
تهم سياسية
في سياق حديثه عن الوضع القانوني الراهن، أشار الخبير القانوني نصر الدين يوسف دفع الله إلى أن تطبيق المادتين 50 و51 من القانون الجنائي قد أصبح أمرًا متزايد الشيوع في الفترة الأخيرة. وأوضح أن العقوبات المرتبطة بهاتين المادتين تعتبر من بين الأكثر قسوة، حيث يمكن أن تصل إلى عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، مما يثير القلق حول استخدام هذه المواد بشكل غير مسؤول.
وفي حديثه مع (التغيير)، لفت يوسف إلى أن النزاع الذي اندلع في 15 أبريل الماضي قد أحدث تحولات جذرية في النظام العدلي في السودان. وأكد أن هناك زيادة ملحوظة في استخدام مواد قانونية خطيرة، خاصة تلك التي تتعلق بالجرائم الواردة في الباب الخامس من القانون الجنائي، مما يعكس تحولًا في كيفية تطبيق العدالة في البلاد.
كما أضاف الخبير أن النصوص القانونية التي كانت تُستخدم في السابق بشكل محدود قد أصبحت الآن وسيلة لتصفية الحسابات السياسية، حيث يتم استغلالها لممارسة انتهاكات تحت ذريعة الانتماء الإثني أو القبلي. وهذا الأمر يثير مخاوف كبيرة بشأن مستقبل العدالة في السودان، ويعكس الحاجة الملحة لإعادة النظر في كيفية تطبيق القوانين في ظل الظروف الحالية.
أكد يوسف أن الاتهامات الموجهة لعمر هلالية، والتي تستند إلى محتويات هاتفه الشخصي، تفتقر إلى الأدلة القانونية الواضحة. وأشار إلى أن هذه المحاكمة تأتي في إطار سياسي يهدف إلى تقييد الحريات العامة واستغلال القوانين كوسيلة لإسكات الأصوات المعارضة. واعتبر أن استخدام محتويات شخصية كأداة للاتهام يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الأفراد.
وأوضح يوسف أن الرسائل الشخصية أو الآراء الفردية لا يمكن اعتبارها دليلًا كافيًا لتوجيه اتهامات خطيرة مثل تقويض النظام الدستوري أو إثارة الحرب ضد الدولة. وأكد أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، ولا تعكس أي من مبادئ العدالة أو سيادة القانون. وأشار إلى أن المحاكمات الحالية تجري في ظروف غير ملائمة، مما يزيد من قلقه بشأن نزاهتها.
في ختام حديثه، شدد يوسف على أن الظروف الحالية، بما في ذلك الحرب، لا ينبغي أن تُستخدم كذريعة لتبرير الانتهاكات أو الاتهامات الكيدية أو المحاكمات غير العادلة. وأكد أن العدالة يجب أن تُحترم بغض النظر عن الظروف، وأنه يجب على المجتمع الدولي أن يراقب هذه الانتهاكات ويعمل على حماية حقوق الأفراد.