اخبار الاقتصاد السودان عاجل

فروق كبيرة بين السوق والتطبيقات.. السودانيون يشكون من الفوضى الناجمة عن تغيير العملة

يشكو السودانيون من الفوضى الناجمة عن تغيير العملة. توجد اختلافات كبيرة بين السوق والتطبيقات عند تعديل فئتي 500 و1000 جنيه القديمة.

ملخص
حدد البنك المركزي السوداني أن يتم الاستبدال من خلال الإيداع البنكي، مع عدم تجاوز الحد الأقصى للسحب اليومي 200 ألف جنيه (332.5 دولار). وتشمل عملية الاستبدال ثماني ولايات من أصل 18 ولاية، وهي البحر الأحمر، نهر النيل، الشمالية، كسلا، القضارف، النيل الأزرق، إضافة إلى ولايتي سنار والنيل الأبيض.
تصاحب عملية استبدال السلطات السودانية لعملتها المحلية من فئتي الـ1000 أو الـ500 جنيه سوداني، والتي بدأت في العاشر من ديسمبر الحالي وتنتهي بنهاية الشهر، بعض الظواهر السلبية، ومن أبرزها وجود سعرين للعملة عند شراء المواطن لأي سلعة من الأسواق المختلفة. ففي حالة الدفع عبر التطبيقات البنكية، يكون السعر أقل من السعر النقدي، مما يجعل هذه العملية (الاستبدال) سلعة شائعة يمارسها التجار على نطاق واسع في الولايات المختلفة في البلاد.
يتفشى هذه الظاهرة نتيجة لعدم سلاسة عملية استبدال العملات كما ينبغي، مما تسبب في ازدحام غير مسبوق في البنوك من قبل المواطنين الذين يسعون لإيداع أموالهم من الفئات القديمة. في الوقت ذاته، أظهر معظم التجار تردداً في التعامل بهذه العملات القديمة، مما أدى إلى حالة شلل كامل في الأسواق نتيجة لغياب الرقابة الصارمة من قبل الجهات المختصة. كيف ينظر المصرفيون والاقتصاديون إلى هذه الظاهرة وتأثيرها على الاقتصاد والمواطن الذي يعيش ظروفاً صعبة بسبب الحرب المستمرة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل 2023؟ وما الذي ينبغي على الدولة القيام به للتخلص من هذه الظاهرة؟
سلعة مربحة
أكد المتخصص في القطاع المصرفي إبراهيم أحمد جبريل، “في رأيي، إن تغيير العملة تم في ظروف صعبة ومعقدة من جوانب أمنية وتقنية وجغرافية، مما يجعل من الصعب تحقيق انسيابية العملية وإنجاز أهدافها في فترة زمنية محددة.”
وأشار جبريل إلى أنه كما توقعنا وتوقع آخرون، من المحتمل أن تتحول العملة إلى سلعة مربحة، مما سيؤدي إلى ظهور سوق جانبية ت profit إيرادات لأصحاب النفوس الضعيفة، فضلاً عن حدوث ارتباك اقتصادي واختلافات في الأسعار تؤثر على السلع الأساسية للحياة. مما ينتج عنه وجود سعرين مختلفين يعتمد ذلك على طريقة الدفع؛ ففي حالة التحويل البنكي يكون السعر أقل مقارنة بالدفع النقدي بالعملة القديمة وبفارق كبير.
يعتقد جبريل أن التاجر في مختلف أسواق البلاد يعرض نفسه للمخاطر ويعمل بجد ويقطع المسافات لتبديل ما لديه من عملة قديمة في البنوك أو لشراء عملة جديدة من سوق العملة الموازية. وبالتالي، فإن هذا الارتباك أثر على القضايا الحياتية وزاد من معاناة الناس، مما أدى إلى تراجع القوة الشرائية للعملة وزيادة أسعار العملات الأجنبية والذهب، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأصول الثابتة والمتحركة، بحسب قوله.
أشار الخبير في القطاع المصرفي إلى أن الحل الوحيد للخروج من هذه الحالة من الارتباك هو التمديد المفتوح لفترة التغيير، بحيث تظل العملة القديمة تحافظ على قوتها الشرائية. بمرور الوقت، يتم استبدال إيداعات البنوك، وإلغاء العملة القديمة، والتحويل إلى التعامل بالعملة الجديدة. ومن ثم، سيوجد وقت كافٍ للبنوك لضبط العملات المزيفة أو المسروقة، بالإضافة إلى الاستمرار في تطوير التقنيات مع الأمل في توسيع المناطق الآمنة، حتى تتمكن البنوك من استئناف عملها وتخفيف الأعباء عن المواطنين، مما يسهم في إدخال الطمأنينة إلى نفوسهم وإيجاد بعض الاستقرار.
وقف التدهور
من جهة أخرى، أشار الباحث الاقتصادي محمد الناير إلى أن “هناك بالفعل ظواهر سلبية رافقت عملية الاستبدال، وهي ناتجة عن بعض الأفراد ذوي النفوس الضعيفة وليس من السياسات التي تتبعها الدولة، حيث استغلوا هذه الظروف لتحقيق أرباح كبيرة دون أي حق أو مبرر قانوني أو أخلاقي”. وأضاف: “كان ينبغي على اللجنة المختصة متابعة سير هذه العملية وما يطرأ من ظواهر ضارة على اقتصاد البلاد، والعمل على معالجتها والتقليل منها بشكل كبير، بالإضافة إلى تسهيل جميع الإجراءات المتعلقة بعملية الاستبدال، من خلال تيسير انسياب الأمور للبنوك وتسهيل فتح الحسابات إلكترونياً للمواطنين”.
أفاد الباحث الاقتصادي بأن “هذه الخطوة كانت ضرورية وقد أوصينا بها منذ وقت مبكر، لو تم تنفيذها قبل عام ونصف لكانت لها تأثيرات إيجابية كبيرة على مؤشرات الاقتصاد، وكان بالإمكان أن توقف تدهور الجنيه السوداني الذي كان سعره 500 جنيه مقابل الدولار عند بداية الحرب، بينما وصل حالياً إلى 2500 جنيه”.
وأضاف الناير: “أعتقد أن هناك تأثيراً إيجابياً لا يزال موجوداً، رغم أنه بسيط، وأتوقع أن نشهد مرحلة جديدة بعد الحرب تستدعي استبدالاً كاملاً للعملة وإعادة تقييم التركيبة الفئوية”. وتابع قائلاً: “المشكلة الحالية تكمن في الظواهر السلبية التي ظهرت خلال فترة الاستبدال، مما يتطلب من اللجنة المعنية أن تعمل بكل جهد لتفاديها، حتى لا يتأثر الاقتصاد السوداني، ولتجنب مزيد من الضغوط على المواطن. كما يجب تحسين شبكات الاتصالات بشكل آمن ومستقر، وتسريع عملية التحويلات بين البنوك، بالإضافة إلى تفعيل التطبيقات المصرفية للبنوك التي توقفت عن العمل. فكل هذه الأمور ستساعد المواطن وتخفف من أعبائه، خاصة أن هناك بالفعل صعوبات تواجهه في عمليات الإيداع والإدارة الإلكترونية لحسابه في عمليات الشراء والبيع وغيرها”.
وانتهى الباحث الاقتصادي حديثه بالقول، “على الرغم من التعقيد والسلبيات التي ترافق عملية استبدال العملة، إلا أنها حققت أهدافاً مهمة، منها اكتشاف كميات كبيرة من الأموال المزوّرة التي كانت تُستخدم في عمليات الشراء والبيع في الأسواق المختلفة دون أن يتمكن المواطنون من التعرف عليها، بالإضافة إلى دورها في تحديد مقدار الأموال التي تم نهبها رغم أن الكثير منها تم تحويله إلى عملات أجنبية وذهب وعقارات وأشياء أخرى.”
مرحلة جديدة
قال المتحدث الرسمي لاتحاد المصارف السوداني أحمد عبدالرحمن الحوري إن الإقبال الكبير من المواطنين على استبدال العملة وتحملهم لبعض مشاق الانتظار يعكس وعيهم المتقدم وقناعتهم بالأسباب التي أدت إلى تغيير العملة.
أوضح الحوري في بيان صحفي أن المواطنين سيستفيدون بشكل إيجابي من عملية الاستبدال على المدى القريب والمتوسط، حيث ستساهم في كشف العملات المزيفة وتضييق الخناق على من قاموا بعمليات النهب المنظمة للعملة. وهذا سيساهم في خفض معدل التضخم واستقرار الأسعار، مما يمهد الطريق للمواطن لدخول مرحلة جديدة من خلال فتح حسابات مصرفية والتعامل بالتقنيات المصرفية ووسائل الدفع الإلكتروني الحديثة، وبالتالي تقليل الحاجة لحمل النقود.
أشار المتحدث الرسمي لاتحاد المصارف السوداني إلى أن المواطن يمكنه سحب مبلغ يصل إلى 200 ألف جنيه (332.5 دولار) يوميًا من المصارف، أو يمكنه إجراء تحويلات عبر نظام “سراج” من بنك إلى آخر، أو من حساب إلى آخر داخل نفس البنك، كما يمكنه استخدام التطبيقات المصرفية التي تُعتبر الوسيلة الأفضل لتسهيل عمليات التبادل التجاري بين مختلف أفراد المجتمع.
أشار الحوري إلى ظاهرة اعتماد البنوك على سلوك المواطنين في مواجهة الظواهر السلبية وعدم الانتباه للشائعات. كما شدد على أهمية إعادة الأموال إلى المصارف للاستفادة منها في التنمية وتمويل مشاريع المواطنين الاستثمارية، والدخول في عصر التجارة الإلكترونية، والتحول التدريجي نحو المجتمع غير النقدي.
إيداع بنكي
حدد بنك السودان المركزي أن عملية الاستبدال ستتم عن طريق الإيداع البنكي، وألا يتجاوز الحد الأقصى للسحب اليومي 200 ألف جنيه (332.5 دولار). وستشمل عملية الاستبدال ثماني ولايات من أصل 18 ولاية، وهي البحر الأحمر ونهر النيل والشمالية، بالإضافة إلى ولايات كسلا والقضارف والنيل الأزرق إلى جانب ولايتي سنار والنيل الأبيض.
وفقًا لخبراء اقتصاديين، فإن عملية تغيير العملة تستهدف حوالي 200 تريليون جنيه (332.5 مليار دولار) من الكتلة النقدية المتواجدة خارج النظام المصرفي، والتي تمثل حوالي 90% من إجمالي حجم الكتلة النقدية التي تصل إلى 900 تريليون جنيه (1.5 تريليون دولار)، مما أدى إلى فقدان الحكومة السيطرة عليها.
قال بنك السودان المركزي إن قرار استبدال العملة يهدف إلى حماية العملة الوطنية وضبط الفوضى في أسعار الصرف بالسوق السوداء، بالإضافة إلى معالجة الآثار السلبية الناتجة عن الحرب الدائرة في البلاد منذ منتصف أبريل 2023، وانتشار كميات كبيرة من العملات غير المعروفة المصدر التي لا تتوافق مع المواصفات الفنية. وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في السيولة النقدية، مما أثر سلبًا على استقرار الأسعار بشكل عام. ومع ذلك، قوبل هذا القرار برفض من جانب قوات “الدعم السريع”، التي أوضحت في بيان لها أن “السلطة الموجودة في بورتسودان لجأت إلى طرح العملة الجديدة لتغطية العجز في الإيرادات وتمويل تكاليف الحرب”، وبالتالي لن تسمح بتمرير أجندات ما أسمته “الدولة القديمة”.
دعت قوات “الدعم السريع” المواطنين السودانيين إلى رفض القرار وعدم إيداع أموالهم أو التعامل بالعملة الجديدة، واعتبرت هذه الخطوة “مشروعاً لتقسيم السودان”. وأوضحت أن “هذه الخطوة تفتقر إلى أساس قانوني، وتتنافى مع نظم الحماية المالية للأفراد في ظل الكوارث والحروب، وتعتبر مجرد عمل اقتصادي متهور لتحقيق أهداف سياسية معروفة”.
منذ بداية الحرب وتوسعها إلى 12 ولاية، تعرضت المصارف السودانية في مناطق النزاع لعمليات نهب وتدمير كبيرة، بالإضافة إلى عمليات تزوير للنقود، كما شهد الجنيه السوداني تراجعاً ملحوظاً في قيمته مقابل العملات الأجنبية، حيث وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 2300 جنيه سوداني في السوق السوداء، أي ما يعادل تقريباً أربعة أضعاف قيمته قبل اندلاع الحرب.
يواجه الاقتصاد السوداني معدلات تضخم مرتفعة تجاوزت 300 في المئة، وفقًا لأحدث التقديرات، في ظل تداول 90 في المئة من الكتلة النقدية خارج نطاق النظام المصرفي.

عن مصدر الخبر

جريدة اندبندنت البريطانية

تعليق