شهدت الساحة السودانية جدلاً واسعاً حول اقتراح إنشاء حكومة موازية في مناطق “الدعم السريع”، حيث يرون المتابعون أن القوى المعارضة للجيش السوداني تأخرت في التشكيك بشرعيته. وعلى الرغم من التحذيرات ومعارضة بعض الجهات المؤثرة، تم إعادة طرح فكرة تأسيس حكومة موازية في مناطق سيطرة “الدعم السريع” كمواجهة للحكومة الحالية في بورتسودان التي تتبع الجيش.
أثناء استمرار المشاورات بين الفصائل المعارضة للحرب لتشكيل الحكومة الموازية وسحب الشرعية من الحكومة الحالية، تشعر بعض القوى السياسية البارزة في “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدم) بالقلق من احتمال تقسيم البلاد نتيجة لهذا الاقتراح، الأمر الذي دفع المجلس القيادي للتنسيقية لتحويل الاقتراح إلى إطار سياسي لمزيد من النقاش واستكشاف جميع الخيارات الممكنة. هل ستستمر الفكرة رغم الخلافات والمخاوف، أم سنشهد هذا العام تأسيس حكومة موازية في مناطق “الدعم السريع”؟
تختلف الآراء حول الموضوع؛ بينما لقيت فكرة تشكيل حكومة موازية تحت مسمى “حكومة السلام” دعمًا من مجموعة من القوى السياسية، لا تزال العديد من الأحزاب المدنية والمهنية تعارض الاقتراح خشية من زيادة الانقسامات في السودان.
فيما يخص تباين المواقف داخل “تنسقية القوى المدنية والديمقراطية”، أوضح نائب رئيس التنسيقية الهادي إدريس أن النقاشات مستمرة مع بعض القوى السياسية غير المنضوية تحت مظلة (تقدم) التي تدعم التوجه لإنشاء الحكومة الموازية، كذلك تم إجراء لقاءات من قبل سفراء دول لا تعترف بحكومة البرهان.
وأكد إدريس، كأحد الداعمين لفكرة الحكومة الموازية، أن المسعى مستمر دون تراجع، موضحًا أنه يعد خطوة حيوية لمواجهة خطط الانقسام. وأشار إلى أن الاعتراف الدولي بالحكومة المقترحة سيتبع بعد إعلانها، مرجحًا أن تنجح (تقدم) في الحصول على الاعتراف إذا توحدت في هذا الاتجاه.
من ناحية أخرى، عقدت التنسيقية اجتماعات لدراسة الموضوع من جميع جوانبه، مع التحذير من أن فكرة الحكومة الموازية قد تؤدي إلى انقسامات داخل صفوف التنسيقية والكيانات المدنية. وبيّن رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير أن ما يحتاجه السودان هو توافق مدني ينقل البلاد من حالة الحرب إلى السلام. أكد الدقير أيضًا أنهم لن يعترفوا بحكومة في مناطق سيطرة قوات “الدعم السريع”.
ممارسة الشرعية
في هذا السياق، أوضح مستشار قائد قوات “الدعم السريع” إبراهيم مخير لصحيفة “اندبندنت عربية” أن الحكومة القادمة يجب أن تمثل السلطة الوطنية في ممارسة سلطاتها على جميع أنحاء السودان، سواء كانت تحت السيطرة أو غيرها، بما في ذلك بورتسودان. وأكد أن دور قوات الدعم السريع يتمثل في حماية تلك الحكومة ورعايتها.
بالنسبة للجدل حول اختيار الخرطوم كمقر للحكومة، أشار مخير إلى أنه يجب على منتقدي هذا الاختيار أن يتذكروا أمثلة تاريخية مثل الحكومة البريطانية التي استمرت في إدارة البلاد من لندن خلال الحرب العالمية الثانية، رغم القصف الجوي، وكذلك الحكومة الأوكرانية التي تعمل الآن من كييف رغم الحرب. وأكد أن التضحيات التي قدمها السودانيون، خاصة قوات الدعم السريع، تجعل من الضروري على الوزراء الذين سيديرون البلاد من الخرطوم أن يكونوا مستعدين للتضحية أيضًا.
تمثيل جهوي
أفصح المستشار أن الحكومة المقترحة ستشمل ممثلين من المناطق غير المحررة في شرق وشمال السودان، وستشارك فيها قوى سياسية مهمة مثل تحالف القوى المدنية المتحدة (قمم) وحركة تحرير السودان – عبدالواحد محمد نور، والجبهة الثورية، وممثلين من جميع ولايات البلاد بما فيها الولايات المحررة. يؤكد أن القوى المعارضة يمكنها أن تلعب دور المعارضة الوطنية في النظام الديمقراطي المتوقع.
أشار مخير إلى أن الحكومة المقبلة لا تحتاج إلى إسقاط شرعية حكومة بورتسودان، لأنها في الأساس غير شرعية وغير دستورية بسبب انقلاب أكتوبر 2021، الذي ألغى الدستور والحكومة وأوقف المجلس السيادي، إضافة إلى أن سلطتها تقتصر على سبع ولايات فقط، وهو ما يتضح من قرارها بإجراء امتحانات الثانوية، مما يعكس تخليها عن 11 ولاية تحت سيطرة الدعم السريع.
الجبهة العريضة
بالمقابل، رأى الأمين العام لتنسيقية القوى الوطنية الداعمة للجيش محمد سيد أحمد الجاكومي أن ما وصفه بـ “مطالب القوى السياسية المؤيدة لميليشيات الدعم السريع المتمردة بإعلان حكومة بديلة، يشير إلى فشل ومخطط للانقلاب على السلطة الحالية عن طريق الدعم السريع، وهو إشارة إلى اليأس والفشل في مشروعهم للفوز في الحرب”.
وأوضح الجاكومي أن “الحاضنة السياسية للميليشيات في تنسيقية (تقدم) وصلت إلى مرحلة الانتحار بفكرها حول إعلان مثل هذه الحكومة، وهم يفتقرون إلى أي دعم شعبي حتى من داخل عائلاتهم التي تأثرت بانتهاكات الميليشيات”.
من جهتها، ترى حركة جيش تحرير السودان برئاسة عبدالواحد محمد نور أن الأولوية الآن تكمن في تشكيل جبهة مدنية عريضة لوقف الحرب وتوحيد السودانيين، وهناك إمكانية للحديث عن تكوين حكومة تدعمها الشعب بعد ذلك، لأن الشعب السوداني هو صاحب الشرعية والتفويض الأصيل.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم الحركة محمد عبدالرحمن الناير أن “الحركة وضعت رؤيتها لكل القوى السياسية التي التقت بها، وأنه من الضروري تشكيل تلك الجبهة التي تشمل جميع السودانيين باستثناء المؤتمر الوطني، قبل التفكير في تشكيل حكومة موازية”.
هل فات الأوان؟
في هذا السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية عبدالغفار يوسف مكي أنه رغم أن المجتمع الدولي ينظر إلى الحكومة السودانية الحالية بوصفها سلطة الأمر الواقع، وكونه غير راضٍ عن سلوكها المُتمسك بالحسم العسكري، فإن الحديث عن إسقاط الشرعية عنها قد يأتي متأخراً، مما يهدد بخسارة القوى السياسية المناهضة للحرب لمعركتها حول الشرعية منذ البداية. وحذر من أن “التورط في إعلان حكومة موازية دون ضمانات للاعتراف الدولي والإقليمي يعني موتها قبل ولادتها، وسيشكل فشلاً سياسياً لا يمكن تعويضه في مسيرة تلك القوى نحو وقف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي”.
ورأى مكي أن “الحديث عن حكومة بديلة أو رديفة تستبعد الجيش سيعطل كل الجهود والمبادرات الهادفة إلى وقف الحرب، لأن جميع الوساطات كانت تخاطب الأطراف المتحاربة (الجيش وقوات الدعم السريع) وليس الحكومة، مما يعقد وضع التفاوض في المستقبل”.
النموذج الليبي
واعتبر مكي أن “مشاركة قوات الدعم السريع في الحكومة المقترحة بعد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها بحق المدنيين تبدو فكرة محفوفة بالمخاطر، لأن ذلك سيضعف الاستجابة الشعبية وسيهدد فرص نجاحها، وقد تواجه الحكومة المقترحة مصيراً مشابهاً لتجربة الإدارات المدنية في مناطق سيطرة تلك القوات، التي فشلت في الإدارة وتقديم الخدمات لنفس السبب”.
ورأى أستاذ العلوم السياسية أن التوجه نحو النموذج الليبي، كما ترجح ملامح الاقتراح، يمكن أن يؤدي إلى تأزم الوضع الداخلي بنفس الطريقة التي حدثت بها التجربة الليبية غير المجديّة، بالإضافة إلى أن إنشاء الاقتراح على أساس مناطق السيطرة العسكرية قد يمثل تأسيسًا للحدود الجغرافية للبلد.
إلى ذلك، جدد قائد قوات “الدعم السريع” الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) التزامه الثابت بوحدة السودان أرضاً وشعباً دون مساومة، وتمسكه “بالحكم المدني وبناء سودان جديد قائم على قيم الحرية والعدالة والسلام، في ظل نظام ديمقراطي حقيقي”.
وشدد دقلو في كلمة مسجلة بمناسبة ذكرى الاستقلال الأول من يناير الجاري، على أنه لا يرغب في أن تكون قواته بديلاً للجيش السوداني، متمسكاً بتأسيس جيش جديد مهني وقومي تحت رقابة المدنيين.
تواصل المشاورات
وقد تم طرح فكرة تشكيل حكومة موازية خلال المؤتمر التأسيسي لتنسيقية “تقدم” في أديس أبابا في مايو الماضي، لكنها لم تحظَ بالدعم الكافي، ثم أعيد طرحها في الاجتماع الثالث للهيئة القيادية للتنسيقية في مدينة عنتيبي الأوغندية في الثالث من ديسمبر الماضي، حيث تمت إحالة الاقتراح إلى آلية سياسية نشأت من الاجتماع.
وانطلقت مشاورات الأسبوع الماضي في العاصمة الكينية نيروبي، ضمت عدداً من القوى السياسية السودانية، بما في ذلك شخصيات من تنسيقية “تقدم”، بمشاركة ممثلين من قوات “الدعم السريع”، لبحث تشكيل ما أسموه “حكومة سلام”، واعتماد الوثيقة الدستورية التي أسست لشراكة الحكم بين العسكريين والمدنيين في قوى الحرية والتغيير بتاريخ 17 أغسطس 2019، كدستور ينظم العلاقات بين مكوناتها.
تبنت الفصائل داخل تنظيم الجبهة الثورية فكرة تشكيل حكومة في مناطق يسيطر عليها قوات “الدعم السريع”، وكان على رأسها “حركة تحرير السودان / المجلس الانتقالي” الذي يقوده الهادي إدريس، و”تجمع قوى تحرير السودان”، و”حركة العدل والمساواة – فصيل سليمان صندل”، ومؤتمر البجا المعارض وأسامة سعيد، بالإضافة إلى شخصيات مدنية. وفي الوقت نفسه، رفضت قوى سياسية مؤثرة في تنسيقية “تقدم” فكرة تشكيل حكومة منفى أو أي شكل آخر، ومن بينها أحزاب “المؤتمر السوداني”، و”التجمع الاتحادي”، و”تجمع المهنيين”، بالإضافة إلى قوى مدنية ولجان المقاومة.