توفي طفل جارتنا الرضيع حديث الولادة، إذ وُلِد ميتًا بسبب فقر الدم الذي كانت تعاني منه والدته، والتي فارقت الحياة بعد ثلاثة أيام من وفاة طفلها! هكذا وصف سلطان طلال، المتطوع في منطقة مايرنو بولاية سنار، حالة إحدى الأسر هناك. وأضاف سلطان أن السيدة المرحومة تركت خلفها ثلاث بنات، جميعهن يعانين الآن من فقر الدم. وكشف طلال عن انتشار ظاهرة الجوع والملاريا والكوليرا في مايرنو، مشيرًا إلى حالات الوفيات بين النساء الحوامل والأطفال ومرضى الملاريا والتيفويد بسبب نقص الأدوية وصعوبة الوصول إلى العلاج. وفي حديث آخر، شكت سيدة للتغيير قائلة: “لدي أطفال يتامى يعانون من فقر الدم، وضعنا صعب وزوجي توفي، نحتاج للمساعدة”.
يواجه المواطنون والنازحون في مايرنو بولاية سنار، جنوب الخرطوم، ظروفًا إنسانية صعبة بسبب توقف المطابخ الخيرية ونقص الأدوية، بالإضافة إلى انتشار وباء الكوليرا الذي تسبب في وفاة أكثر من 300 شخص. المستشفى الريفي الوحيد في مايرنو تم تأهيله جزئيًا ليكون متخصصًا تحت إشراف وزارة الصحة، ولكن بسبب الظروف الحربية، تديره غرفة الطوارئ.
بعد توغل قوات الدعم السريع في ولاية سنار، توقفت خدمات المستشفى. وعلى الرغم من ذلك، بدأ المستشفى بالعمل مؤخرًا بفضل جهود غرفة الطوارئ، ولكن الصيدلية لم تفتح حتى منتصف نوفمبر 2024. يشتكي سكان المدينة من ارتفاع أسعار الأدوية في الصيدلية وعدم توفر العلاج المجاني. وهذا دفع غرف الطوارئ لتوفير وجبات للعاملين في المستشفى وتغطية التكاليف التشغيلية. ونظرًا لتقاعس وزارة الصحة في ولاية سنار عن واجباتها، أقامت غرفة الطوارئ مركز عزل لحالات الكوليرا بمبادرة شخصية. ومنذ أغسطس الماضي، انتقل وباء الكوليرا في مايرنو وأسفر عن وفاة أكثر من 300 شخص، بالإضافة إلى الوفيات الأخرى بسبب الملاريا وسوء التغذية وصعوبة الوصول إلى العلاج.
في هذا السياق، يقول عمر عرابي، عضو غرفة الطوارئ في مايرنو: “تجاهلت وزارة الصحة مسؤولياتها، حيث يعاني مرضى الكوليرا ويحاولون علاج أنفسهم بجهودهم الذاتية، مع ارتفاع سعر الدواء الواحد إلى 7000 جنيه سوداني”. ويضيف: “شهدنا في منطقتنا العديد من حالات الوفاة بين كبار السن، حيث توفي معظم الأشخاص الذين تجاوزوا الستين عاماً في أقل من شهر، بالإضافة إلى حالات وفاة بين الأطفال”.
كشف عرابي أن غرفة الطوارئ في حاجة إلى تمويل، وأشار إلى دعم أبناء المنطقة المغتربين خارج البلاد. ورغم ذلك، لم تكن التبرعات كافية لتشغيل المطابخ وتقديم العلاج. وحذر من نقص الإمدادات في الجزء الجنوبي من منطقة مايرنو، حيث لا يمكن تلبية احتياجات خمسة أحياء بسبب نقص الغذاء في المطبخ الخيري.
وختم بالقول: “من الأسف أن منطقة مايرنو لم تتلق أي مساعدات إغاثية منذ بدء الحرب في ولاية سنار”. وتعاني مايرنو من انتشار مرض الملاريا، حيث يصعب الحصول على العلاج بسبب ارتفاع أسعار الأدوية. كما يتوجب على المواطنين الاعتماد على التكايا والمطابخ الخيرية التي توقفت تمامًا. وتضم المدينة 20 حيًا، ولم يستطع معظم سكانها مغادرتها منذ دخول قوات الدعم السريع، بينما عاد الآخرون النازحون إلى القضارف مما أدى إلى زيادة الضغط على المطابخ.
تقع مدينة مايرنو على بعد 400 كيلومتر جنوب الخرطوم على الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق، وتبعد حوالي 17 كيلومترًا عن مدينة سنار و70 كيلومترًا عن العاصمة سنجة. يبلغ عدد سكانها الأصليين حوالي 62,000 نسمة، وبعودة النازحين من الخرطوم والجزيرة، زاد العدد إلى حوالي 70,000 نسمة.