أعلنت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح عن نجاحها في إحباط إمدادات عسكرية ولوجستية كانت في طريقها إلى مليشيا الدعم السريع، وذلك في منطقة مثلث الحدود بين السودان وليبيا وتشاد. جاء هذا الإعلان في بيان رسمي صدر يوم الأحد 5 يناير 2025، حيث أكدت القوة أنها تمكنت من قطع الطريق على هذه الإمدادات التي تضمنت أسلحة متطورة وذخائر ومواد تموينية، بالإضافة إلى وقود للمركبات. كما أفادت القوة بأنها ألقت القبض على عدد من الأفراد المرتبطين بقيادة الدعم السريع، مما يعكس نجاحها في تنفيذ عملياتها.
وأكد البيان أن القوة المشتركة لن تتهاون في جهودها لمنع دخول أي أسلحة إلى مليشيا الدعم السريع عبر الصحراء، مشددة على أنها تراقب الحدود بين السودان وتشاد وليبيا بشكل دقيق.
هذا التوجه يعكس التزام القوة المشتركة بمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة، حيث تعتبر هذه الحدود نقطة استراتيجية مهمة في الصراع القائم. كما أن هذه الإجراءات تأتي في إطار سعي القوة للحفاظ على الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية التي تشهد توترات مستمرة.
من المثير للاهتمام أن البيان لم يشر إلى وقوع أي معارك في تلك المنطقة، مما أثار تساؤلات حول الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة التي دفعت القوة المشتركة إلى اتخاذ إجراءاتها، رغم عدم وجود قرى على جانبي الحدود السودانية والليبية. في حين توجد بعض القرى المعزولة في الجانب التشادي، فإن هذا الوضع يثير القلق حول إمكانية تصاعد التوترات في المستقبل. يبدو أن القوة المشتركة تسعى إلى تعزيز وجودها في هذه المنطقة الحساسة لضمان عدم تكرار أي محاولات لإمداد الدعم السريع بالأسلحة والموارد.
مثلث النزاعات
يقع مثلث الحدود بين ليبيا والسودان وتشاد على بعد 382 كيلومتر من مثلث الحدود بين مصر والسودان وليبيا، حيث يمتد خط الطول لمسافة 25 درجة شرقًا حتى يتقاطع مع خط العرض 20 درجة شمالًا، ثم ينحدر الحدود غربًا لمسافة 105 كيلومتر حتى يتقاطع مع خط العرض 24 شرقًا، ثم يتوجه جنوبًا لمسافة 56 كيلومتر حتى يصل إلى نقطة التقاء الحدود بين ليبيا وتشاد والسودان.
تم إعادة تحديد الحدود بين البلدان الثلاثة في عام 1925، عندما وقعت بريطانيا وإيطاليا اتفاقًا حدوديًا، حيث استخدموا خط عرض 22 شمالًا يمتد غربًا من النقطة الثلاثية مع مصر، وينتهي بالحدود بين ليبيا الإيطالية وإفريقيا الاستوائية الفرنسية. تمت الإشارة إلى الزاوية الشمالية الغربية للسودان باسم “مثلث صرة” ثم تخلى السودان عن هذه المنطقة لإيطاليا في عام 1934. تم إعادة تحديد الحدود في 7 يناير 1935، حيث وقعت فرنسا وإيطاليا اتفاقًا يغير الحدود بين إفريقيا الاستوائية الفرنسية وليبيا الإيطالية نحو الجنوب، لكن لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق رسميًا.
تقع نقطة المثلث الحدودي في ولاية شمال دارفور، وأقرب المناطق المأهولة بالنشاط البشري إليها هي واحة النخيلة التي تبعد عن المثلث بحوالي 250 كيلومتراً شرقاً وواحة العطرون التي تقع على بعد 311 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من نقطة المثلث. بينما أقرب مدن الولاية إلى نقطة مثلث الحدود هي مدينة الطينة التي تبعد نحو 511 كيلومتراً جنوباً، في حين تبتعد نقطة المثلث بحوالي 591 كيلومتراً عن مدينة كتم و675 كيلومتراً عن عاصمة الولاية الفاشر نحو الجنوب.
الحقيقة الأساسية في هذه المنطقة تكمن في كونها نقطة الالتقاء الجغرافي بين ثلاث دول تعاني من عدم استقرار سياسي وحروب داخلية منذ استقلالها. على الرغم من اختلاف النزاعات في تشاد وليبيا والسودان، إلا أن هناك ثلاث سمات رئيسية تميزها. أولاً، النزاعات عابرة للحدود، حيث يمثل كل بلد مصدراً للتجنيد للمنظمات المتنازعة في الدول الأخرى، كما يتضح من مشاركة حركات دارفور في الحرب الليبية، وتجنيد الدعم السريع في القبائل العربية بتشاد، وانطلاق الحركات المسلحة التشادية من السودان للاستيلاء على السلطة في تشاد.
ثانياً، النزاعات متعددة الدوافع ولا يمكن ربطها بعامل واحد فقط، فهي سياسية من جهة، ولكنها أيضاً تتعلق بالسيطرة على الموارد الطبيعية كالأراضي والموارد المعدنية. السمة الثالثة المهمة هي الطابع الجهوي والإثني لهذه النزاعات، بغض النظر عن الأنظمة السياسية أو الإيديولوجيات المعتمدة.
جميع هذه العوامل جعلت من منطقة التداخل بين هذه الدول مكاناً للأنشطة غير القانونية، في ظل عجز السلطات عن فرض السيطرة بسبب بعدها الجغرافي وصعوبة الوصول إليها. هذه الظروف حولت المنطقة إلى مركز للتعدين الأهلي للذهب وممراً للتهريب بما في ذلك الأسلحة وتجارة البشر، التي شهدت انتعاشاً أكبر بعد الحرب.
توجد في المنطقة العديد من المناجم الكبيرة، مثل مناجم كوري بوغودي ومسك وأخرى، وتستمر الأنشطة التعدينية دون الاكتراث بالحدود السياسية. رغم محاولات الجيش الوطني الليبي السيطرة على هذه المناجم، فإنه لم يتمكن من ذلك، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على تجارة الذهب لكونها تؤمن مناطق التعدين من الاعتداءات وتملك قنوات لتسويق الذهب.
قدّر الرئيس محمد دبي سابقاً عائدات هذه المناجم بحوالي 90 مليون دولار أسبوعياً، وقد حاول تعزيز السيطرة التشادية على المناجم لكنه واجه مقاومة من بعض زعماء قبائل التبو التي تسيطر على تهريب الذهب. بالمقابل، تركت الحكومة السودانية قوات الدعم السريع تحكم المنطقة.
مع اندلاع الحرب، بدأت الحركات المسلحة في دارفور تبحث عن مصادر تمويل لصراعها، ما دفعها لحرمان الدعم السريع من أحد مصادر تمويله الرئيسية عبر تجارة الذهب، وهو ما يفسر إرسال قوات هذه الحركات إلى المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، وجدت مناجم التعدين نفسها مصدراً لتجنيد الشباب في صفوف الدعم السريع، مما دفع القوات المسلحة وحلفائها إلى محاولة القضاء على مصادر التجنيد.
على مر السنوات، كان مثلث الحدود بين تشاد وليبيا والسودان أحد الممرات الرئيسية للهجرة غير القانونية في القرن الأفريقي. وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن عائدات الهجرة غير الشرعية تجاوزت مليار دولار سنوياً في السنوات الأخيرة، مما دفع الاتحاد الأوروبي لعقد اتفاقات مع قوات الدعم السريع لوقف هذه الظاهرة.
بعد اندلاع الحرب، فضل العديد من اللاجئين العبور عبر المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان، لكن السلطات السودانية في الولاية الشمالية منعت السفر من منطقة الخناق إلى هذا المثلث للحد من اللجوء المتواصل نحو ليبيا. كما منعت السلطات الليبية اللاجئين السودانيين من دخول أراضيها عبر إغلاق المنفذ الحدودي بين البلدين.
دفع ذلك الراغبين في الوصول إلى ليبيا لتغيير مساراتهم إلى مثلث الحدود بين ليبيا وتشاد والسودان. وتشير الإحصاءات الليبية إلى عبور حوالي 1500 شخص يومياً، ما أدى لاضطرارهم لدفع مبالغ كبيرة للسماح لهم بالعبور، ويشتكي السائقون من “الإتاوات” غير القانونية التي تفرضها الجماعات المسلحة في هذه المناطق.
إذا كان هناك شيء يؤكده بيان الحركات المسلحة، فهو أن قوات الدعم السريع تستخدم عدة طرق لتلبية احتياجاتها من السلاح والذخائر. رغم سيطرة هذه القوات على مناطق واسعة، فإن ليبيا تبقى معبراً مهماً لإمداداتها. وقد جاءت تداعيات نقل المرتزقة من كولومبيا إلى دارفور عبر مناطق الجيش الوطني الليبي لتؤكد هذه الفرضية.
رغم أن القوة المشتركة تمكنت من اعتراض شحنات الأسلحة، إلا أنها بحاجة إلى وجود دائم في المنطقة لمنع إمدادات الدعم السريع، مما يجعل المعارك في شمال دارفور تتجه شمالاً. بعد سلسلة من المواجهات، يتركز الصراع الآن على الحدود السودانية-الليبية-التشادية، مما يبرز أهمية السيطرة على المناجم، وطرق الهجرة، وطرق تهريب السلاح. كلا الطرفين في هذا الصراع لا يسعى لعودة السلطة السودانية، مما يدل على أن المنطقة ستظل مسرحاً لصراعات عنيفة قد تمتد إلى دول الجوار.