تباينت ردود فعل الأطراف السياسية في السودان تجاه العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخرًا على قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وكذلك على قادة إسلاميين بارزين مثل علي كرتي.
التغيير: تقرير – كمبالا
فرضت العقوبات مؤخرًا على عدد من المسؤولين في جهاز الأمن والمخابرات، بالإضافة إلى شخصيات مرتبطة بالجيش السوداني، مما أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية. في الوقت الذي يعتبر فيه بعض مؤيدي القوات المسلحة أن هذه العقوبات تمثل خطوة إيجابية ضد قادة الدعم السريع، فإنهم في ذات الوقت يتهمون الولايات المتحدة والدول الغربية بالتواطؤ مع هذه القوات لتحقيق مصالح خارجية. هذا التناقض في المواقف يعكس الانقسام العميق في الرؤى حول كيفية إنهاء النزاع المستمر في البلاد.
تنتمي الفئة التي تدعم فرض العقوبات إلى معسكر مؤيدي الحرب، الذين كانوا قد اعتبروا في السابق أن العقوبات المفروضة على قادة الإسلاميين مثل أحمد هارون وعلي كرتي تعكس هيمنة الإمبريالية وتستهدف الإسلام. هذا التحول في الموقف يعكس تغيرات في الديناميات السياسية، حيث يسعى البعض إلى استخدام العقوبات كوسيلة للضغط على الخصوم، بينما يتجاهلون الأبعاد الإنسانية والنفسية لهذه الإجراءات على الشعب السوداني.
من جهة أخرى، ترى فئة محايدة أن موقف مؤيدي النظام السابق يحمل في طياته نفاقًا واضحًا، حيث يجب أن تكون العقوبات شاملة لجميع الأطراف العسكرية دون تمييز. هذه الفئة تؤكد أن العقوبات ليست انتصارًا لطرف على حساب الآخر، بل هي انتصارات لضحايا الحرب وللجهود الرامية إلى تحقيق السلام. إن التركيز على معاقبة جميع الأطراف يمكن أن يسهم في خلق بيئة أكثر استقرارًا، ويعزز من فرص الحوار والتفاوض لإنهاء النزاع بشكل فعّال.
احتفاء غير منطقي
وترى رئيسة تحرير صحيفة “التغيير” رشا عوض أن الاحتفال بالعقوبات أمر غير منطقي. وتقول: يجب التعامل مع العقوبات الأمريكية ضد قيادة الدعم السريع كخطوة إيجابية نحو الضغط من أجل إيقاف الحرب، وهي رسالة سياسية تعبر عن عدم الترحيب الدولي بدور سياسي للعسكر.
وتضيف: أولى الناس بالترحيب بهذه الخطوة هم من ينادون بإيقاف الحرب، وليس معسكر البلابسة الذي يؤجج الحرب ويدعو لاستمرارها.
وأشارت عوض إلى أن العقوبات الأمريكية السابقة شملت رئيس الحركة الإسلامية علي كرتي ورئيس المؤتمر الوطني أحمد هارون ومديري جهاز الأمن في زمن الإنقاذ صلاح قوش ومحمد عطا.
ونبهت إلى أن هذه العقوبات تستهدف معسكر الحرب بكافة أطرافه، وأضافت بالقول: الاحتفاء من معسكر (البلابسة) بهذه العقوبات غير منطقي، إذ يعدونها انتصارًا لهم، لكنها ليست كذلك. ومن الغريب أن الذين كانوا يزعمون أن أمريكا والدول الغربية تدعم الدعم السريع من أجل إقصاء الإسلاميين هم الأكثر فرحًا بهذه العقوبات.
وختمت قائلة: هذا يدل على قصور فهمهم للسياسة الدولية، كما يدل على نفاقهم تجاه أمريكا، الذي يصورونه كموقف عقدي ثابت مرتبط بالإسلام والشريعة، لكنه في الحقيقة موقف سياسي يرتبط بالمصلحة.
مصلحة التنظيم
أما المحلل السياسي عثمان فضل الله فيعتقد أن مثل هذه المواقف تدل على عدم مبدئية التيار الإسلامي. وأشار إلى أن الإسلاميين احتفلوا بالعقوبات على الدعم السريع طالما كانت في مصلحة النظام السابق.
وأكد فضل الله أن الإخوان المسلمين في السودان كانوا أكثر التنظيمات السياسية توددًا لأمريكا ومحاولة الاقتراب منها.
وأضاف: سلموا العديد من العرب والأفغان الذين لجأوا إلى السودان، ومكنوا ضباط المخابرات الأمريكية من التحقيق مع بعضهم في سجن كوبر.
وتابع بالقول: لم يعترض أحد منهم على هذا الفعل، ولكن لو قام به غيرهم لثاروا ووصموه بالعمالة ولذهبوا لكفره وإخراجه من (ملة محمد).
وختم بالقول: لذا، من غير المدهش أن تصدر من الإسلاميين هذه المواقف بالاحتفاء بالعقوبات.
انتصارات وهمية
وتعتبر الكاتبة الصحفية شمائل النور أن العقوبات الأمريكية عمومًا مجرد رسالة سياسية قد يكون لديها تأثير سياسي ضئيل، وتشير إلى أن الأشخاص المستهدفين أو الدول المعاقبة غير مرحب بهم من قبلها.
وتصف شمائل العقوبات بأنها (عصا للطاعة) لتحقيق بعض الأجندات التي تخص الولايات المتحدة في البلد المعني.
وتضيف: حينما تُفرض عقوبة على حميدتي، على سبيل المثال، يكون الهدف منها إجباره على محاولة رفعها وتفاديها، ومن أجل الاستجابة لطلبه عليه أن يتنازل ويقدم تضحيات تصب في مصلحة أمريكا.
وضربت شمائل مثالًا بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة سابقًا على السودان، والتي دفعت الأخير للسعي بشكل حثيث لرفع العقوبات، مما أدى إلى دفع فواتير سياسية واقتصادية وغيرها.
وترى النور أن العقوبات ليست حقيقية ولا مبدئية، بل هي أقرب لعمل العصابات، حسب وصفها.
وتتابع: فقدت قيمتها تمامًا كما نرى، وأضحت مبتذلة وليست لها تأثير على الأرض، وهي وسيلة لتنفيذ الأوامر. كما أن الاحتفاء بالعقوبات غير مجدٍ، بل هو محاولة لبعض الناس للانتصار في أمور وهمية وبطولات زائفة.