السودان الان السودان عاجل

 الحكومة المدنية الجديدة في السودان .. هل تقود إلى انقسام تقدم؟

مصدر الخبر / موقع التغيير

تواجه الحكومة المدنية الجديدة في السودان مجموعة من التحديات الكبيرة، حيث تتعرض لضغوط متزايدة من قبل بعض المجموعات داخل تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”. هذه المجموعات تعبر عن رفضها لقيام الحكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، مشيرة إلى أن هذا الأمر قد يؤدي إلى تقسيم البلاد إلى دولتين، مما يزيد من تعقيد الوضع السياسي والأمني في السودان.

في ظل الصراع المستمر بين الأطراف المتنازعة، يسعى كل من الجيش وقوات الدعم السريع إلى تعزيز شرعية حكمهما من خلال القوة العسكرية. في المقابل، تنشط قوى سياسية ومجموعات مسلحة وشخصيات مستقلة في تنظيم اجتماعات متواصلة تهدف إلى تشكيل حكومة مدنية بديلة. هذه الحكومة الجديدة تهدف إلى منازعة الحكومة الحالية التي تتخذ من ساحل البحر الأحمر مقراً لها، في محاولة للحصول على اعتراف شرعي من المجتمع الدولي.

يعتبر المتمسكون بفكرة تشكيل الحكومة المدنية أن هذه الخطوة تمثل الخيار الأمثل لمواجهة مؤيدي الحرب، حيث يسعون إلى فرض أجندة للسلام من شأنها أن تجبر قيادة الجيش على الدخول في مفاوضات جدية والتوقف عن الأعمال القتالية. إن هذه الديناميكيات تعكس التوترات المتزايدة في الساحة السياسية السودانية، وتبرز الحاجة الملحة إلى إيجاد حلول سلمية تضمن استقرار البلاد ووحدتها.

 

تشكيل الحكومة

على الرغم من طلبات القيادات والأعضاء داخل “تقدم” بعدم تشكيل حكومة مدنية جديدة في الوقت الحالي، إلا أن المجموعة التي تسعى لتشكيلها تجري هذه الأيام اجتماعات متواصلة في العاصمة الكينية نيروبي لاختيار أعضاء الحكومة الجديدة.

وفقًا لمصادر “عليمة”، فقد اكتملت إجراءات تشكيل “الحكومة المدنية” الدستورية والقانونية، وسيتم الإعلان عنها خلال أقل من أسبوعين. وأشارت المصادر إلى أن هياكل الحكومة ستكون مماثلة لهياكل حكومة ثورة ديسمبر التي تم تشكيلها بعد سقوط نظام الإنقاذ.

وأفادت المصادر أن “الحكومة المدنية” تضم مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، بالإضافة إلى مجلس تشريعي.

وأكدت المصادر أن موقع إنشاء الحكومة سيكون في ولاية الخرطوم وليس في دارفور كما يعتقد البعض، لأنها ستكون حكومة تشمل جميع أنحاء السودان وليست مخصصة لإقليم أو منطقة محددة.

يصرح التجاني محمد، عضو حزب الأمة القومي، بأنه يؤيد إنشاء “حكومة مدنية”، لأن الحكومة الحالية في بورتسودان لا تعكس إرادة الشعب السوداني وتفتقر إلى الشرعية.

ذكر الطاهر في مقابلة مع “التغيير” أن حكومة بورتسودان اتبعت سياسات تمييزية ضد السودانيين، من خلال إصدار قانون المظاهر الغريبة، وتغيير العملة، وحرمان العديد من المناطق من الخدمات التي تقدمها الدولة، وأبرزها الوثائق الرسمية مثل شهادات الميلاد وجوازات السفر.

وأشار إلى أن إجراء امتحانات الشهادة السودانية في مناطق محددة وعدم تمكين أكثر من (60%) من الطلاب الذين هم تحت سيطرة قوات الدعم السريع من المشاركة، يثبت أن هذه الحكومة لا تمثلنا ولا تمثل أجزاء كبيرة من الوطن.

وأكد التجاني أن إنشاء الحكومة المدنية في ولاية الخرطوم سيكون بمثابة البداية الحقيقية لإلغاء الشرعية عن حكومة بورتسودان، التي أعادت جميع عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير.

قال إن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان تحت قيادة البرهان قد رفضت جميع المبادرات التي تهدف إلى تحقيق السلام وإنهاء معاناة الشعب السوداني في مناطق النزوح واللجوء، لأنها تركز فقط على السيطرة على الحكم دون أن تعير اهتمامًا لاحتياجات الشعب السوداني الذي يساند الحكومة المدنية ويعاني من حكم العسكر الذي طال أمده لأكثر من 60 عامًا منذ استقلال السودان.

برمة يدعم الحكومة

يدعم رئيس حزب الأمة، المكلف فضل الله برمة ناصر، فكرة إنشاء الحكومة المدنية الجديدة التي يُخطط لتشكيلها في الأيام القليلة المقبلة. وأفاد برمة في تصريح سابق لـ”التغيير” بأن حكومة بورتسودان تفتقر إلى الشرعية منذ انقلابها على الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر 2021، مشددًا على أن الحكومة المدنية التي يُعتزم تشكيلها في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع تهدف إلى إنهاء الحرب.

اتهم ناصر حكومة بورتسودان بمحاولة تقسيم البلاد من خلال تغيير العملة ومنع طلاب من مناطق معينة من أداء امتحانات الشهادة السودانية، بالإضافة إلى ارتكاب أعمال قتل عنصرية.

معارضة وترحيب

تعارض حكومة بورتسودان تشكيل الحكومة الجديدة، التي قد تتحدى شرعيتها، كما تعتزم المجموعة التي تسعى إلى إنشائها. وقد عبرت حكومة بورتسودان عن قلقها إزاء نية القوى السياسية تشكيل حكومة بديلة، فيما أبدت قوات الدعم السريع ترحيبها بذلك وأظهرت استعدادها للتعاون معها.

أفاد المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع، محمد المختار، في تصريح سابق لـ “التغيير”، بأن “إذا تم تشكيل حكومة في المناطق التي نسيطر عليها، سنقوم بحل جميع المشكلات التي يعاني منها المواطنون والمحرومون من حقوقهم في التعليم والصحة والوثائق الرسمية.”

وأضاف: “هذه الحقوق أساسية ومحمية بموجب الدستور والقوانين، ولكن البرهان ومجموعته في بورتسودان قد قاموا بإنهاء أي شكل من أشكال الحكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.”

تعميق للأزمة

من ناحية أخرى، يعتقد عادل بخيت، القيادي في حزب المؤتمر السوداني، أن تشكيل حكومة جديدة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع سيزيد من تفاقم الأوضاع في السودان، ولن يسهم في حل الأزمة كما يعتقد المؤيدون لهذه الخطوة.

قال بخيت في تصريح لموقع “التغيير” إن الحكومة الجديدة تم رفضها داخل مؤسسات حزب المؤتمر السوداني، ولا يعترفون بها إذا تم تشكيلها لأنها تزيد من تعقيد المشهد في السودان، وتجعل الوضع يشبه ما حدث في ليبيا.

رأى بخيت أن “تنسقية تقدم” يمكن أن تتخذ خطوات ضد المجموعات التي تدعم الحكومة الجديدة، وذلك لأنها لم تلتزم بقرارات التنسيقية التي تتبنى موقفًا محايدًا من الجانبين المتصارعين، لكي لا يتم تصنيفها على أنها منحازة لأحد الأطراف، كما استمر البعض في الترويج له منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.

أكد مصدر من داخل التنسيقية، فضل عدم ذكر اسمه، أن الفصائل المتشددة داخل التنسيقية مصممة على رفض اقتراح تشكيل الحكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

قال المصدر إنه إذا لم يحدث تباين داخل التنسيقية، فإن هناك جماعات ترفض التقارب مع الدعم السريع ستغادر “تنسقية تقدم”.

أشار المصدر إلى أن المجموعة المتشددة لديها موقف واضح تجاه كلا طرفي الحرب، إذ لا ترغب في دعم أي منهما. هدفها هو إنهاء الحرب بطرق سلمية وليس من خلال استخدام قوة أحد الأطراف المتنازعة.

في بداية ديسمبر الماضي، رفضت القوى المدنية الديمقراطية مقترح “تقدم” الذي قدمته الجبهة الثورية لتشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

يعتبر سليمان صندل حقار، رئيس حركة العدل والمساواة، من أبرز المؤيدين لإنشاء حكومة بديلة لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان.

أشار صندل في آخر منشور له على منصة “إكس” إلى أن هناك قوى سياسية وحركات مسلحة توصلت إلى اتفاق لتشكيل حكومة تهدف إلى تحرير الشعب السوداني من البرهان وعرابي المؤتمر الوطني، وكسر احتكار الوطن وموارده، وتوجيهها لمصلحة البلاد، والحفاظ على الوطن ووحدته.

وأضاف: “الحكومة التي نسعى إلى استعادتها وإعادة تشكيلها وإعلانها ليست حكومة في المنفى، بل هي حكومة داخل الأراضي السودانية وتهتم بكافة المناطق السودانية”.

وأضاف: “ليست هدفًا في حد ذاتها، بل هي وسيلة لإنهاء الحرب، وتحقيق السلام، وحماية المدنيين، وإنقاذ الأوضاع الإنسانية المأساوية، فضلاً عن المحافظة على الوحدة الوطنية فيما يتعلق بالأرض والشعب والتراث، وإسكات الأصوات العنصرية التي تظهر بشكل خجول من مجموعة بورتسودان ومناصريها”.

وبحسب الصحفي والمحلل السياسي أحمد حمدان، هناك سيناريوهين لتشكيل الحكومة المدنية الجديدة، مشيرًا إلى أن السيناريو الأكثر احتمالًا هو تشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور وبعض مناطق جنوب غرب كردفان، حيث تعتبر هذه المناطق حاضنة اجتماعية للدعم السريع.

أفاد حمدان بأن الحكومة ستتكون من المجموعة المؤيدة للدعم السريع داخل “تقدم”، وأن المتشددين لن يكون لهم دور في تشكيلها.

استبعد أحمد حمدان، في حديثه مع “التغيير”، حدوث انشقاق داخل حركة تقدم نتيجة تشكيل الحكومة الجديدة، لكنه أضاف: “سيكون هناك تنسيق وتعاون من خلال تحالف جديد تسعى قوى سياسية ومدنية وحركات مسلحة لتشكيله بهدف إنهاء الحرب، وستكون حركة تقدم جزءاً من هذا التحالف.”

أكد أن التحالف الجديد سيتولى قيادته رئيس الحركة الشعبية شمال، عبد العزيز الحلو، ورئيس جيش تحرير السودان، عبد الواحد محمد نور. وسيتم بحث كيفية إدارة الدولة وهويتها.

أوضح أن التحالف السياسي الذي سيتم تشكيله من الجبهة العريضة لإدارة الدولة السودانية سيكون بالتنسيق مع الدعم السريع، ولكنه لن يكون جزءًا منه.

توقع أحمد حمدان أن يقوم التحالف السياسي الشامل بتوقيع اتفاق سياسي مع الدعم السريع والحلو ونور في المناطق التي ينتمون إليها، حيث ستشكل هذه القوة حكومة ثالثة في تلك اللحظة، إما أن يقوم الدعم السريع بحل حكومته الحالية أو دمجها في حكومة الكتلة الكبرى التي ستُشكل.

واستدرك قائلًا: “إن التطورات العسكرية الحالية قد تمنعنا من الذهاب إلى هذا السيناريو، بسبب الانهيار السريع في حالة الدعم السريع، وهو ما يصب في مصلحة الجيش. وإذا استجاب الدعم السريع لشروط الجيش التفاوضية من خلال تجميع قواته في معسكرات خارج الخرطوم، فقد يتمكنون من العودة إلى التفاوض في ‘منبر جدة’ والوصول إلى اتفاق لوقف الحرب وإعادة الحكم إلى القوى المدنية مرة أخرى.”

عن مصدر الخبر

موقع التغيير