السودان الان السودان عاجل

منطقة الجزيرة أبا تواجه أزمة إنسانية خانقة عقب الفيضانات العارمة

مصدر الخبر / راديو دبنقا

إعداد وتحرير : شبكة عاين

تواجه منطقة الجزيرة أبا من أزمة إنسانية خانقة نتيجة الفيضانات العارمة التي اجتاحت المنطقة في ديسمبر 2024، مما أدى إلى فقدان أكثر من 16,000 شخص لمنازلهم. وقد دمرت الفيضانات 2,202 منزل بشكل كامل، مما ترك العديد من الأسر بلا مأوى. في ظل هذه الظروف القاسية، اضطر المتضررون إلى النزوح إلى مخيمات مؤقتة، حيث تفتقر هذه المخيمات إلى أبسط مقومات الحياة، مثل المأوى المناسب ومياه الشرب النظيفة والرعاية الصحية الأساسية.

على الرغم من الجهود المبذولة من قبل غرفة الطوارئ والمنظمات المحلية والدولية، إلا أن المساعدات المقدمة لا تزال غير كافية لتلبية احتياجات المتضررين. وفقًا لتقرير غرفة الطوارئ الذي صدر يوم السبت الماضي، تم تسجيل تدمير 2,202 منزل بالكامل، بالإضافة إلى تضرر 6,897 منزل بشكل جزئي. وقد بدأت غرفة الطوارئ في إحصاء عدد الأسر النازحة وتوفير الغذاء لهم منذ بداية الكارثة، ولكن التحديات لا تزال قائمة.

حتى منتصف يناير الحالي، بلغ عدد النازحين 16,388 فردًا، يمثلون 2,781 أسرة، مما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تعاني منها المنطقة. إن الوضع يتطلب استجابة عاجلة من الجهات المعنية لتوفير المساعدات اللازمة وتحسين ظروف الحياة للمتضررين، حيث أن استمرار هذه الأوضاع قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الصحية والاجتماعية في المنطقة.

يصرح الناشط في العمل الطوعي والإنساني ومسؤول غرفة الطوارئ في مخيم النازحين بالجزيرة أبا، عبد الله إسحاق محمد عبد الرحمن، بأن الغرفة تأسست في 14 ديسمبر 2024 كمبادرة مجتمعية للتعامل مع الكارثة الناتجة عن فيضان النيل. ويشير إلى أن الهدف الرئيسي للغرفة كان توفير الحماية ضد انهيار الجسور، لكن الارتفاع السريع لمستوى النيل بين 16 و19 ديسمبر أدى إلى غمر الجزيرة بالمياه، مما أجبر السكان على النزوح. بحلول 20 ديسمبر، بدأت عمليات إجلاء المواطنين إلى منطقة النزوح في أبا الجديدة بحجر عسلاية.

ومع ذلك، فقد غادرت أكثر من 50% من الأسر التي فقدت منازلها الجزيرة أبا وأرض المخيم بسبب الظروف الصعبة. يفتقر المخيم إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الأساسية، حيث لا توجد حمامات أو مياه كافية، والخيام المتاحة لا تفي بالاحتياجات الضرورية، حيث تم توزيع عدد قليل منها فقط للمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة. وأكد عبد الله إسحاق أن التدخل الإنساني حتى الآن محدود جدًا. من بين المنظمات التي تدخلت، كانت منظمة “بلان سودان”، التي قدمت خدمات صحية لمدة يومين، ووفرت المياه للمخيم بشكل غير منتظم. كما ساهمت غرفة طوارئ السوق الشعبي بكوستي، ومنظمات محلية مثل “كلنا قيم”، التي تدير مطبخًا ثابتًا يقدم وجبات يومية، إلى جانب منظمة “كوستي للثقافة والفنون”، و”أحلام الصغار”، و”كلنا سودان”. بالإضافة إلى ذلك، قام المجتمع المضيف، خاصة شباب منطقة حجر عسلاية، بتقديم مساعدات لإطعام النازحين.

تبقى الأوضاع في المعسكر صعبة، حيث يفتقر إلى خدمات المياه، والصحة، والإيواء، مع قلة توافر الخيام والبطانيات. الكثير من سكان المعسكر ينامون على الأرض، مما يزيد من معاناتهم.

أكد المنسق الإعلامي في الجزيرة أبا، النور آدم سليمان، أن الدعم المتوفر من المجتمع المحلي للأسر المتضررة من الفيضانات لا يتجاوز 1% من احتياجات المنطقة، وذلك في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها السكان بسبب الحرب والنزوح.
وأضاف سليمان أن “المبادرات الفردية شبه معدومة نتيجة نقص الموارد، وتتركز الجهود الرئيسية في دعم أبناء الجزيرة أبا المقيمين خارج المنطقة الذين يقدمون المساعدة عبر علاقاتهم الشخصية أو مبادرات فردية.”
وأشار سليمان إلى أن الوضع الإعلامي في المنطقة يعاني من صعوبات كبيرة، حيث تفتقر المنطقة إلى حملات إعلامية منظمة وبكافية لتسليط الضوء على الكارثة بشكل فعّال. أوضح أن الجهود الإعلامية الحالية تقتصر على المبادرات الفردية ومحاولات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها غير كافية لجذب انتباه المنظمات الإنسانية أو وسائل الإعلام الدولية.
من جانبه، أكد حامد شوكة، ممثل لجان التنسيق بين المعسكرات واللجان الخدمية، أن معسكر النازحين في الجزيرة أبا يعاني من نقص حاد في المواد الغذائية والخيام، وأوضح أن الخيام التي وصلت إلى المعسكر لا تكفي.
وأشار إلى أن العديد من الأسر لا تملك شيئاً سوى الله، حيث انهارت منازلهم ويضطرون للنوم في العراء في مواجهة البرد القارس.
وأضاف: “هناك حاجة ماسة لإنشاء وحدات صحية في المعسكر لعلاج المرضى الذين لا يستطيعون توفير وجبة واحدة لأطفالهم.”
وأكد شوكة أن الوضع الصحي في المعسكر كارثي، إذ لا توجد رعاية صحية كافية، وتعاني الأسر من الأمراض المزمنة التي لا يتوفر لها علاج.
ولفت إلى أن معسكر النزوح يتكون من “رواكيب” فقط، وأن غياب دورات المياه دفع النازحين للجوء إلى الخلاء لقضاء حاجاتهم، مما ساهم في تفشي أمراض الكوليرا بشكل كبير.
وأشار شوكة إلى أن الوضع في المعسكر لا يزال مأساويًا على كافة الأصعدة، بما في ذلك نقص الرعاية الصحية والغذاء.
وأضاف أن ديوان الزكاة قام بسحب مكتبه من المعسكر إلى داخل الجزيرة أبا، بينما تواصل مجموعة “بذرة خير” جهودها في توفير وجبات يومية للنازحين من خلال دعم أفرادها.
وأوضح أيضًا أن بعض المنظمات تدخلت لتقديم مساعدات، لكنها كانت محدودة، حيث تم توزيع بعض البطاطين والخيام البسيطة والطاقات الشمسية لإضاءة المصابيح، بالإضافة إلى أدوات للطهي، ولكن هذه المساعدات لم تكن كافية لتغطية احتياجات المعسكر بالكامل.

وأشار مسؤول التنسيق بين اللجان في المنطقة، منصور علي عبيد، إلى أنه وفقًا للحصر الذي أجرته لجنة الطوارئ المحلية، فإن عدد المنازل المدمرة كليًا يبلغ 2202 منزلاً، بالإضافة إلى 6896 منزلاً تضررت جزئيًا.
كما تعرضت المرافق العامة مثل المدارس والمساجد والمرافق الصحية والأندية لخسائر كبيرة، فضلاً عن الخسائر الزراعية. وتقدر الخسائر الناجمة عن الفيضانات بمبلغ لا يقل عن 350 مليون دولار.
ووصف منصور تدخل الدولة من ولاية النيل الأبيض بأنه “خجول ولا يتناسب مع حجم الكارثة.”
وأوضح أن هناك بعض التدخلات من محلية ربك وديوان الزكاة وديوان الأوقاف، بالإضافة إلى مساهمات من وزارات المالية والبنية التحتية في إعادة تشغيل محطة المياه ومعالجة الجسور.
وأشار إلى أن التدخلات من شركة سكر كنانة وهيئة النقل النهري كانت محدودة، مؤكدًا أن الدولة لم تقدم الدعم الكافي.
وأضاف منصور: “يوجد تقصير من الجهات الحكومية في تنظيم وضع معسكر النزوح بأبا الجديدة، مما حال دون إقامة الحمامات والمرافق الصحية، وأبطأ من تدخل المنظمات الدولية.”

أشار منصور إلى أنه رغم الجهود المبذولة، فإن المساعدات لم تلب احتياجات المنطقة بشكل كافٍ. وأوضح أن بعض المنظمات الوطنية والمبادرات قدمت مساعدات غذائية للمجتمع المحلي، بالإضافة إلى مواد غير غذائية وحقائب كرامة للنساء في مرحلة الإنجاب. كما شاركت بعض المنظمات الدولية، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة بلان العالمية، في تقديم مساعدات في مجال الإيواء والمياه والصحة، حسبما ذكر منصور. ولكنه أكد أن هذه التدخلات لم تغط سوى أقل من 20% من احتياجات المنطقة، خاصة في قطاع الإيواء. وأعرب عن أمله في أن تتدخل مفوضية العون الإنساني بالولاية بشكل أكبر لدفع المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة للمشاركة بفعالية أكبر في الوضع الحالي.

وطالب منصور الجهات الحكومية وغير الحكومية بتقديم المساعدة لتخفيف الأضرار عن المتضررين، من خلال توفير مساكن للنازحين في منطقة أبا الجديدة، حيث يعاني النازحون من برودة الطقس في المنطقة المكشوفة، ويفترشون الأرض ويتلحفون السماء. كما دعا لتقديم معونات غذائية عاجلة، خاصة وأن السكان فقدوا جميع مدخراتهم ومحاصيلهم. ووجه منصور الدعوة لإنشاء مركز صحي في منطقة النزوح، مع توفير الأدوية اللازمة، بما في ذلك الأمصال المخصصة للثعابين والعقارب، وتوسيع قدرات مستشفى الجزيرة أبا. وأكد على أهمية بناء المراحيض وتوفير مياه الشرب النقية في ظل انتشار حالات الكوليرا.

كما شدد على ضرورة تقديم المساعدات لسكان الجزيرة أبا لإعادة بناء منازلهم عبر توفير مواد البناء والدعم الفني. وأكد على أهمية ترميم وصيانة الجسور الواقية للجزيرة أبا ومراجعة كافة المناطق الهشة، مع السعي لمنع حدوث كارثة مشابهة في المستقبل. وطالب بإعادة وحدة صيانة الجسور التابعة لوزارة الري والموارد المائية، التي تم سحبها منذ عدة سنوات، مشيرًا إلى أن الوحدة كانت تحتوي على آليات ثقيلة وفنيين ومهندسين قادرين على القيام بالصيانة الدورية.

ختامًا، دعا منصور إلى تعويض المزارعين عن الخسائر الكبيرة التي تعرضوا لها نتيجة الفيضانات.

عن مصدر الخبر

راديو دبنقا