طالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، الحكومة السودانية بالكشف عن مواقع الرئيس السابق عمر البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم حسين، وذلك خلال إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن الدولي. وقد أبدى أعضاء المجلس تأييدهم الكامل لطلب المحكمة، مشيرين إلى أن عدم محاسبة الجناة قد ساهم في استمرار الجرائم والانتهاكات التي تشهدها البلاد في الوقت الراهن.
وأكد كريم خان أن الجرائم الدولية لا تزال تُرتكب بشكل يومي في إقليم دارفور، حيث أوضح خلال إحاطته أمام مجلس الأمن مساء الاثنين أن مكتبه يخطط لتقديم عدة طلبات لإصدار أوامر قبض تتعلق بالجرائم الفظيعة التي وقعت في غرب دارفور في عام 2023، بالإضافة إلى الجرائم المستمرة التي تشهدها المنطقة. كما أشار إلى تصاعد الأعمال العدائية في شمال دارفور على مدار عام 2024، مرجعًا ذلك إلى غياب المحاسبة للمرتكبين السابقين.
وشدد ممثلو الولايات المتحدة والدنمارك والمملكة المتحدة على أهمية استجابة السلطات السودانية للمناشدات الدولية وتحديد مواقع المطلوبين، محملين طرفي النزاع، وهما الجيش وقوات الدعم السريع، مسؤولية استمرار الانتهاكات. وقد أكدوا على ضرورة اتخاذ خطوات فعالة لضمان العدالة والمساءلة في السودان، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها الشعب السوداني.
وقالت ممثلة الولايات المتحدة في المجلس إن الطرفين ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فظيعة، مستمرة من الجرائم التي ارتكبت خلال حرب دارفور التي بدأت عام 2003. وأشارت إلى أن هذه الجرائم كانت السبب الرئيسي لإصدار مذكرات توقيف بحق البشير ومساعديه هارون وحسين بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية.
من جانبها، ذكرت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن أن قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها قد قامت بممارسات ممنهجة من القتل والاغتصاب والعنف الجنسي على أسس عرقية. وتهمت قوات الدعم السريع بمنع المدنيين من الحصول على الموارد الأساسية لمعيشتهم واعتقال الفارين من النزاع.
وأكدت في ذات الوقت أن الجيش السوداني ارتكب جرائم حرب، بما في ذلك الهجمات على المدنيين والمرافق الحيوية، بالإضافة إلى تعذيب المدنيين وإعدام آخرين ومنع وصول المساعدات. وأوضحت أن الجيش ليس ممثلاً موثوقاً للشعب السوداني وأن واشنطن لا تأييد أي طرف في النزاع.
في نفس السياق، دعا مندوب المملكة المتحدة السلطات السودانية إلى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لضمان اعتقال وتسليم عمر البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون. ورحبت المملكة المتحدة بإنشاء حوار منظم بين مكتب المدعي العام ومنظمات المجتمع المدني، مؤكدة أن ذلك يمكن أن يسهم في إيصال أصوات الضحايا. كما رحبت باختتام محاكمة علي كوشيب في ديسمبر الماضي، واعتبرتها علامة فارقة في التاريخ.
وأكد أعضاء مجلس الأمن على أهمية تحقيق العدالة والمساءلة كوسيلة لإنهاء الانتهاكات المتواصلة، داعين إلى تعاون كامل من قبل السلطات السودانية مع المحكمة الجنائية الدولية.
وطالب عضو البعثة الدائمة للجزائر لدى الأمم المتحدة توفيق العيد كودري بضرورة وقف إطلاق النار في السودان، مشيراً إلى أن تحقيق العدالة والمساءلة يمثلان عنصرين أساسيين لحل شامل للنزاع في البلاد، ورحب باعتماد الحكومة السودانية لخطة وطنية لحماية المدنيين. وأعرب عن قلقه إزاء استمرار قوات الدعم السريع في حصار مدينة الفاشر، مما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن.
من جانبه، اتهم مندوب باكستان قوات الدعم السريع بالاستمرار في تجاهل التزامات القانون الدولي الإنساني، ودعا إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار والتعاون الكامل مع أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية. وأكد على أهمية إيجاد حل سياسي مستدام من خلال الوسائل السلمية ومعالجة الأزمة الإنسانية في البلاد.
حرق السجلات والبيانات خلال الحرب
من جهته، قال الحارث إدريس، مندوب السودان في الأمم المتحدة، خلال كلمته أمام مجلس الأمن تعليقاً على تقرير المدعي العام للجنائية، إن الحكومة لم تتمكن من التعاون مع المحكمة الجنائية للحصول على مستندات تتعلق بجرائم عام 2003، مشيراً إلى صعوبة الوصول إلى السجلات والوثائق لأنها تعرضت للحرق والتدمير المتعمد خلال الحرب. واشتملت طلبات مكتب المدعي العام على رصد سجلات المكالمات الهاتفية بين القادة، وهبوط الطائرات في الفاشر، ومحاضر اجتماعات لجان الأمن في دارفور خلال الفترة من 2003 إلى 2005. وأوضح أن التأسيس القانوني للتعاون الشامل مع المحكمة الجنائية يحتاج إلى بيئة قانونية مستقرة ودائمة وليست مؤقتة كما هو عليه الحال الآن، مشيراً إلى إمكانية مناقشة المدعي العام للمحكمة الجنائية مع الجهات المعنية في السودان خلال زيارته المنتظرة في فبراير القادم. كما أشار إلى أن اللجان المختصة قامت بتنفيذ زيارات داخلية وخارجية للاستماع إلى الشهود تلبيةً لطلبات مكتب المدعي العام. وأكد أن اللجنة الوطنية لم تستطع زيارة الحدود مع تشاد التي زارها مكتب المدعي، مشيراً إلى أن الحكومة قد سهلت لمكتب المدعي العام الوصول إلى الشهود. وأوضح أن السلطات السودانية استجابت لـ 48 طلباً خلال الحرب على الرغم من تعرض الملفات للحرق ونقص الموارد المالية. وناشد بتحريك اختصاص المحكمة للبدء في التحقيق في ما وصفه بجريمة العدوان التي تشارك فيها جهات داخلية وخارجية. وكشف الحارث في كلمته عن مشاركة جنود من 13 دولة في الحرب الحالية، مبرزاً أن 95% من الجرائم ارتكبها قوات الدعم السريع التي جندت قسرياً 26 ألف طفل. كما ذكر الحارث حجم الخسائر البشرية والمادية، حيث قُتل أكثر من 5 آلاف في الجنينة وأصيب 8 آلاف، بالإضافة إلى وقوع أكثر من 900 حالة اغتصاب، ونهب 27 ألف سيارة و26 بنكاً، وإطلاق الميليشيا سراح 19 ألف سجين من 31 سجناً. كما تم تقديم 38 ألف دعوى جنائية واعتقال 1329 متهماً، وتمت إحالة 1200 دعوى جنائية للفصل في 400 منها.
قلق الدول الموقعة على ميثاق روما
أعربت الدول الموقعة على ميثاق روما والأعضاء في مجلس الأمن في بيان عن قلقها البالغ إزاء الفظائع الواسعة النطاق والتقارير المتعلقة بارتكاب جرائم بموجب نظام روما الأساسي في دارفور. ودعت الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية، وأعربت عن قلقها العميق ازاء استمرار إفلات المتهمين بجرائم منذ عام 2003 من العقاب. كما دعت السلطات السودانية إلى الوفاء بالتزاماتها من خلال التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك ضمان سلامة وحماية الضحايا.