السودان الان السودان عاجل

جريدة لندنية : الحركة الإسلامية تسعى لاستعادة السلطة في السودان من خلال الحرب

عبد المنعم همت

في خضم الأزمة العميقة التي يمر بها السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تنكشف نوايا الحركة الإسلامية، التي لم تتخلّ يوما عن أطماعها في السيطرة والعودة إلى السلطة، ولو على حساب دماء الأبرياء ومستقبل الوطن. هذه الحرب ليست إلا وسيلة لإجهاض ثورة ديسمبر 2018، التي أنهت حكمهم المستبد وفتحت الباب أمام حلم السودانيين بوطن الحرية والسلام والعدالة. ومع ذلك، تعمل الحركة الإسلامية بكل أدواتها على تقويض هذا الحلم، عبر الترويج لشعارات زائفة مثل “معركة الكرامة”، بينما هي في الواقع معركة لإعادة إنتاج الاستبداد.

منذ اللحظة الأولى، أدركت الحركة الإسلامية أهمية السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيهها لخدمة أجندتها. أطلقت حملة دعائية تهدف إلى تصوير الحرب بأنها معركة “كرامة” ووطنية، لإخفاء حقيقتها المظلمة. فمن خلال مقاطع الفيديو والمقالات المضللة، سعت لتلميع صورة كتائبها وإظهارها كقوة وطنية مخلصة، في حين أن الواقع يقول غير ذلك.

هذه الأكاذيب لم تكن سوى امتداد لأسلوب الحركة الإسلامية المعروف: تسويق الشعارات الدينية والوطنية لتبرير أفعالها. فالحديث عن “الجهاد” و”الدفاع عن السودان” ليس جديدا، لكنه الآن يُستخدم لإخفاء حقيقة أن الحرب تهدف في المقام الأول إلى تصفية الثورة. ومن خلال ذلك، أرادت الحركة الإسلامية إيهام الشارع السوداني بأنها المدافع الحقيقي عن البلاد، في محاولة لاستعادة بعض من شعبيتها التي فقدتها.

لم تقتصر جهود الإسلاميين على التضليل الإعلامي، بل امتدت لتشمل استغلال قوى سياسية وأفراد وقعوا في فخ شعاراتهم. انحاز هؤلاء إلى جانب الحرب، إما عن جهل أو بدافع الطمع في مكاسب سياسية مؤقتة، وهو ما جعلهم شركاء غير مباشرين في الجرائم التي ترتكب ضد الشعب السوداني.

هذا التأييد للحرب منح الحركة الإسلامية غطاء سياسيا، ساعدها على تنفيذ أجندتها. وبذلك، وجدت الفرصة لتصفية لجان المقاومة، التي كانت رمزا للثورة. عمليات الاعتقال والتصفية الجسدية التي تعرض لها أعضاء هذه اللجان ليست إلا دليلا على نوايا الإسلاميين لإسكات أيّ صوت يعارض مشروعهم السلطوي.

في خطوة تعكس وحشية المشروع الإسلامي في السودان، ظهرت كتائب “البراء بن مالك”، التي أعلنت التزامها بحماية النظام القديم وإعادة قادته إلى السلطة. هذه الكتائب ليست إلا نسخة محدثة من أدوات القمع التي استخدمتها الحركة الإسلامية طوال سنوات حكمها، لكنها الآن تعمل تحت مظلة الحرب لتحقيق أهدافها بوسائل أكثر دموية.

رسائل التطمين التي أرسلتها هذه الكتائب إلى المخلوع عمر البشير وقادة الحركة الإسلامية ليست سوى تأكيد على أن الحرب ليست لحماية السودان، بل لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وما إعلانهم عن نيتهم تصفية كل من ينادي بشعارات الثورة، ومنع المعارضين من دخول السودان، إلا انعكاس لنواياهم في تحويل البلاد إلى سجن كبير لكل من يرفض هيمنتهم.

الثورة السودانية كانت بمثابة الزلزال الذي هز أركان الحركة الإسلامية وأخرجها من دائرة السلطة التي أحكمت قبضتها عليها لعقود. فسقوط نظام البشير لم يكن مجرد خسارة سياسية، بل كان ضربة لمحور الإسلاميين العالمي، الذي فقد بسببه حليفا إستراتيجيا وموقعا جغرافيا مهما.

لذلك، لم تتوقف محاولاتهم لإجهاض الثورة منذ يومها الأول. بدأ الأمر بمحاولات ضرب وحدتها وتشويه شعاراتها، واستمر بتغلغلهم داخل مؤسسات الدولة ومحاولة إفشال عملية الانتقال الديمقراطي. ومع فشلهم في تحقيق ذلك بوسائل سلمية، لجأوا إلى الخيار العسكري، معتبرين أن الحرب هي الفرصة الأخيرة لاستعادة سلطتهم المفقودة.

ما يعيشه السودان اليوم هو نتيجة مباشرة للمخططات الإسلامية التي لم تتوقف يوما عن السعي لإعادة إنتاج نظامهم البائد. فالحرب لم تُحدث فقط دمارا على المستوى المادي والبشري، بل أعادت إنتاج نفس أساليب القمع والترهيب التي كانت سمة من سمات نظام البشير.

تصفيات جسدية، اعتقالات تعسفية، حملات إعلامية مضللة، وتفكيك للمجتمع عبر إشعال الفتن العرقية والقبلية، وكل هذه الممارسات تعكس رؤية الإسلاميين لمستقبل السودان، الذي يريدونه مقسما وضعيفا، ليتمكنوا من السيطرة عليه دون معارضة.

رغم كل هذه التحديات، يظل شعب السودان هو الأمل الوحيد في مواجهة هذا المخطط المظلم. فالثورة التي أطاحت بالبشير لم تكن مجرد حدث عابر، بل كانت تعبيرا عن إرادة شعبية قوية لا يمكن كسرها بسهولة. وما زال السودانيون قادرين على التصدي لهذه المحاولات، من خلال التمسك بمبادئ الثورة والعمل على توحيد صفوفهم في مواجهة هذه الحرب العبثية.

على القوى الوطنية أن تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وأن تعمل على تجاوز خلافاتها للوقوف في وجه المشروع الإسلامي. فالوطن أكبر من أيّ خلافات سياسية، ولا يمكن السماح للحركة الإسلامية بتحقيق أهدافها على حساب دماء الأبرياء ومستقبل الأجيال القادمة.

 

عن مصدر الخبر

جريدة العرب اللندنية

تعليقات