أعلن التحالف المدني الرئيسي في السودان، المعروف باسم “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية”، والذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، عن تأسيس لجنة جديدة تهدف إلى “فك الارتباط” بين الأطراف المتنازعة داخل التحالف. يأتي هذا الإعلان في ظل تصاعد التوترات الناتجة عن ظهور “حكومة موازية” في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في البلاد.
يشير أحد الأطراف داخل التنسيقية إلى أن تشكيل الحكومة الموازية يمثل فرصة استراتيجية لنزع الشرعية عن الحكومة الحالية المدعومة من الجيش في بورتسودان. بينما يعارض الطرف الآخر هذا التوجه، معتبرًا أنه يمثل انحيازًا لأحد أطراف النزاع، مما يتعارض مع المبادئ الأساسية للتحالف الذي يرفض الاعتراف بشرعية أي من طرفي القتال. وقد أثار هذا الخلاف قلق المراقبين، الذين يرون فيه بداية لانقسام كبير قد يؤثر على وحدة التحالف المدني.
تُعتبر “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” أكبر تجمع سياسي مدني معارض للحرب في السودان، حيث تضم مجموعة متنوعة من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق سلام جوبا في عام 2020، بالإضافة إلى نقابات وشخصيات مستقلة. وقد تم تأسيس التنسيقية خلال مؤتمر عُقد في مايو الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث تم اختيار عبد الله حمدوك رئيسًا لها، مما يعكس التزام التحالف بالعمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
فك الارتباط
أفاد المتحدث الرسمي باسم التنسيقية المعروفة اختصاراً بـ “تقدم”، بكري الجاك، في بيان رسمي مساء الخميس، بأن الهيئة القيادية للتحالف قد أحالت اقتراح “تشكيل حكومة موازية” إلى آلية سياسية أوصت في آخر اجتماعاتها بـ “فك الارتباط” بين الكيانات والأفراد الراغبين في المضي قدماً في تشكيل الحكومة، وبين الكيانات والأفراد المتمسكين بعدم شرعية أي حكومة منفردة أو من جهة واحدة من أطراف القتال.
طرحت بعض المكونات في التحالف خلال المؤتمر التأسيسي الذي عقد في مايو الماضي اقتراحاً بتشكيل “حكومة موازية” تتنافس على شرعية الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة لها، إلا أن هذا الاقتراح لم يحظ بالإجماع. وتم إعادة طرحه في 6 ديسمبر الماضي، حيث تقرر خلال الاجتماع إحالته إلى آلية سياسية، إلا أن بعض الحركات المسلحة والقوى السياسية وأفراداً داخل التحالف استمروا في جهودهم لتشكيل الحكومة الموازية، وعقدوا اجتماعات في نيروبي، كينيا، لمناقشة طرق وآليات تشكيل الحكومة الموازية في بورتسودان.
ذكرت بيان “تقدم” أنها أنشأت لجنة للتوصل إلى صيغة لـ “فك الارتباط” توضح المبادئ المتفق عليها والمختلف عليها، على أن يعمل كل منهما بشكل مستقل سياسياً ومنظمياً عن الآخر. وأشارت إلى أنه “مع كامل الاحترام للاختيارات المتنوعة… إلا أن الواقع يبين أن هذه الاختيارات لا يمكن أن تتعايش ضمن تحالف واحد يرفض الحرب ولا ينحاز لأي من أطرافها.”
تعهد البيان بعدم اتخاذ جانب أي من طرفي الحرب، وعدم الاعتراف بشرعية “سلطة الأمر الواقع” في بورتسودان، أو أي سلطة أخرى. كما رفض استخدام الحرب والعنف كوسيلة للتعامل مع الصراع السياسي في البلاد، مع السعي لبناء “جبهة مدنية” ترفض الحرب وتعمل على إنهائها من خلال الجهود الجماهيرية والدبلوماسية، و”الحوار الشامل” بمشاركة جميع القوى الفاعلة.
اتهامات متبادلة
من جانبها، أكدت الكيانات المطالبة بتشكيل الحكومة الموازية رفضها البيان الذي أصدره المتحدث الرسمي باسم “التنسيقية”، مشيرة إلى أن هذا البيان “لا يعكس الموقف الرسمي لـ(تقدم)” وأنه لم يحصل على توافق من أي من هيئاتها أو هياكلها التنظيمية. واعتبرت أن هذا البيان هو محاولة لفرض رأي معين، وتعهدت بالتصدي له “بكل حزم ومسؤولية”. وأوضحت في بيان صادر عن نائب رئيس “تقدم” الهادي إدريس، أن التحالف المدني لم يتخذ قراراً بعد بشأن تشكيل الحكومة، وأن القرار لا يزال قيد النقاش، ووصفت بيان الناطق الرسمي بأنه “تصريحات متسرعة” صدرت خارج الإطار التنظيمي، معتبرة إياه “محاولات غير مسؤولة لفرض أجندات معينة، ولا تعبر عن الإرادة الجماعية للتحالف”.
اعتبر إدريس إعلان فك الارتباط مسعى لخلق انقسام داخل التحالف، وأوضح قائلاً: “نرفض هذا بشدة”، مشيراً إلى أن مؤسسي التحالف “هم وحدهم من يحق لهم تحديد مصيرهم”، وأنه لا يمكن لأي طرف اتخاذ قرارات مصيرية بشكل منفرد دون موافقة الجميع.
قال مقرر الأمانة العامة لحركة “تقدم”، نائب رئيس حزب “المؤتمر السوداني” خالد عمر يوسف في بيان صحفي، إن “تقدم” هي جهة مدنية تأسست لمعارضة الحرب، وهي حركة جماهيرية تواجه قوى الحرب التي تسعى لتفكيك البلاد. وأشار إلى أن “تقدم” تعرضت لمواجهة شديدة من قوى داخلية وخارجية اعتبرها تهديدًا للمستثمرين في الحرب والذين أشعلوا فتيلها وأطالوا أمدها.
أوضح يوسف أن مسألة “نزع الشرعية عن السلطة الزائفة في بورتسودان” قد تم طرحها في وقت مبكر ضمن التحالف، لأن “منح الشرعية” لأي جهة مقاتلة سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتقسيم السودان، وهو ما حدث بالفعل.
أوضح يوسف أن أعضاء “تقدم” اتفقوا على مواجهة الشرعية المزيفة لحكومة بورتسودان، وفقًا لتعبيره، ورفض الاعتراف بها، من أجل الحفاظ على وحدة البلاد وتقليل فترة الحرب.
وأشار إلى وجود تباين في الآراء داخل التحالف، نتج عنه تياران: أحدهما يعتبر من الضروري تشكيل حكومة لمواجهة شرعية بورتسودان، والآخر يفضل الاستمرار في المقاومة المدنية دون تشكيل حكومة. وقال يوسف إن حزبه “المؤتمر السوداني” ينتمي للتيار المعارض لتشكيل الحكومة، استنادًا إلى قناعته بأن “(تقدم) يجب أن تمثل خيارًا ثالثًا في الساحة السياسية”، وأنه “ينبغي ألا تتطابق مع أي من الأطراف المتنازعة، وألا تكون طرفًا في الصراع بأي شكل، بل يجب أن تكون قوة تسعى لإنهاء النزاع بشكل عادل وسريع”.
وبيّن أن “تقدُّم” تعمل على معالجة الاختلاف في الآراء بشأن تشكيل الحكومة الموازية، بما يضمن لكل تيار حقه في اتباع آرائه دون إملاءها على الآخرين. وأضاف: “نحن واثقون من أن عملية الانفصال بين التيارين ستحدث في جو من الألفة والتفاهم، فوجود تباين في الرؤى أمر طبيعي في ظل حرب معقدة مثل حرب 15 أبريل (نيسان)”.