اخبار الاقتصاد السودان عاجل

تأثير النزاع على مهنة الصيد في السودان: قذائف الحرب تقطع أرزاق الصيادين

ملخص

تُقدّر منظمة الأغذية والزراعة (FAO) أن مخزون الأسماك في السودان يبلغ حوالي 110 آلاف طن، وتُعتبر خزانات الري والبحيرات والسدود من المناطق المناسبة لإنتاج الأسماك.

يواجه مئات الآلاف من صيادي الأسماك في السودان ظروفًا صعبة تتفاقم نتيجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية، خاصة بعد أن فرضت الحرب قيودًا على الصيد البحري والنهري في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى مثل كوستي والجبلين وسنار، بالإضافة إلى الروصيرص وخشم القربة. أدى هذا إلى فقدان مصادر دخلهم، مما ترك آثارًا كارثية على حياتهم الأسرية التي تأثرت بشكل كبير نتيجة توقف أعمالهم وعدم توفر الدخل اليومي.

تمثل الأسماك إحدى مصادر الغذاء للعديد من سكان السودان، إلا أن الكائنات البحرية المتاحة في النيلين الأزرق والأبيض والبحيرات الصغيرة أصبحت صعبة المنال للمواطنين، بعد أن ساهمت تداعيات الصراع المسلح في تراجع قطاع الصيد في بلد غني بالثروة السمكية.

مصير مجهول

خلال الأسبوع الأول من الحرب، غادر محمد فارس، وهو صياد في سوق الموردة بمدينة أم درمان، إلى شرق السودان هربًا من مناطق الاشتباكات بعد تصاعد المعارك وتفاقم الأوضاع المعيشية. مع مرور الوقت، وجد نفسه عاطلاً وفقيرًا.

وأفاد فارس أن “معظم الصيادين تقطعت بهم السبل وتعرضوا للتشريد بسبب النزوح، وتحول آخرون إلى بائعين متجولين لسلع بسيطة يعرضونها في الطرقات بالمدن الآمنة لتأمين لقمة العيش، خصوصًا بعد توقف أعمال صيد الأسماك جراء المخاطر المرتبطة بالقصف وتدهور الأمن وزيادة عمليات السلب”. وواصل قائلاً: “منذ بداية الصراع المسلح، لم تنته المعاناة. يعيش الصيادون في حالة من القلق لأن لا أحد يعرف ما سيحدث في المستقبل القريب، ونأمل في أن تتوقف الحرب عاجلاً لتحسين الأحوال وإعادة الحياة إلى وضعها الطبيعي”.

توقف النشاط

قال الصياد البحري في منطقة جبل أولياء الفاتح جبريل إن الأوضاع كانت جيدة قبل الحرب، حيث كان الصيادون يخوضون مغامرات صعبة وخطرة على مدار اليوم، من أم درمان إلى جبل أولياء، ويعتبرون البحر ملاذًا لهم، ويحققون أرباحًا كبيرة تستخدم للأغراض الشخصية والتجارة من خلال تزويد أسواق الأسماك في المدن الثلاث: بحري، أم درمان، والخرطوم. وأكد جبريل أنه “مع انطلاق شرارة الصراع المسلح، تحولت حياة الصيادين وعائلاتهم إلى كابوس من الفقر، بعد توقف أعمالهم ودخلهم اليومي. واضطر العديد منهم للبحث عن مهن أخرى بعيدًا عن حرفتهم الأصلية في المدن والقرى التي لجؤوا إليها لتلبية احتياجاتهم المعيشية.” وأضاف أنه “مع استمرار الحرب وتوسع نطاقها، توقفت الأنشطة البحرية بشكل نهائي بسبب مخاطر التنقل والقصف العشوائي وفقدان الأمن، إضافة إلى الاستهداف من قِبل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.”

خسائر وأضرار

في ذات السياق، تعرض قطاع صناعة المراكب الخشبية والقوارب الميكانيكية للتدمير والنهب والتخريب نتيجة المواجهات العسكرية والقصف العشوائي. وأفاد الرشيد الضي، فني حدادة وفلوكات، الذي كان يملك ورشة في منطقة أبوروف داخل مدينة أم درمان، بأن “معظم الورش في المدن الثلاث: بحري، الخرطوم، وأم درمان، وكذلك منطقة ودراوة في ولاية الجزيرة، تعرضت لأضرار جسيمة جراء القصف المتبادل بين الأطراف المتحاربة، بالإضافة إلى نهب المعدات والأدوات الخاصة بالعمل، ولم نعد نعرف عنها شيئًا حتى الآن.” وأشار إلى أن “بعض أصحاب الورش حاولوا تجميع بعض المعدات والبدء في العمل في المدن الآمنة داخل السودان، إلا أن نقص الكهرباء وغيابها لفترات طويلة أدى إلى توقف شبه كامل في الإنتاج الصناعي.”

 

وأشار الضي إلى أن “مجموعة من الحرفيين تمكنوا من العثور على فرص عمل في ورش المناطق الصناعية في مدن بورتسودان وعطبرة وحلفا، بفضل مهاراتهم العالية في تصنيع المراكب النيلية. خاصة بعد أن دخلت القوارب التي تعمل بالماكينات السوق، وزادت شهرتها بشكل ملحوظ، مما أدى لتزايد الطلب عليها، في حين بدأ الطلب على القوارب الخشبية في التراجع”. وأضاف “تمكن بعض حرفيي حياكة شباك الصيد من إيجاد فرص عمل في موانئ البحر الأحمر شرقي السودان ومدن وادي حلفا وعطبرة، وذلك بسبب ارتباط هذه الحرف بنشاط صيد الأسماك في تلك المدن”.

التأثير الاقتصادي

وفي نفس السياق، اعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي حازم عبادي أن “الحرب ألقت بظلالها السلبية على قطاع الصيد في السودان، مما أدى لفقدان مئات الآلاف لوظائفهم، خصوصاً صيادي الجمعيات الإنتاجية المهرة، حيث توجد حوالي 40 جمعية تضم أكثر من 100 ألف صياد داخل البلاد، بالإضافة إلى آلاف الهواة الذين أصبحوا عاطلين عن العمل وفقراء”. وأوضح أن “ولاية النيل الأبيض التي تأثرت بالنزاع المسلح تنتج 70% من إجمالي إنتاج أسماك المياه العذبة في السودان، بالإضافة إلى توقف النشاط التجاري في مدينة أم درمان ومنطقة جبل أولياء، وكذلك خزاني سنار والروصيرص. كما أن عدد العاملين في مجال الصيد في مدن كوستي والجبلين والجزيرة أبا يمثل 50% من السكان”. وبيّن عبادي أن “الحرب أدت إلى توقف عدد من الصناعات مثل تركيب الفسيخ وصناعة الأسماك المعلبة كالسردين والتونة والسلمون، فضلاً عن توقف الصادرات من مدن الجبلين وكوستي وجبل أولياء وأم درمان وبحيرة النوبة ووادي حلفا”.

الثروة السمكية

يتميز السودان بوجود العديد من الأنهار والمجاري المائية المهمة، مثل النيل الأزرق والنيل الأبيض، إلى جانب بحيرات صغيرة موجودة في عدة مناطق، مما جعله غنيًا بثروة سمكية ضخمة.

وحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، فإن المخزون السمكي يبلغ حوالي 110 آلاف طن من الأسماك، وتعد خزانات الري والبحيرات والسدود والحفائر مناطق مناسبة لإنتاج الأسماك.

ويقدر مخزون بحيرة خزان جبل أولياء بالعاصمة الخرطوم بنحو 1500 طن، ومخزون خزان الروصيرص في ولاية النيل الأزرق بـ1700 طن، ويستخدم معظم الإنتاج في صناعة الأسماك المجففة.

أما مخزون بحيرة خزان سنار فيتراوح حول 1000 طن، حيث تلعب صناعة الفسيخ والأسماك المجففة دورًا كبيرًا في الإنتاج، وفي بحيرة خزان خشم القربة بنهر عطبرة يبلغ المخزون 800 طن، بينما يقدر مخزون بحيرة النوبة في الجزء الشمالي من السودان بنحو 500 طن.

عن مصدر الخبر

جريدة اندبندنت البريطانية