السودان الان السودان عاجل

وزير العدل السابق يؤكد على اهمية الحكومة الموازية المقبلة ويتوقع استمرار الحرب سنوات

مصدر الخبر / صحيفة الشرق الاوسط

اعتبر الدكتور نصر الدين عبد الباري، وزير العدل السوداني السابق، أن من الضروري إنشاء حكومة مدنية بديلة في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”. وأكد أن هذا الإجراء يعد حيوياً لحماية كرامة الملايين من المواطنين الذين يعيشون في تلك المناطق، حيث يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، مما يضطرهم للبقاء في أماكنهم دون خيارات أخرى.

وأشار عبد الباري، الذي يعد من أبرز الداعمين لفكرة إقامة حكومة موازية لحكومة بورتسودان المدعومة من الجيش، إلى أن معاناة السكان في مناطق “الدعم السريع” قد تستمر لفترات طويلة في ظل استمرار النزاع المسلح، الذي لا تظهر عليه أي علامات جدية تشير إلى قرب نهايته. ولفت إلى أن تاريخ الحروب في السودان يشير إلى أن النزاعات غالباً ما تستمر لفترات طويلة، مما يجعل التفاؤل بشأن انتهاء الحرب الحالية أمراً غير واقعي.

وفي حديثه لصحيفة “الشرق الأوسط”، أوضح عبد الباري أن تأسيس الحكومة البديلة لا يتعلق بمسألة الشرعية، حيث لا يوجد أي طرف يتمتع بالشرعية في السودان حالياً، كما أن هناك غياباً للآليات المتفق عليها لتحديد شرعية أي سلطة قائمة أو محتملة. وأكد على أن حماية كرامة الإنسان السوداني من خلال إنشاء حكومة موازية أصبحت ضرورة ملحة، ويجب أن تتجاوز هذه المسألة الاعتبارات السياسية مهما كانت.

اقترح أعضاء في التحالف المدني الرئيسي في السودان “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية”، التي يرأسها رئيس الوزراء المدني السابق عبد الله حمدوك، تشكيل “حكومة موازية” في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”. وقد أدى ذلك إلى حدوث انقسام بين المشاركين في التنسيقية؛ حيث اعتبر البعض ذلك فرصة لتحقيق هدف “نزع الشرعية” عن الحكومة المدعومة من الجيش في بورتسودان، بينما اعتبر آخرون أن هذه الخطوة تمثل انحيازًا لأحد أطراف النزاع، وتتناقض مع المواثيق الخاصة بالتحالف الذي لا يعترف بشرعية أي من طرفي النزاع.

الاعتراف بالحكومة مهم

أوضح عبد الباري أن الذين يدعمون فكرة إنشاء سلطة في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع” لا يسعون إلى تقسيم البلاد أو تأسيس دولة جديدة، مشيراً إلى أن بعض الأشخاص يخلطون بين مفهومي الدولة والحكومة، كمثال على ذلك ليبيا التي ظلت دولة واحدة بحكومتين. وأضاف أنه لا يرى “أي مشكلة في وجود عدة حكومات في دولة واحدة، طالما أن الأطراف المختلفة متمسكة بوحدة السودان”.

قال الوزير السابق، الحائز على درجة الدكتوراه من جامعة جورجتاون الأميركية والماجستير من جامعة هارفارد، والذي شارك بفعالية في حكومتي الثورة الأولى والثانية برئاسة عبد الله حمدوك، إن “الاعتراف بالحكومة من قِبل الدول الأخرى يعد أمراً مهماً، وغالباً ما يستند إلى اعتبارات سياسية أو مصالح مشتركة”، مشيراً إلى ضرورة التعاون الدولي، “لكنه سيكون صعباً خصوصاً في ظل ظروف الحرب والنزاعات”.

وأضاف قائلاً: “هذا لا يعني أن الحكومة غير المعترف بها غير قادرة على أداء واجباتها… الأهم هو أن تنال هذه الحكومة الشرعية من الداخل، وهي اعتراف الناس بأنها تمثلهم وتلبي مصالحهم، وهذا قد يتحقق منذ الأيام الأولى. وقد يتفاوت هذا الاعتراف بناءً على قدرة الحكومة على تقديم الخدمات والعدالة والأمن للسكان”.

قال عبد الباري إنه غير قادر على تحديد دول معينة قد تعترف بالحكومة الجديدة التي ستُعلن في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، ومناطق حركة «العدل والمساواة» بقيادة سليمان صندل، و«تجمع قوى تحرير السودان» برئاسة الطاهر حجر، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، بقيادة الهادي إدريس. وأضاف: «المهام الموكلة لهذه الحكومة – مثل أي حكومة أخرى – هي توفير الأمن والعدالة للمواطنين، لكن مدى قدرة هذه الحكومة الجديدة على ذلك يعتمد على توفر الأدوات والآليات اللازمة لتوفير الأمن وتطبيق العدالة، وهذا الأمر مرتبط إلى حد ما بقضية الاعتراف».

وأشار عبد الباري، الذي يعد زميلاً رفيع المستوى في برامج الشرق الأوسط بمجلس الأطلسي في واشنطن، إلى أنه لم يتم تحديد موعد نهائي للإعلان عن الحكومة، لكن المناقشات لا تزال جارية حول تحسين الميثاق التأسيسي ومسودة الدستور وبرنامج الحكومة. وفي هذا السياق، أكد أن التأخير في الإعلان عن الحكومة ليس له علاقة بالتطورات العسكرية الأخيرة على الأرض، مشيراً إلى أن مناقشات تشكيل الحكومة معقدة وتستدعي توافق الأطراف المعنية، بما في ذلك القوى السياسية والمجتمع المدني والحركات المسلحة والشخصيات المستقلة وقوات الدعم السريع، للوصول إلى تفاهمات شاملة بشأن الميثاق التأسيسي والدستور الذي سيحكم النظام السياسي الجديد في السودان.

الجيش لا يستجيب

أكد عبد الباري أن الأطراف التي تشارك في المناقشات في العاصمة الكينية نيروبي حول تشكيل الحكومة لا لديها أي نية لدخول الحرب القائمة، وليس لديها القدرة على ذلك. علاقتها مع “قوات الدعم السريع” قائمة على التعاون بدافع من المسؤولية الأخلاقية والوطنية، بهدف “تقديم الخدمات للمواطنين وتمثيل مصالحهم وتنظيم شؤونهم، والمساهمة في أي جهد لوقف الحرب”.

وأشار إلى أن هذه الأطراف تواصلت عدة مرات مع قادة الجيش السوداني، لحثهم على المشاركة في مفاوضات سياسية لإنهاء الحرب، لكنهم لم يستجيبوا. وأضاف: “هذه القوى قد سئمت من موقف الجيش وعدم رغبته في تحقيق السلام، ولن تبقى مكتوفة الأيدي بينما يحتاج الناس في مناطق سيطرة (قوات الدعم السريع) بشكل عاجل إلى التعليم والصحة، والمستندات الرسمية، وتنظيم التجارة الحدودية، والخدمات الأخرى”.

وأشار إلى أن هناك العديد من المنظمات الدولية التي تتعاون مع “قوات الدعم السريع” من أجل الحفاظ على كرامة الإنسان. وأضاف أن التوازن بين القوة والضعف قد يُفضي إلى حل سياسي للأزمة الحالية، “لكن أي حل يجب أن يُبنى على معالجة الأسباب الجذرية للحروب في السودان، وأهمها رغبة الجيش الكبيرة في السيطرة على السلطة والدولة”. وأوضح أن مؤيدي الحرب في السودان يركزون على النتائج المترتبة على النزاع، لكنهم يتجنبون التطرق إلى الأسباب الأساسية للصراع الحالي، والذي أدى، كما في الحروب السابقة في السودان، إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أنه “مرفوض ومدان”.

وأضاف أن “الخطاب الحالي من الجيش السوداني، الذي يعتمد على رفض التفاوض والتمسك بالحرب، لن يحل جذور النزاع. كما أن وجود حكومتين قد يسهم في تحقيق توازن بين مؤيدي السلام ومؤيدي الحرب، مما قد يؤدي إلى إيجاد حلول لبعض القضايا التي تسببت في النزاعات منذ الاستقلال.”

وأوضح أن “الحرب الكبرى” التي بدأت في أبريل (نيسان) 2023 ولا تزال جارية، تمثل ذروة أزمة السودان، وأن ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 كانت فرصة سانحة لتأسيس نظام حكم ديمقراطي مثالي في السودان، “لكن حدثت انتكاسة كبيرة نتيجة انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي نفذه الجيش و(قوات الدعم السريع)”.

فروقات بين الطرفين

مع تراجع “قوات الدعم السريع” عن الانقلاب، قرر قادة الجيش الاستمرار فيه. وأوضح وزير العدل السابق أنه نتيجة لرفض “قوات الدعم السريع” لمواصلة الانقلاب والضغط الشعبي والدولي الكبير عليها، اضطرت المؤسسة العسكرية لقبول عملية سياسية تهدف إلى إنهاء الانقلاب وتأسيس نظام انتقالي جديد (في مارس 2023). وأضاف: “خلال اجتماعاتي مع القادة العسكريين من الجيش و(قوات الدعم السريع)، كنت ألاحظ الفروق بين الطرفين؛ حيث كانت النخب العسكرية التي تمثل الجيش تعمل على تقويض العملية السياسية، بينما كان قادة (الدعم السريع) يبذلون كل جهدهم لإنجاحها”.

أشار الوزير السابق إلى أن عرقلة قادة الجيش للعملية السياسية كانت واضحة في ملف الإصلاح الأمني، حيث انسحبوا من ورشة الإصلاح الأمني في مارس 2023 دون تقديم أي مبررات مقبولة. وقال إن قادة الجيش “لم يكونوا يتوقعون أن تصل العملية السياسية إلى نهايتها، وعندما تأكدوا من أنها ستصل إليها، قرروا الانسحاب من الجلسة الختامية. في ذلك الوقت، أدركت أن هذا الوضع لن يستمر وأن الجيش كان مصمماً على عدم إتمام العملية السياسية.”

وأضاف أن الجيش كان يسعى للسلطة من أجل منع التغيير الذي كان يمكن أن يحدث في السودان. وأن قرار قادته الانسحاب من الورشة التي كانت ستوافق على التوصيات النهائية بشأن الإصلاح الأمني بهدف إدراجها في الاتفاق النهائي، “يتماشى تماماً مع القرار الذي أعلنه أنصار النظام القديم من الإسلاميين الذين صرحوا علانية أنهم لن يسمحوا بإتمام العملية السياسية، وهددوا بإعلان الحرب إذا تم توقيع الاتفاق السياسي النهائي، مما يشير إلى وجود تنسيق محكم أو تحالف بين القوى المناهضة للثورة وقادة الجيش السوداني”.

بناء جيش موحد هو الحل

وأكد عبد الباري أن الإسلاميين الذين يعارضون التغيير لم يستطيعوا “إيقاف قطار ثورة ديسمبر إذا كان الجيش بعيداً عن العملية السياسية”. وأوضح أن عداء الجيش لـ “قوات الدعم السريع” ناتج عن رفض الأخيرة “الاستمرار في الانقلاب، وقرارها بالانحياز إلى المدنيين للمضي قدماً في العملية السياسية التي كانت تهدف إلى إنهاء الانقلاب وتأسيس انتقال جديد”.

وأضاف أن “قيادة (قوات الدعم السريع) وافقت على إنشاء جيش وطني موحد ودمج قواتها في الجيش، وقد أُقرت هذه الخطوة في مسودة الدستور الانتقالي. ومع ذلك، لم يكن هم قادة الجيش هو دمج (قوات الدعم السريع) وغيرها من القوات في الجيش، بل كان هدفهم الاستمرار في السلطة ومقاومة إصلاح المؤسسة العسكرية، وكذلك وقف تفكيك النظام القديم، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتهم إلى الانقلاب على الحكومة الانتقالية.”

قال وزير العدل السابق إنه “ليس متفائلًا” بانتهاء الحرب بين الجيش و(قوات الدعم السريع) في القريب العاجل، مشيرًا إلى أن التاريخ يوضح أن الحروب الداخلية غالبًا ما تنتهي ليس بالهزيمة العسكرية، بل بمعالجة الأسباب الجذرية. وأكد أن السلام الحقيقي والمستدام لن يتحقق إلا من خلال إنهاء العنف البنيوي الذي تمارسه الدولة السودانية منذ تأسيسها.

وأشار عبد الباري إلى المبادرات المطروحة لإنهاء الحرب في السودان، موضحاً أن “المبادرة السعودية الأميركية في منصة جدة كانت تمتلك القدرة على النجاح، لكنها انهارت بسبب انسحابات الجيش المتكررة، بالإضافة إلى توقفه عن مواصلة المفاوضات التي جرت في المنامة، بعد التوقيع بالأحرف الأولى على ميثاق المبادئ، الذي جاء شاملاً ويعكس تطلعات القوى المدنية الديمقراطية نحو التغيير وإقامة نظام جديد”.

وفسر الوزير السابق فشل محادثات جنيف بعدم وجود ضغوط كافية على قادة الجيش الذين امتنعوا عن المشاركة في المفاوضات، ولم يتحملوا أي عواقب لهذا الرفض. وأوضح أن “تساهل بعض المسؤولين الدوليين مع الجيش هو ما شجع قادته على الاستمرار في رفض المشاركة في المفاوضات، وأن أي مبادرة مستقبلية لا تتبنى موقفاً حازماً ضد الطرف الرافض لوقف الحرب – وهو ما لم يحدث في محادثات جنيف – لن تنجح”.

عن مصدر الخبر

صحيفة الشرق الاوسط

تعليق