في ظل أجواء مشحونة بالضباب السياسي واشتداد المعارك العسكرية، يتجلى صراع جديد بين الأطراف المتنازعة في السودان. حيث أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني، قائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، عن خطط لتشكيل حكومة جديدة يمكن أن تُعرف بـ”حكومة حرب” أو “حكومة تصريف أعمال”. تأتي هذه الخطوة في إطار الجهود الرامية لاستكمال المهام المرتبطة بالفترة الانتقالية، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللازم للجيش في مواجهته المستمرة ضد قوات الدعم السريع.
خلال خطاب ألقاه يوم السبت، في ختام مشاورات القوى السياسية الوطنية والاجتماعية، أشار البرهان إلى أهمية التوصل إلى وثيقة مشروع وطني تهدف إلى إنهاء النزاع الحالي وتيسير الحوار الشامل بين السودانيين. وأوضح أن الحكومة المقبلة ستعتمد على كفاءات مستقلة، مع منح رئيس الوزراء حرية تشكيل هيئات استشارية وأجسام تدعم عمله، مما يعكس رغبة في تعزيز الكفاءة والشفافية في إدارة شؤون البلاد.
كما أشار البرهان إلى إدخال تعديلات على الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها في عام 2019، مما يجعلها تختلف عن النسخة السابقة التي تم التوقيع عليها مع الشركاء السابقين. وأكد أنه بعد اعتماد الوثيقة الدستورية الجديدة، سيتم تشكيل الحكومة وتعيين رئيس وزراء، مع التأكيد على عدم التدخل في مهامه، مما يعكس التزام القيادة العسكرية بتعزيز الاستقرار السياسي في البلاد.
ترتيب المرحلة المقبلة
قال الكاتب والمحلل السياسي خالد عبدالعزيز إن “البرهان يسعى لتهيئة المرحلة المقبلة سياسيًا، لا سيما أنه يتوقع أن يستعيد الجيش السيطرة على الخرطوم قريبًا. سيبدأ بالعمل على بناء تحالفات سياسية وربما تهيئة الظروف للتفاوض لإنهاء ملف الحرب، بالإضافة إلى تشكيل مجلس وزراء تنفيذي لمواجهة التحديات الكبيرة والمعقدة في إعادة تأهيل البنى التحتية المتضررة من الحرب وقطاعات الخدمات والاقتصاد”.
وأضاف عبدالعزيز لـ”العين الإخبارية” أن تلك “ملفات ذات تعقيد كبير تحتاج إلى تمويل من الداخل والخارج بالإضافة إلى تحقيق نوع من الاستقرار الأمني والسياسي”، مشيرًا إلى أن البرهان أراد أيضًا إيصال رسائل للخارج بأن المرحلة المقبلة لن تعني هيمنة أي تيار سياسي على الحكم، وأن السلطة العليا ستبقى بيد الجيش مع وجود جهاز تنفيذي مدني يتكون من التكنوقراط.
وأضاف قائلاً: “لا أعتقد أن حديث البرهان سيكون له تأثير على قوات الجيش، خاصة في المعارك التي تدور في العاصمة ووسط السودان. التحدي الأكبر هو كيفية إنهاء الحرب بشكل نهائي في جميع أنحاء السودان، وخصوصاً في مناطق كردفان ودارفور، وهذا يتطلب جهوداً كبيرة على الصعيدين السياسي والاجتماعي. وقد يسهم تقدم الجيش في الوسط في فتح المجال للتفاوض مع الدعم السريع بهدف تحقيق الاستقرار في البلاد.”
فتح أفق سياسي
من جانبه، أشار الكاتب والمحلل السياسي أحمد خليل إلى أن “تصريحات البرهان تهدف إلى فتح أفق سياسي، لكن من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع، خصوصًا أن مطالب السودانيين الحالية تتركز في وقف الحرب والعمل على معالجة آثارها والسماح لهم بالعودة إلى منازلهم”.
وأفاد خليل لـ”العين الإخبارية” بأن “تجاوز هذه القضايا والمشكلات الحالية يُصعّب الوضع السياسي، مما يؤدي إلى تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وهناك نقاشات قائمة حول هذا الموضوع، ويحق للمواطنين في مناطق الدعم السريع أن يحصلوا على خدمات حكومية شاملة”.
وأضاف قائلاً إن “البرهان أشار أيضًا إلى القلق من مشاركة حزب المؤتمر الوطني (حزب البشير) و’الحركة الإسلامية’ في هذه الحرب من أجل مصالح سياسية، وهذا ما سيحدث بالفعل، فهؤلاء لم يقاتلوا مجانًا أو تحت عناوين وطنية، بل هم من تسببوا في إشعال الحرب للعودة إلى الساحة السياسية بطريقة طبيعية”.
من المهم الإشارة إلى أن البرهان أشار في خطابه إلى وجود صراعات سياسية، خصوصًا مع حزب المؤتمر الوطني، حيث خاطبهم قائلاً: “إذا كنتم وطنيين، فاتركوا المزايدات في الوقت الحالي، فلن تتوفر لكم فرصة أخرى للحكم على أنقاض ودماء السودانيين”.
رأى أن المجموعات التي تقاتل مع الجيش ضد قوات الدعم السريع تتكون من أفراد وطنيين وسودانيين، ولا يوجد بينهم من يسعى لتحقيق مكاسب شخصية من القتال.
قال إن “المؤتمر الوطني إذا كان مهتمًا بالحكم، يجب عليه أن ينظم نفسه للانتخابات ويتنافس مع القوى السياسية، لكن في هذه المرحلة لا يستطيع أي تنظيم أن يفرض وجوده”.
خطوة استباقية
قال الكاتب والمحلل السياسي علاء الدين بابكر: “أعتقد أن قرار البرهان بتشكيل حكومة يعد بمثابة استباق لخطوة قوات الدعم السريع في كينيا، ويشير إلى التحضير لإعلان حكومة جديدة خلال الأيام القادمة”.
وأكد بابكر لـ”العين الإخبارية” أنه “لا توجد قوى سياسية حقيقية ستعلن انضمامها إلى حكومة البرهان أو حميدتي، ولكن من الممكن أن تنضم شخصيات بارزة إلى الحكومتين المرتقبتين لأسباب تتعلق بالمناطق والجهات. ومع ذلك، فإن القوى السياسية الحقيقية لن تؤيد أيًا من الحكومتين”.
رأى أن تشكيل حكومتين من قبل كل من البرهان وحميدتي في مناطق نفوذهما لن يؤثر على مجرى العمليات العسكرية، مؤكدًا أن “كل قائد يسعى لتعزيز موقفه من خلال تشكيل حكومة في منطقته ودعم شعبيته وسط جماهيره للحصول على الشرعية. ولكن تشكيل حكومتين سيعود بآثار سلبية على مستقبل السودان”.
قال رئيس تحرير صحيفة “التيار”، عثمان ميرغني، إن “البرهان يعتمد على الوعد أو الإشارة إلى تشكيل الحكومة كوسيلة لإطالة فترة بقائه في السلطة واحتكاره للقرار بعيدًا عن المؤسسات أو المناصب مثل منصب رئيس الوزراء الذي قد يتقاسمه أو ينافسه في الصلاحيات”.
وقال ميرغني لـ”العين الإخبارية” إن “هذا يوضح أن المحافظ استطاع أن يحافظ على حكمه رغم غياب باقي هياكل الدولة منذ 25 أكتوبر 2021، على الرغم من الأضرار الكبيرة التي تسبب فيها هذا الوضع للبلاد بشكل عام”.
على مدار الأسبوعين الماضيين، أفادت تقارير إعلامية بأن الأطراف المعنية والداعمة لتشكيل الحكومة المتنازع عليها مع سلطة بورتسودان قد شاركت في اجتماعات مستمرة في العاصمة الكينية نيروبي، تمهيدًا لتشكيل الحكومة وإعلانها.
من المتوقع أن تعلن الحكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع بالتعاون مع مكونات سياسية ومدنية.
وانضمت مكونات في تحالف تنسيقية (تقدم) بقيادة الجبهة الثورية، باستثناء رئيس الحركة الشعبية، التيار الثوري برئاسة ياسر عرمان، وحزب الأمة القومي، والحزب الاتحادي الموحد، بالإضافة إلى شخصيات سياسية مثل محمد الحسن التعايشي، عضو مجلس السيادة السابق، إلى الاقتراح الخاص بتشكيل الحكومة.
اقترح تقرير للآلية السياسية في تحالف تنسيقية (تقدم) البدء في فك الارتباط مع المؤيدين لتشكيل حكومة موازية، كما تدعو الأطراف المعنية إلى التخلي عن اسم التحالف واختيار اسم جديد، مما يشير إلى انقسام أحد أكبر التحالفات المعارِضة للحرب.
شملت هياكل الحكومة الموازية على المستوى الولائي حكومات تنفيذية وأجهزة تشريعية (المجلس التشريعي الولائي)، والذي سيتم تحديده وفقاً للكتلة السكانية للولاية.
يرأس حكومة الولاية والٍ أو حاكم، وتتكون من مجلس وزراء ولائي يضم من 5 إلى 7 وزراء، إضافة إلى وجود “مجالس تشريعية” في المحليات مع سلطة تنفيذية محلية.
تتضمن المهام الأساسية للحكومة المقبلة حماية المدنيين، وتأمين الخدمات الأساسية، وتسهيل التواصل مع الأسرة الدولية، بالإضافة إلى تحييد الطيران الحربي.
يشارك الجيش السوداني و”الدعم السريع” منذ منتصف أبريل 2023 في حرب أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، بالإضافة إلى نحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفقًا لما ذكرته الأمم المتحدة والسلطات المحلية. في حين قدر بحث أجرته جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص.
تتزايد المناشدات الأممية والدولية لوضع حد للحرب في السودان، وذلك لتجنب وقوع كارثة إنسانية بدأت تؤدي إلى تعرض ملايين الأشخاص للمجاعة والموت نتيجة نقص المواد الغذائية الناجم عن التصعيد في القتال الذي شمل 13 ولاية من أصل 18.
رأى أن الأفراد الذين يقاتلون مع الجيش وطنيين ولا يوجد بينهم من يسعى إلى تحقيق مكاسب شخصيه .وهل من بينهم لواء البراء الذي هدد بأنه سينظف اشياء أخرى بعد الانتهاء من نظافة الدعم السريع؟؟؟!!!!