بدأت في العاصمة الكينية نيروبي، يوم أمس الثلاثاء، مراسم توقيع وثيقة الإعلان السياسي والدستور المؤقت للحكومة البديلة المزمع إقامتها في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع” في السودان، وذلك بحضور كبير من القوى السياسية والحركات المسلحة، بالإضافة إلى قوى مدنية، بعضها ينتمي إلى جماعة “تحالف القوى المدنية الديمقراطية” (تقدم) وخصوصًا حزب الأمة القومي بقيادة فضل الله برمة، إلى جانب ممثلين عن “الدعم السريع”.
أدت المشاركة غير المتوقعة لرئيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال”، عبد العزيز آدم الحلو، إلى تأجيل مراسم توقيع وثيقة الإعلان السياسي التأسيسي للحكومة المدعومة من “قوات الدعم السريع” إلى يوم الجمعة المقبل، وذلك لمنح الفرصة لمزيد من المشاورات حول الدستور المؤقت بين الأطراف المؤيدة لهذه الخطوة.
ستتواصل الجلسات التشاورية يومياً حتى موعد توقيع الوثيقة في 21 فبراير الجاري في نيروبي. وقد أُطلق على الحكومة الجديدة التي ستكون موازية لحكومة بورتسودان، والتي يرأسها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، اسم “حكومة الوحدة والسلام”. ومن المتوقع تشكيل هذه الحكومة بعد أيام قليلة من توقيع الوثيقة.
جلست على المنصة الرئيسية كل من رئيس حزب “الأمة” فضل الله برمة ناصر، والقائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم حمدان دقلو، وعبد العزيز آدم الحلو، وعضوا مجلس السيادة السابقين الهادي إدريس والطاهر حجر، بالإضافة إلى إبراهيم الميرغني ممثل “الحزب الاتحادي الديمقراطي – الأصل”، وعدد من الشخصيات الأخرى.
أعلن رئيس اللجنة الفنية إبراهيم الميرغني في كلمة الافتتاح، عن التوافق على تشكيل حكومة مؤقتة “تأسيسية” سيتم إعلانها من خلال الوثيقة، وذلك بعد توقيع الوثيقة السياسية والدستور الانتقالي. وذكر أن “الحرب العبثية المدمرة التي شنها أنصار النظام السابق، قد أسفرت عن أكبر التحديات التي تواجه السودان، وأدت إلى واقع مؤلم لمواطنيه”.
وأضاف أن “الحرب أفسحت المجال للجماعات الجهادية المتطرفة لتشارك في قصف ممنهج يهدف إلى تدمير السودان، من خلال إجراءاتها الوحشية التي طالت الأطفال والنساء والمرضى، مما أدى إلى نزوح ولجوء أكثر من 15 مليون مواطن، وحرمت شريحة كبيرة من المواطنين من حقهم في التعليم والخدمات الأساسية”.
أكد الميرغني التزامهم بأن الاتفاق المرتقب توقيعه سيكون سبلاً نحو سودان موحد، وأنه سيتم بموجب هذا الاتفاق إنشاء حكومة توافقية بين الشركاء ليتم الإعلان عنها داخل السودان، دون تحديد موعد أو مكان لتشكيل هذه الحكومة. وقد حظيت مشاركة قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان عبد العزيز آدم الحلو في الاجتماعات وجلوسه بجانب القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو بترحيب كبير من الحضور وفريق الحكومة المزمع تشكيلها.
من جانبه، أشار الحلو إلى أن هدف مشاركته هو “تأسيس جبهة مدنية واسعة تضغط من أجل تحقيق السلام والتحول الديمقراطي المدني”، وجرى إعادة تعريف الصراع في السودان من كونه نزاعاً بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو على السلطة، إلى “امتداد للصراع بين المركز الذي يملك كل شيء والهامش الذي لا يمتلك شيئاً”. وأضاف: “جئنا إلى هذه الفعالية للبحث عن حلول لمشاكل السودان، ونسعى لتحقيق سلام مستدام في البلاد”.
يقود عبد العزيز آدم الحلو الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تعتبر كاودا في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان منطقة “محررة”، حيث يديرها بعيداً عن الحكومة المركزية في الخرطوم منذ عام 2011. وخلال هذه الفترة، استمر في القتال ضد الجيش السوداني في جنوب كردفان وأجزاء من ولاية النيل الأزرق.
تتكون الحركة الشعبية من مواطنين سودانيين قرروا دعم دولة جنوب السودان خلال فترة الحرب الأهلية تحت قيادة الزعيم الراحل جون قرنق دمبيور. وبعد انفصال جنوب السودان في عام 2011 وفقًا لاتفاقية السلام الشامل، التي منحت جبال النوبة والنيل ما يُعرف بـ”المشورة الشعبية”، اندلعت الحرب سريعًا. وتمكنت فصائل الحركة الشعبية، بقيادة الحلو، من السيطرة على منطقة كاودا الجبلية المحصنة، حيث أنشأت إدارة مدنية مستقلة استمرت في إدارة المنطقة.
ودعا الحلو السودانيين إلى دعم ما أسماه “هذا المشروع الجديد” لمواجهة سلطة الجيش في بورتسودان. وأوضح أن “هذه الفعالية مهمة لوضع حد للحروب والكراهية في السودان، وتهدف إلى التوصل إلى عقد اجتماعي جديد يشكل الأساس الدستوري لكيفية حكم السودان، ويعترف بتنوعه الثقافي والعرقي والديني”.
تعتبر كلمة الحلو حول أعمال مؤتمر حكومة السلام هي الأولى له منذ عدة سنوات، على الرغم من أنه دخل في مفاوضات متعددة مع قوى سياسية وعسكرية للوصول إلى اتفاق سلام. ما يثير الانتباه هو مخاطبته للقائد الثاني لقوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، ورئيس حزب الأمة، فضل، بوصفهما “رفاقًا”، وهو مصطلح يُستخدم لوصف من يحملون السلاح ويقاتلون ضد عدو مشترك. هذا يأتي في ظل تجدد القتال بين الحركة الشعبية والجيش قبل عدة أيام في مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان.
من جانبه، أفاد رئيس حزب الأمة (أحد أكبر الأحزاب في السودان)، فضل برمة ناصر، في كلمته، أن تأجيل توقيع الإعلان السياسي بين القوى التي تدعم تشكيل حكومة موازية إلى يوم 21 فبراير (الجمعة المقبلة) جاء استجابة لرغبة “الرفيق عبد العزيز الحلو ورفاقه”، وذلك لمنحهم الوقت الكافي للانضمام والمساهمة في نقل السودان من واقع قديم إلى واقع جديد.