انطلقت فعاليات المؤتمر الذي يُعقد في نيروبي، كينيا، منذ يوم الثلاثاء 18 فبراير 2025، حيث يجمع بين قوى سياسية وحركات مسلحة، بالإضافة إلى قيادات من قوات الدعم السريع. يهدف المؤتمر إلى توقيع ميثاق سياسي يسعى لتأسيس حكومة مدنية في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات. وقد أثار هذا الحدث ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية، حيث عبر العديد من المسؤولين عن رفضهم لهذا المؤتمر، محذرين من العواقب المحتملة على وحدة البلاد واستقرارها.
من بين الشخصيات البارزة التي تشارك في المؤتمر، يبرز عبدالله الحلو، رئيس الحركة الشعبية، وعبد الرحيم دقلو، قائد ثانٍ لقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى اللواء فضل الله برمة، رئيس حزب الأمة القومي. كما يشارك في المؤتمر قيادات من الجبهة الثورية برئاسة الدكتور الهادي إدريس، مما يعكس تنوع القوى السياسية والعسكرية التي تسعى للتأثير في مستقبل السودان. هذا التنوع في المشاركين يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد في ظل الأوضاع الراهنة.
تأتي هذه التطورات في وقت حساس بالنسبة للسودان، حيث تتزايد المخاوف من تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية. وقد حذر العديد من المراقبين من أن نتائج هذا المؤتمر قد تؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي في البلاد، إذا لم يتم التعامل مع القضايا المطروحة بحذر وشفافية. إن التحديات التي تواجه السودان تتطلب حواراً وطنياً شاملاً يضمن مشاركة جميع الأطراف، ويعزز من فرص تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
في بيان رسمي، استنكرت وزارة الخارجية السودانية استضافة الحكومة الكينية لهذا المؤتمر، معتبرة أن هذه الخطوة تُعد تشجيعًا على تقسيم الدول الإفريقية وانتهاكًا لسيادة السودان. وأكدت الوزارة أن استضافة كينيا لهذا الاجتماع يمثل “خرقًا لميثاق الأمم المتحدة، والأمر التأسيسي للاتحاد الإفريقي، ومعاهدة منع الإبادة الجماعية.” وشددت على أن “إقامة حكومة موازية على جزء من الأراضي السودانية تعد تدخلًا في الشؤون الداخلية للسودان وانتهاكًا للسيادة الوطنية.”
واتهمت الخارجية السودانية كينيا بمساعدة قوات الدعم السريع في “الترويج لأنشطة سياسية رغم استمرارها في ارتكاب جرائم إبادة جماعية”، مما يشكل، حسب البيان، “تشجيعًا على استمرار الفظائع التي ترتكبها المليشيا.”
أدانت حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي استضافة كينيا لهذا المؤتمر، ووصفت الخطوة بأنها “سابقة خطيرة في أفريقيا”، محذرة من أنها قد تزعزع استقرار السودان والمنطقة. وطالبت الحركة الاتحاد الإفريقي، والإيقاد، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي بالتدخل لمنع مثل هذه الخطوات التي تهدد وحدة البلاد.
وأكد بيان الناطق الرسمي للحركة، الصادق علي النور، أن بعض القوى السياسية والحركات المسلحة المشاركة في المؤتمر تعمل “بتناغم وانسجام مع مليشيا الدعم السريع”، رغم إنكارها المستمر لذلك، مضيفًا أن إعلان حكومة موازية يهدف إلى “خلق الفوضى ومحاولة تقويض الحكومة القائمة.”
وفي تطور لافت، نفى حزب الأمة القومي تفويض أي من قياداته للمشاركة في المؤتمر، وذلك بعد تداول اسم رئيس الحزب المكلف، اللواء فضل الله برمة ناصر، ضمن الحضور. وأكد الحزب في بيان صادر عن مؤسسته الرئاسية أنه لم يرسل أي ممثل عنه، وأن مؤسساته ستجتمع لاتخاذ القرارات المناسبة بحق المشاركين دون تفويض.
وجدد الحزب التزامه بالحل السياسي القومي الشامل الذي يحفظ وحدة السودان وسيادته، مشددًا على ضرورة وقف الحرب ومعالجة الأزمة السودانية عبر الحوار.
في السياق نفسه، عبّر عضو المجلس السيادي، الفريق ياسر العطا، عن إدانته لمؤتمر نيروبي، مؤكدًا أن القوات المسلحة لن تسمح بتشكيل أي حكومة موازية على الأراضي السودانية. وقال العطا خلال مخاطبته قوة عسكرية في مدينة الدبة شمال السودان: “سنقاتل الذين يسعون لتشكيل حكومة موازية في أي شبر من أرض السودان.”
يعكس مؤتمر نيروبي حجم الانقسام الموجود في المشهد السياسي السوداني، وسط رفض رسمي وشعبي واسع لفكرة تشكيل حكومة موازية. ومع استمرار الصراع العسكري والسياسي، تبقى وحدة السودان وسيادته تواجه تحديات جسيمة، وسط مطالبات بضرورة التوصل إلى حلول سياسية سلمية تقي البلاد مزيدًا من الانقسامات والاضطرابات.