اعتبر خبراء قانونيون أن التعديلات التي أجرتها حكومة الجيش السوداني على الوثيقة الدستورية تفتقر إلى الأهمية الحقيقية، مؤكدين أن هذه التغييرات لن تمنح قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، الشرعية التي يسعى للحصول عليها. وأوضحوا أن هذه التعديلات لا تعكس أي تغيير جوهري في الوضع القانوني في البلاد، بل تعزز من وصف الانقلاب العسكري الذي شهدته السودان.
في تصريحاتهم لوكالة “إرم نيوز”، أشار الخبراء إلى أن الحكومة الجديدة التي يُتوقع تشكيلها بعد هذه التعديلات لن تؤثر على الوضع القانوني القائم، حيث ستظل الأوضاع في السودان مصنفة كحالة انقلاب عسكري على الوثيقة الدستورية. وأكدوا أن هذه الخطوات لا تعكس أي رغبة حقيقية في تحقيق الاستقرار أو الانتقال نحو الحكم المدني.
يوم الأربعاء، قامت الحكومة المدعومة من الجيش السوداني بإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية، حيث تم حذف جميع الإشارات إلى قوات “الدعم السريع” وقوى إعلان الحرية والتغيير. كما تم استبعاد المدنيين من مجلس السيادة الانتقالي، الذي سيضم تسعة أعضاء، منهم ستة ضباط يتم تعيينهم من قبل قيادة الجيش وثلاثة من قادة المتمردين السابقين، وفقًا لما أفادت به وكالة “رويترز”.
لا قيمة للتعديلات
في هذا الصدد، أشار الخبير القانوني المعز حضرة إلى أن التعديلات لا تحمل أي قيمة، لأن الوثيقة الدستورية لم تعد موجودة منذ أن قام البرهان بانقلاب عليها في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
قال حضرة لموقع “إرم نيوز” إن مبدأ التأسيس الذي استندت إليه الوثيقة الدستورية هو ثورة ديسمبر ومكوناتها، المتمثلة في قوى الحرية والتغيير التي تمتلك الأغلبية والتي يمكنها إجراء التعديلات بموجب المادة 78 من نفس الوثيقة.
وأضاف: “الآن لا توجد وثيقة دستورية لأن انقلاب البرهان أجهضها، وما حدث حينها كان تقويضًا للنظام الدستوري، وما بُني على باطل فهو باطل، وأي تعديلات لن تكون لها قيمة من حيث الشرعية والمشروعية”.
وأكد أن التعديلات التي قامت بها حكومة البرهان على الوثيقة الدستورية لن تمنحها أي شرعية، وستظل الأوضاع في السودان تُعتبر “انقلاباً عسكرياً” في نظر المؤسسات الإقليمية.
وأوضح أن الاتحاد الأفريقي لن يوافق على الحكومة التي ينوي البرهان تشكيلها بعد تعديل الوثيقة الدستورية.
وأضاف قائلاً: “استمر البرهان منذ الانقلاب في البحث عن شرعية داخلية وإقليمية ولكنه أخفق في تحقيق ذلك، ورغم كل المسميات التي يستخدمها، إلا أنه ليس لديه الحق أو الشرعية لتعديل الوثيقة، والمسميات التي يبتكرها لا تستند إلى أساس دستوري”.
أشار إلى أن الاجتماع المعروف بـ “مجلسي السيادة والوزراء” الذي وافق على التعديلات الدستورية ليس له قيمة أيضًا، لأن هذه المؤسسات أنشأها البرهان دون أي أساس دستوري.
وأشار إلى أن البرهان يسعى للحصول على شرعية داخلية ودولية، لكنه لن يتمكن من تحقيق ذلك من خلال هذه التعديلات.
هيمنة الجيش
من جانبه، أفاد المتحدث باسم تحالف القوى المدنية المتحدة “قمم”، عثمان عبد الرحمن سليمان، أن البرهان ومؤيديه من بقايا النظام السابق يسعون لتكييف القانون بما يتناسب مع مصالحهم دون أي شرعية.
ذكر في تصريح لـ”إرم نيوز” أن موقف “قمم” يشير إلى أن انقلاب البرهان على الوثيقة الدستورية والحكومة المدنية في 25 أكتوبر 2021 قد أحبط عملية الانتقال وأدخل البلاد في سلسلة من الأزمات المتتالية.
وأشار إلى أنه “منذ ذلك الحين لم تكن هناك حكومة شرعية في السودان، كما أن الوثيقة الدستورية لم تعد موجودة، والأطراف التي كانت جزءاً منها لم تعد في صفوف الجيش وتختلف معه في العديد من القضايا”.
وأضاف: “رصدنا أنه بمجرد صدور هذه التعديلات، تعرضت لانتقادات كبيرة من القوى السياسية؛ لأن الهدف منها هو تعزيز هيمنة الجيش على السلطة حتى وإن كانت بصورة مزيفة. كما أن هذه التعديلات تحمل نوايا خفية تجاه الأحزاب السياسية وتعتبر بداية لإقصائها عن الساحة، في ضوء الزيادة في عدد مقاعد العسكريين في مجلس السيادة”.
أكد المتحدث باسم “قمم” أن “حتى لو قام البرهان وأنصاره بتشكيل حكومة، فلن يتم رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي؛ لأن رفع التجميد يتطلب اتخاذ العديد من الإجراءات، بما في ذلك محاسبة البرهان على خطواته الانقلابية في الخامس والعشرين من أكتوبر”.
وأضاف: “من يعتقد أن تعديل الوثيقة الدستورية سيؤدي إلى رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي سيترقب طويلاً”.
أفاد بأن البرهان يشعر بحيرة كبيرة لأنه يواجه ضغوطاً شديدة من جماعة الإسلام السياسي، وعلاقاته مع البيئة الإقليمية والدولية أصبحت مهددة، بالإضافة إلى اقتراب الإعلان عن تشكيل حكومة السلام، وهو الأمر الذي أربك حساباته وزعزع أفكاره.
توقع سليمان أن تبتعد بعض القوى السياسية عن البرهان، نظرًا لأنه يسعى لتوسيع صلاحياته ويخصص كل جهوده لدعم تنظيم الحركة الإسلامية “الإرهابي المتطرف”.
رغبة البرهان
يتفق المحلل السياسي صلاح حسن جمعة مع المتحدث باسم تحالف “قمم” بشأن أن التعديلات على الوثيقة الدستورية تعكس رغبة البرهان في السيطرة على الحكم.
صرح جمعة، لـ”إرم نيوز”، بأن البرهان لن يستسلم في محاولاته للحصول على الشرعية، على الرغم من إخفاقه في ذلك حتى أصبح الوضع قد وصل إلى حد الحرب.
وأشار إلى أن جوانب الوثيقة باتت غائبة، موضحاً أن “البرهان الذي يسعى للحصول على السلطة بأي شكل يسعى للتجريب والمناورة من أجل الاستمرار في الحكم”.
وأشار إلى أن “العسكريين يسعون لتعزيز عدد مقاعدهم في مجلس السيادة بهدف فرض واقع جديد والانفراد بالسلطة واتخاذ القرارات السيادية للحكومة الجديدة، بعد أن لم يتمكنوا من السيطرة عن طريق الانقلاب”.
وتابع: “إن المجتمع الدولي والإقليمي يراقب الأحداث في السودان بدءًا من الانقلاب على حمدوك وحتى استمرار الحرب؛ وبالتالي، من غير المحتمل أن ينجحوا في الحصول على شرعية تحت قيادة العسكريين.”
وأشار إلى أن الاتحاد الأفريقي في اجتماعاته الأخيرة تناول موضوع أهمية تحقيق السلام، والعودة إلى العملية السياسية، وتولي السلطة من قبل حكومة مدنية.
وأضاف أن “البرهان يسعى من خلال تعديل الوثيقة الدستورية إلى تشكيل حكومة مدنية يختارها بنفسه ليتمكن من إقناع الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي بالاعتراف به”.