اعتبر محللون أن توقيع الميثاق التأسيسي للحكومة السودانية يمثل نقطة تحول كبيرة في المشهد السياسي في البلاد، حيث من المتوقع أن يؤدي إلى تغييرات جذرية في هيكل السلطة ويعزز من سيادة الدولة بعيدًا عن هيمنة الجيش السوداني. هذه الخطوة تأتي في وقت حساس، حيث يسعى الشعب السوداني إلى تحقيق تطلعاته في بناء دولة مدنية ديمقراطية.
وأشار المحللون في تصريحاتهم إلى أن هذا التأسيس الجديد قد يغير من موازين القوى في البلاد، مما يضع قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في موقف صعب. إذ أن الميثاق يعكس رغبة قوية من مختلف الأطراف السياسية والمدنية في إعادة تشكيل النظام السياسي بما يتماشى مع تطلعات الشعب، مما قد يؤدي إلى تقليص نفوذ الجيش في الحياة السياسية.
تم توقيع الميثاق التأسيسي لحكومة السلام في السودان اليوم في العاصمة الكينية نيروبي، حيث اجتمع تحالف يضم مجموعة من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة، بالإضافة إلى قوى مدنية وأهلية ونقابية. من بين المشاركين في هذا الحدث الهام، قوات الدعم السريع والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، التي تسيطر على مناطق واسعة في كردفان والنيل الأزرق، مما يعكس تنوع القوى المشاركة في العملية السياسية الجديدة.
هزة سياسية
وقال المحلل السياسي مصطفى سري إن الحكومة التي من المتوقع الإعلان عنها من داخل السودان بعد توقيع وثائقها التأسيسية في نيروبي ستحدث تغييراً كبيراً في الساحة السياسية السودانية.
وأضاف في تصريح لوكالة “إرم نيوز” أن “هذا الاتجاه يعد الأول من نوعه في تاريخ السودان الحديث، حيث لم تقم أي معارضة سياسية أو مسلحة بمثل هذه الخطوة منذ حركة (الأنانيا) في جنوب السودان في منتصف الخمسينيات”.
خطوة جريئة
وأوضح المحلل “سري” أن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي أُسست في عام 1983 في جنوب السودان، بالإضافة إلى حركات النضال المسلح في دارفور، لم تتخذ هذه الخطوة، مثلما لم يفكر التجمع الوطني الديمقراطي (1990-2005) في ذلك. وأكد أنه “لذلك، تعتبر هذه الخطوة جريئة وتحمل أيضاً مخاطر”، حسب تعبيره.
أشار إلى أن ما يميز تحالف التأسيس هو احتواؤه على مجموعات سياسية وعسكرية، معظم قواعدها من غرب السودان، مع وجود لافت لقوى سياسية من الشمال والوسط والشرق. وتوقع حدوث حالة كبيرة من الاستقطاب السياسي، كما وصفها.
وأشار المحلل “سري” إلى أن هناك من يفسر تشكيل تحالف تأسيس على أنه رد فعل على الإجراءات التي تتخذها حكومة بورتسودان منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، مثل محاكمة واعتقال المواطنين بناءً على اللون والعرق، وإعدام بعضهم أو طردهم أو منعهم من دخول المدن والولايات في الوسط والشمال النيلي، مما يشبه نظام الفصل العنصري الذي حدث في جنوب أفريقيا أو تعامل دولة إسرائيل مع الفلسطينيين من خلال إقامة الحواجز ومنح تصاريح المرور.
التمييز في بورتسودان
وأشار إلى أن حكومة البرهان في بورتسودان قامت بممارسة التمييز في إصدار وتجديد جوازات السفر وتبديل العملة، كما أنها منعت من إجراء امتحانات الشهادة الثانوية في مناطق الدعم السريع، مؤكدًا أن هذه الوقائع تشبه ما حدث في السودان خلال فترة الاستعمار، المعروف باسم “المناطق المقفلة”.
رجح “سري” أن يتعاون المجتمع الإقليمي والدولي مع الجانبين، خصوصاً فيما يخص تقديم المساعدات الإنسانية، وقد يسهم الضغط على أطراف النزاع في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار تحت إشراف دولي وإقليمي.
وأضاف قائلًا: “قد يؤدي ذلك أيضًا إلى جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومتين تبدأ بوقف النزاعات ثم تنتقل إلى مناقشة القضايا السياسية والأزمة المستمرة، إلا أنه لن يحدث ذلك في القريب العاجل”، مشيرًا إلى أن الحرب بعد تشكيل حكومة جديدة لن تكون محدودة بين طرفين فقط، بل ستشمل عدة أطراف، مما يفتح المجال أمام كافة الاحتمالات والسيناريوهات.
تطلعات الشعب
أوضح الصحفي والمحلل السياسي حافظ كبير أن تحالف “تأسيس” يهدف إلى استيعاب تطلعات الشعب السوداني، مشيرًا إلى أنه يتكون من مجموعة واسعة من الكيانات السياسية التي ساهمت في الثورة الشعبية التي أنهت حكم الرئيس السابق عمر البشير، وشاركت أيضًا في الحكومة الانتقالية.
تحقيق السلام
قال لـ”إرم نيوز” إن هذه المكونات المعترف بها شرعياً ستشكل معًا حكومة مؤقتة تهدف إلى الحفاظ على الوحدة وتحقيق السلام في جميع أنحاء السودان، وليس في مناطق معينة. وأوضح أن الحكومة المرتقبة تهدف أيضًا إلى تمثيل الشعب السوداني وتطلعاته نحو السلام والوحدة والحرية والعدالة.
أوضح الصحفي حافظ كبير أن الحكومة المقبلة ستعالج القضايا التاريخية التي أدت إلى النزاعات، مثل كيفية إدارة التنوع وتوزيع الثروة والسلطة بشكل عادل بين أقاليم السودان، بدلاً من التركيز المركزي. وأشار إلى أن الوثيقة التأسيسية للحكومة أعطت إجابات شاملة لكل الأسئلة وطرحت رؤية فعالة لإدارة السودان.
ذكر أن الحكومة ستسعى لحماية المدنيين في مناطق النزاع من الغارات الجوية وإعادة بناء ما دمرته الحرب، لاسيما مؤسسات الدولة. وأوضح أن التحدي الاقتصادي الذي سيواجه الحكومة يمكن التغلب عليه إذا تمكنت من إقامة شراكات مع مؤسسات خارجية لتشغيل القطاعات الخدمية مثل الصحة والتعليم وغيرها.
أكد الصحفي حافظ كبير أن الحكومة المتوقع تشكيلها تحظى بدعم جماهيري كبير، وهو ما تجلى في المسيرات الحاشدة التي انطلقت في مدن دارفور تأييداً لتحالف التأسيس، مضيفاً أن ذلك قد يسهم في تحقيق الاعتراف الإقليمي والدولي بالحكومة.
فرض الإرداة الشعبية
وأشار إلى أن الحكومة المرتقبة ستكون إحدى الوسائل لتعزيز الإرادة الشعبية من أجل السلام والوحدة، موضحًا أنها ستتمكن من التفاوض بشكل أفضل مع حكومة الجيش لتحقيق السلام، خاصة بعد تشكيل جيش موحد للحكومة الجديدة. وأضاف أن “القبول الشعبي والخطاب السياسي للمجموعات المؤيدة للحكومة سيوفران غطاءً عسكريًا لفرض هيبة الدولة على أسس جديدة”.
أشار الصحفي كبير إلى أن حكومة البرهان فقدت شرعيتها بعد انقلابها على السلطة التي اتفق عليها الشعب، وعدم استجابتها لدعوات السلام. بالإضافة إلى ذلك، قامت بإجراء تعديلات دستورية لتعزيز الحكم العسكري دون التشاور مع الآخرين.
إدارة التنوع
توقع المحلل السياسي صلاح حسن جمعة أن تنجح الدولة الجديدة في إدارة ما لم تتمكن الحكومات السابقة من تحقيقه، وهو إدارة التنوع، مشيراً إلى أن ذلك قد يكون من العوامل التي تعيد التوازن وتغير الوضع لصالح البرهان المتحالف مع الإخوان.
وذكر لـ”إرم نيوز” أن تحالف “تأسيس” يضم أكبر الفئات الاجتماعية والسياسية في السودان، مما يجعله قادرًا على إزاحة البرهان والمجموعة التي تحتكر السلطة في السودان.
التأييد والاعتراف
يرى المحلل جمعة أن الحكومة الجديدة قد تحظى بتأييد واعتراف دوليين ومحليين، نظرًا لجهودها في إنهاء الحرب وحماية وخدمة شرائح واسعة من المجتمع السوداني. وهذا على عكس حكومة البرهان التي تُصر على استمرار النزاع وتحرم المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع من الخدمات الضرورية.
وأضاف أن “الحكومة الجديدة إذا قامت بتأسيس جديد كما هو معلن، فسوف تلقى قبولاً من الناس، مما يجبر الجيش على الخروج من الحياة السياسية والعودة إلى دوره الطبيعي في حماية الوطن والابتعاد عن الانقلابات العسكرية.”
وأكد المحلل جمعة أن تخطي العقبات المرتقبة أمام الحكومة الجديدة يتوقف على قدرتها على تنفيذ الخطة التي أعلنتها للمواطنين، وكذلك قدرتها على توفير الخدمات لهم.
في نظري ان حكومة “تأسيس”سوف تلقى قبول كبير في السودان في كل اطروحاتها باستثناء “اطروحة العلمانية”بسبب شيوع دعاوي سلبية مفهومها لدى غالبية اهل السودان” وهي غالبية ذات آفاق فكرية محدودة استغلتها الطائفية والنخب المتحالفة معها في حكم السودان بعد الاستقلال.