السودان الان السودان عاجل

جريدة لندنية : السودان بين حكومتين… تصاعد المواجهات السياسية والعسكرية

مصدر الخبر / العربي الجديد

 

في تطور أثار التحذيرات والمخاوف في السودان، قامت جماعات سياسية وحركات مسلحة متحالفة مع قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني بالتوقيع على ميثاق سياسي في العاصمة الكينية نيروبي ليلة السبت – الأحد، وذلك لتشكيل “حكومة سلام ووحدة” في المناطق التي تسيطر عليها “الدعم السريع”. ينص الميثاق على أن يكون السودان “دولة علمانية وديمقراطية ومركزية”. في المقابل، تسعى الحكومة السودانية التي يقودها الجيش لتشكيل حكومة جديدة وسط تزايد النزاع بين الجيش و”الدعم السريع” في عدة جبهات، مع تقدم الجيش المستمر، خاصة في العاصمة الخرطوم حيث تدور أقوى المواجهات في الوقت الحالي.
يشهد السودان منذ 15 إبريل 2023 نزاعاً عسكرياً بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). كلا الطرفين تحت وطأة عقوبات فرضتها الولايات المتحدة في يناير الماضي. وقد تسببت الحرب في دمار واسع في المدن والقرى والبنية التحتية للبلاد، وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى والجرحى ونزوح ملايين الأشخاص، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.
تعديلات دستورية وحكومة موازية
في يوم الخميس الماضي، قامت الحكومة السودانية بإجراء تعديلات على الدستور الانتقالي للبلاد (الوثيقة الدستورية) من أجل تعزيز سيطرة الجيش، حيث تم حذف الإشارة إلى الشركاء المدنيين السابقين وقوات الدعم السريع. وتعتبر هذه التعديلات أول تغييرات شاملة على الوثيقة منذ اندلاع النزاع، وقد جاءت بعد أيام من إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان استعداده لتشكيل “حكومة تصريف أعمال أو حكومة حرب” خلال المرحلة المقبلة لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية.
مجدي عبد القيوم: توجد العديد من التعقيدات التي تحيط بتكوين وعمل التحالف الجديد.
استدعت وزارة الخارجية السودانية، يوم الخميس الماضي، السفير السوداني لدى كينيا، كمال جبارة، للتشاور، وذلك احتجاجاً على استضافة كينيا لاجتماعات “الدعم السريع” وحلفائها التي أدت إلى توقيع الميثاق السياسي الذي يمهد لتشكيل الحكومة الموازية. وأصدرت الوزارة بيانًا في نفس اليوم اعتبرت فيه أن الاجتماعات التي عقدتها “الدعم السريع” وحلفاؤها في نيروبي تمثل “تتويجًا للدعم الذي تقدمه الرئاسة الكينية للمليشيا الإرهابية في مجالات متعددة، وأصبحت نيروبي نتيجة لذلك واحدة من المراكز الرئيسية للأنشطة السياسية والدعائية والمالية واللوجستية للمليشيا. كما أن الرئيس الكيني (ويليام روتو) سبق أن استقبل قائد المليشيا الإرهابية استقبالاً مميزًا”.
تشارك في التحالف الذي قاد التوقيع على الميثاق السياسي لحكومة “الدعم السريع” وحلفائها مجموعة من الكيانات السياسية والحركات المسلحة، بالإضافة إلى مجموعة من الشخصيات البارزة، من بينها ثلاثة من أعضاء مجلس السيادة السوداني السابق، وهم محمد حسن التعايشي، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، ورئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الهادي إدريس. كما يشمل التحالف رئيس الحركة الشعبية شمال (في ولاية جنوب كردفان) عبد العزيز الحلو، والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل إبراهيم الميرغني، ورئيس حركة العدل والمساواة سليمان صندل، ورئيس حزب الأسود الحرة في شرق السودان مبروك مبارك سليم، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، بالإضافة إلى نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو.
أعلن وزير الخارجية السوداني علي يوسف يوم الأحد أن حكومته “لن تعترف” بأي حكومة موازية، وذلك خلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري بدر عبد العاطي في القاهرة. من جهته، صرح وزير الإعلام السوداني خالد الإعيسر بعد توقيع الميثاق السياسي لحكومة “الدعم” وحلفائها، بأن أبناء دارفور وجنوب كردفان الوطنيين لديهم فرصة تاريخية جديدة للتخلص من القيادات الانتهازية الضعيفة التي استولت على أصواتهم لسنوات طويلة، وتحولت إلى أدوات لتنفيذ مشاريع استعمارية خارجية تهدف إلى نهب الثروات وإدخال الحروب والدمار. وأضاف في تصريح نشره على صفحته على “فيسبوك” يوم الأحد، أنه “لا صوت يعلو فوق صوت الشعب السوداني”، وأنه “متيقنون بأن شعبنا في تلك المناطق لديه تاريخ طويل في مقاومة الاستعمار ومحاربة أفكار الانقسام والتفكك”، مشددًا على أن توقيع أي اتفاق شكلي في “ورقة أفكار مسمومة” خارج البلاد وتنفيذه على الأرض السودانية “لن يكون إلا أحلامًا غير قابلة للتحقيق”.
وفي تعليقه على تشكيل حكومة “الدعم”، اعتبر المحلل السياسي مجدي عبد القيوم، في حديثه مع “العربي الجديد”، أن الأمر حتى الآن يقتصر على توقيع ميثاق سياسي كما يبدو، مشيراً إلى أن الحديث عن إنشاء حكومة موازية يتضمن تعقيدات ذاتية تتعلق بقوى هذا التحالف، من حيث تناقض الأسس والرؤى وحتى جغرافيا هذه الحكومة أو المناطق التي تعمل فيها. كما أضاف أن هناك تعقيدات أخرى موضوعية مرتبطة بالمشاكل الدبلوماسية والسياسية وتقاطعاتها القانونية، والتي تتعارض حتى مع مواثيق الاتحاد الأفريقي.
استبعد عبد القيوم أن ينجح هذا التحالف في تشكيل حكومة، إذ قال إن “إعلانه سيكون بلا شك بمثابة إعلان عن مولود ميت يدفن بعد خروجه من بطن أمه”. وأضاف: “لذا فإن مسألة تشكيل الحكومة لا تتعدى كونها ورقة ضغط، أما كتحالف فهو مشابه للعديد من التحالفات الأخرى الموجودة، وليس له تأثير أكبر منها، والسبب بسيط، فإذا نظرت إلى مكوناته، ستجد أنها تيارات مشابهة لمكونات التحالفات الأخرى”.
إبراهيم مخير: ما أنجزناه سيفتح المجال لمشاركة أوسع للسودانيين من كلا الجانبين للدخول في حوار سياسي يهدف إلى تحقيق السلام وضمان الوحدة.
قدم المحلل السياسي مثالًا على الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وحزب الأمة، وهما من أكبر الأحزاب، ويتواجدان في تحالفات أخرى، بالإضافة إلى حزب المؤتمر الشعبي، والحركة الشعبية شمال، وحركة العدل والمساواة. وبالتالي، لا يوجد تأثير كبير لهذا التحالف الجديد في ظل التنافس القائم بين هذه التيارات التي تتصارع على السلطة داخل أحزابها.
حكومة “أنصار التغيير” في السودان
رأى مجدي أن “الحكومة السودانية، رغم كونها حكومة أمر واقع مثل كثير من الحكومات في المنطقة، إلا أنها تحظى بدعم شعبي واسع، في ظل مواجهة البلاد لغزو ومؤامرة دولية وإقليمية تقودها أطراف معروفة تهدف إلى تقسيم البلاد ونهب مواردها. وبالتالي، فإن الموقف الأخلاقي والقيمي يصب في صالحها، بالإضافة إلى وجود ممثلين للسودان في الهيئات والمنابر الدولية والإقليمية”. ومع ذلك، حذّر من “التقليل من خطورة هذا الوضع الذي تواجهه البلاد، ولكن كما يقول المثل: هناك من كان أذكى”.
من جانبه، ذكر مستشار القائد العام لقوات الدعم السريع، إبراهيم مخير، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الناس يفهمون أن الجيش السوداني قد انقسم بين طرفين؛ أحدهما يسعى لتغيير النظام والمضي نحو المشاركة والديمقراطية وتوسيع دائرة اتخاذ القرار السياسي، والآخر يرغب في إبقاء الوضع كما هو عليه، أي استمرار السيطرة السياسية والاقتصادية للجيش على مصير السودانيين. وأشار مخير إلى أن هذا الانقسام “أدى إلى استقطاب حاد، وحاولت قيادة قوات الدعم السريع تجنبه من خلال الاستجابة المستمرة للمبادرات الوطنية والدولية للتفاوض كآلية لوقف الحرب، لكن جميعها باءت بالفشل بسبب تعنت الجيش الذي تسيطر عليه الحركة الإسلامية العالمية التي تتمسك بالسودان، لأنه يعتبر آخر قواعد نفوذها الجغرافية وتمثيلها الحكومي في العالم”، حسب رأيه.
وأكد مخير أنه بعد فشل مبادرة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في إقناع البرهان بالتوقيع على اتفاق أديس أبابا للمبادئ الذي تم التوصل إليه بينه وبين الدعم السريع (2 يناير 2024)، بالإضافة إلى تجميد المفاوضات الأمريكية السعودية في جدة، وانهيار المفاوضات الإنسانية في جنيف بسبب تغيب الجيش المتعمد، كان من الضروري للأنصار المطالبين بالتغيير الإعلان عن حكومة قادرة على تقديم موقف موحد بشأن تقديم الخدمات للمتأثرين بالحرب وفتح الأبواب أمام المفاوضات السياسية للمدنيين بعد أن كانت مقتصرة على العسكريين. وأضاف: “هذا العمل الذي قمنا به سيفتح المجال لمشاركة أوسع للسودانيين من الجانبين للدخول في حوار سياسي يهدف إلى تحقيق السلام وضمان الوحدة بدلاً من لغة العسكر القاسية في المفاوضات، كما سيؤدي إلى شرعية دخول الإغاثة إلى مناطق أوسع متأثرة بالحرب بعد أن كانت محدودة بمناطق سيطرة الجيش”. وأشار إلى أنه من خلال ذلك “يمكنك أن ترى أن فرص الوحدة تزداد، وكذلك فرص التماهي من أجل السلام أصبحت أكبر مقارنة بالماضي”.

عن مصدر الخبر

العربي الجديد