عزز رئيس مجلس السيادة، الذي يشغل أيضاً منصب القائد العام للجيش السوداني، سلطته بشكل ملحوظ بعد إقراره تعديلات جديدة على الوثيقة الدستورية لعام 2019. جاء هذا التطور بعد ساعات من توقيع مجموعة من القوى السياسية والعسكرية، بما في ذلك قوات الدعم السريع، على ميثاق سياسي في نيروبي يهدف إلى إنشاء سلطة موازية لحكومة بورتسودان. هذه الخطوة تعكس تحولاً كبيراً في المشهد السياسي السوداني، حيث يسعى البرهان إلى تعزيز قبضته على الحكم في ظل الظروف الحالية.
أثار هذا الإجراء جدلاً واسعاً بين خبراء القانون الدستوري، الذين اعتبروا أن ما قام به البرهان لا يمكن وصفه بالتعديلات، بل هو تعبير عن “أجندة سياسية” تهدف إلى تعزيز التحالف مع الإسلاميين ومنحهم مزيداً من السلطة في المرحلة المقبلة. هذه الانتقادات تشير إلى مخاوف من أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات السياسية في البلاد، وتزيد من تعقيد جهود تحقيق الاستقرار.
بموجب التعديلات الجديدة، تم منح البرهان صلاحيات واسعة تشمل تعيين وإعفاء رئيس الوزراء بناءً على توصية من السلطة التشريعية الانتقالية، كما تم تمديد الفترة الانتقالية إلى 39 شهراً كحد أقصى، ما لم يتم التوصل إلى توافق وطني أو إجراء انتخابات. هذا يعني أن البرهان سيبقى في موقعه لفترة أطول، مما يثير تساؤلات حول مستقبل العملية السياسية في السودان. وقد أصبحت هذه التعديلات نافذة المفعول بعد نشرها في الجريدة الرسمية، مما يعكس سرعة تنفيذ هذه القرارات.
كما تم الاتفاق على تشكيل “مجلس السيادة” من 11 عضواً، حيث تعين القوات المسلحة السودانية 6 منهم، في حين تترشح الأطراف الموقعة على “اتفاق جوبا” للسلام 3 أعضاء، مع حرص على تمثيل المرأة ومختلف أقاليم السودان.
منح رئيس المجلس، عبد الفتاح البرهان، سلطة تعيين وإعفاء حكام الأقاليم وولاة الولايات، وكذلك تعيين وإعفاء رئيس القضاء ونوابه، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من مجلس القضاء العالي (الذي يعينه البرهان). كما تشمل صلاحياته تعيين وإعفاء المراجع العام وفقًا للقانون.
ويرأس البرهان أيضاً جميع القوات النظامية الأخرى، بالإضافة إلى أنه يقوم بتعيين وإعفاء مدير الشرطة وهيئة قيادة الشرطة بناءً على اقتراح وزير الداخلية، وكذلك تعيين وإعفاء مدير المخابرات العامة ونوابه.
منحت الإجراءات لرئيس “مجلس السيادة” البرهان، الحق في تحديد السياسة الخارجية والإشراف على تنفيذها، وإعلان الحرب بناءً على توصية من “مجلس الأمن والدفاع”، بعد موافقة السلطة التشريعية. كما يحق له أيضًا إعلان حالة الطوارئ بناءً على توصية من مجلس الوزراء، شريطة أن تصادق عليها السلطة التشريعية.
تركزت الإجراءات على تشكيل مجلس الوزراء من رئيس وزراء وعدد من الوزراء ذوي الكفاءات الوطنية المستقلة، بحيث لا يتجاوز عددهم 26 وزيراً. يقوم رئيس الوزراء بتعيينهم بعد الموافقة عليهم من قبل “مجلس السيادة”، باستثناء وزراء أطراف العملية السلمية، وهما وزيري الدفاع والداخلية اللذان يتم ترشيحهما من قبل قيادة القوات النظامية مع مراعاة تمثيل ولايات السودان.
أزالت التعديلات المادة 16 من “الوثيقة الدستورية” التي تتعلق بالتحقيق في جريمة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة المئات من المعتصمين، واستبدلتها بالمادة 8، التي تنص على “العمل من أجل إنهاء الحروب، وتقديم كل من ارتكب جرائم ضد الشعب السوداني للعدالة”.
ومن أهم التعديلات، يتم دمج أي قوات مسلحة أو عسكرية أو شبه عسكرية ضمن القوات النظامية قبل ستة أشهر من انتهاء الفترة الانتقالية، على أن تتحول الحركات المسلحة التي تقاتل حالياً بجانب الجيش إلى كيانات سياسية.
أشار المحامي معتز المدني إلى أن الوثيقة الدستورية التي صدرت في عام 2019 كانت نتيجة اتفاق بين “المجلس العسكري”، الذي كان يتكون من الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”، من جهة، وتحالف “قوى الحرية والتغيير” من جهة أخرى. وبعد انقلاب الجيش على الحكومة المدنية الانتقالية في أكتوبر 2021، فقدت الوثيقة قيمتها.
قال لـ«الشرق الأوسط» إن الهدف من أي اتفاق بين طرفين هو تحقيق تأثير قانوني أو سياسي معين، لكن هذا الأمر لم يعد قائمًا بعد الانقلاب، وتم استبعاد الطرف الآخر، وهو «قوى التغيير».
وأشار إلى أن “الهدف الواضح من هذه التعديلات هو السيطرة على السلطة لتشكيل حكومة تنافس الحكومة الموازية لمجموعة نيروبي، ومع ذلك، تكشف عن حالة من الارتباك الشديد التي تمر بها حكومة بورتسودان”.
تعتبر التعديلات التي تعطي “البرهان” الحق في تعيين وإعفاء رئيس الوزراء والمصادقة على تعيين بعض الوزراء، تدخلاً واضحاً في الجهاز التنفيذي، كما أنها تشير إلى نيات لتمكين حزب النظام السابق والحركة الإسلامية، وتؤكد رغبته في أن يصبح صاحب سلطة فردية مطلقة.
قال الخبير في القانون الدستوري الدكتور سامي عبد الحليم سعيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن الفريق البرهان، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، كان بإمكانه إصدار مراسيم دستورية تتوافق مع الشروط القانونية اللازمة لقيادته حكومة أثناء الحرب.
وأضاف: “إن المراسيم في تلك الظروف تكون مرنة بطبيعتها، وقابلة للتعديل وفقًا للظروف، وهو نهج متبع في حالات الحرب الاستثنائية المشابهة”. وأشار إلى “أن الرئيس المخلوع عمر البشير، استخدم المراسيم الدستورية لمدة تقارب 10 سنوات في ظروف مشابهة، وكان ينبغي على البرهان اتباع النهج نفسه دون الحاجة إلى قواعد دستورية، حيث أن ما قد يناسب اليوم قد لا يكون كافيًا في الغد”.
فيما يتعلق بالسلطة الممنوحة للبرهان كقائد للجيش، أوضح عبد الحليم أن لديه الحق في إصدار مراسيم مؤقتة، لكن يجب أن يأتي إصدار الدستور كجزء من عملية سياسية تهدف إلى إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار السياسي. وأضاف: “أعتقد أن هذه التعديلات الدستورية كانت مبكرة، ولا يوجد مبرر واضح لها”.
من جهة أخرى، اعتبر خبير دستوري تحدث إلى “الشرق الأوسط” – رافضاً الكشف عن اسمه – أن التعديلات على الوثيقة الدستورية تمثل “اتجاهًا سياسيًا لشراكة بين الجيش والإسلاميين”. وأشار إلى ذلك من خلال النص الذي ينص على أن مصادر التشريع يجب أن تشمل مبادئ الدين الإسلامي والمعتقدات الدينية الأخرى، بالإضافة إلى التوافق الشعبي، وقيم وعادات وتقاليد الشعب السوداني.
قال: “إن البرهان أراد من ذكر هذا النص أن يُعلن للإسلاميين أنه يؤيدهم في تبني شعارات دولة الشريعة، وأن ما قيل ضدهم في السابق لم يكن سوى مجرد استهلاك سياسي.”
اعتبر القانوني هذه المواقف “تطرفًا في مواجهة الحملة الموسعة التي تنظمها الحكومة الموازية والتي يُتوقع إعلانها في المناطق التي تسيطر عليها (الدعم السريع)”.
وأضاف: “إن هذه التعديلات تُظهر انتقالاً قيمياً في الدستور من الدولة المدنية إلى دولة الشريعة الإسلامية، وذلك من أجل كسب تأييد حلفائه من القوى الإسلامية.”
من جهته، أشار المحامي حاتم إلياس إلى أن هذه التعديلات “لا تتعلق بالقانون والتشريع، وفي الحقيقة تم إنشاء وثيقة دستورية جديدة على أنقاض الوثيقة السابقة، وتهدف هذه التعديلات إلى إعطاء انطباع بأن الوثيقة لا تزال قائمة وتُطبق”.
وأضاف: “إن كلمة تعديل تحمل دلالات قانونية وتشريعية تتجلى من خلال آليات قانونية ودستورية معينة، وقد غابت هذه المفاهيم منذ الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية، وإبعاد الأطراف الذين أسسوا هذه الوثيقة بموجب شرعية الثورة، وتعطيل العمل بها”. وأوضح: “أن التعديل يتعلق بأمر قائم ونافذ، وليس بترتيبات دستورية وقانونية تم تعطيلها”.
وقال: “نحن في مواجهة وضع قانوني يخضع لسلطة بورتسودان التي تفرضه القوة، والغرض من هذه الإجراءات هو تعزيز السلطة بالكامل في يد البرهان ومؤيدي المؤتمر الوطني”.
رجوع الإسلاميين لا محاله لان تركيا وقطر والقبول المصري والأمريكي واضح وهذا عامل ضغط على البرهان