دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع تفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان، حيث حذر من احتمال حدوث المزيد من الفظائع والمجاعة والنزوح الجماعي. جاء ذلك خلال تقديمه لتقريره السنوي حول الوضع في السودان في الدورة الثامنة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان، حيث وصف الوضع بأنه “كارثة إنسانية” وأكد أن البلاد تقترب من نقطة الانفجار.
في الجلسة التي تلت كلمته، استمعت مجموعة من 50 دولة وجهة دولية، بالإضافة إلى 33 منظمة من منظمات المجتمع المدني، إلى مداخلات حول الأوضاع المتدهورة في السودان. وقد أشار تورك إلى أن الوضع في البلاد يشبه “برميل بارود” مهددًا بانفجار وشيك، محذرًا من أن هناك خطرًا متزايدًا من الجرائم الفظيعة والوفيات الجماعية الناتجة عن المجاعة.
كما أوضح تورك أن النزاع المستمر في السودان أدى إلى تفشي المجاعة والنزوح واللجوء، مما أثر بشكل كبير على الخدمات الأساسية، حيث توقفت 70% من المنشآت الصحية عن العمل. هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني، مما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلاً لتقديم الدعم والمساعدة اللازمة.
صرح تورك أن انتهاكات حقوق الإنسان، مثل العنف الجنسي وتجنيد الأطفال والهجمات العشوائية، أصبحت شائعة جدًا، وهناك احتمال أن تُعتبر بعض هذه الأفعال جرائم حرب.
أشار إلى وجود حالات إعدام دون مراعاة الاجراءات القانونية ضد مدنيين تعرضوا للاعتداء بسبب هوياتهم. كما نبه إلى تزايد خطاب الكراهية الذي يساهم في حدوث انقسامات. كما أشار إلى تراجع الفضاء المدني واعتقال الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بشكل تعسفي.
دعوة للسلام
ودعا الأطراف المتصارعة في السودان إلى المشاركة في مفاوضات السلام، وتوفير الحماية للمدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية. كما نادى المجتمع الدولي بفرض حظر على الأسلحة والعمل على تحقيق حوار سياسي شامل لاستعادة الحكم المدني.
قال “نحن بحاجة لاتخاذ خطوات عاجلة الآن لإيجاد حل للسلام”، ودعا جميع الدول المؤثرة إلى بذل جهد دبلوماسي وسياسي على الأطراف المعنية من أجل تحقيق وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بدون أي عراقيل.
وأضاف “يجب عليهم أيضاً ضمان الالتزام بحظر الأسلحة المفروض على دارفور، مع إمكانية توسيعه ليشمل كافة أنحاء البلاد”. كما دعا إلى توسيع نطاق تفويض المحكمة الجنائية ليغطي السودان بأكمله.
توقع المدافع عن حقوق الإنسان محمد صالح ياسين أن تؤدي المناقشات إلى اتخاذ إجراءات تتعلق بالسودان، مع التركيز على بعثة تقصي الحقائق والسماح لها بالوصول إلى السودانيين في الداخل وفي الدول المجاورة. كما دعا إلى إطلاق حملة وطنية لوقف الحرب وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان بشكل جيد.
ويقول فولكر تورك: “نحن على حافة الهاوية. وتُحذر الوكالات الإنسانية من أنه إذا لم يتم اتخاذ خطوات لإنهاء الحرب، وتوفير المساعدات العاجلة، واستئناف الأنشطة الزراعية، فقد يفقد مئات الآلاف حياتهم.”
مع تصاعد القتال في مختلف أنحاء البلاد، شهدنا مستويات مروعة من العنف الجنسي. حيث شكلت أكثر من نصف حالات الاغتصاب المبلغ عنها نوعًا من الاغتصاب الجماعي، مما يشير إلى أن العنف الجنسي يُستخدم كأداة في النزاع. ولم يُبلغ عن العديد من حالات العنف الجنسي بسبب الوصمة الاجتماعية والخوف من الانتقام وانهيار المؤسسات الطبية والقضائية.
يُنسب تجنيد الأطفال من كلا الطرفين والميليشيات المتحالفة معهما جزئياً إلى الفقر وإغلاق المدارس. وفي بعض الحالات، انخرط الأطفال في القتال لحماية عائلاتهم.
يستمر تضييق الفضاء المدني، حيث يواجه المتطوعون في المجتمع المدني والصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان خطر الاعتقال التعسفي والتعرض للتعذيب وسوء المعاملة. وقد قُتل ما لا يقل عن 12 صحفياً خلال الفترة التي يغطيها التقرير، من بينهم اثنان كانا محتجزين.
ودعا تورك المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية من أجل الوصول إلى حل سلمي.
على الرغم من جهود الوساطة المتواصلة، فإن السودان يواجه أزمة سياسية بينما تستمر أعمال العنف بلا توقف. ولم يكن خطر التصعيد بهذه الدرجة من الشدة كما هو الآن. وأشار إلى أن “التحركات الأخيرة نحو إقامة سلطة حاكمة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع قد تؤدي على الأرجح إلى تعزيز الانقسامات وزيادة خطر استمرار الأعمال القتالية”.
وأضاف أن هناك تنافساً حاداً للسيطرة على الموارد الطبيعية والأصول الحيوية والمصالح الاقتصادية، مما جعل الطرفين يسعيان إلى إقامة تحالفات إقليمية ودولية للحفاظ على اقتصاد الحرب.
إن موقع السودان عند تلاقي عدة مناطق إقليمية يجعل هذا الصراع يشكل تهديدًا جديًا للسلام والاستقرار في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل وما وراءهما.
إن تدفق الأسلحة من خارج البلاد، بما في ذلك الأسلحة الحديثة والمتطورة، يمثل تهديدًا خطيرًا.
ودعا جميع الدول إلى استغلال نفوذها لممارسة الضغط الدبلوماسي والسياسي على الأطراف المعنية وحلفائهم الإقليميين والدوليين من أجل تحقيق وقف إطلاق النار، وضمان حماية فعّالة للمدنيين، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية دون أي عوائق.
ودعا إلى ضرورة التحرك نحو إجراء حوار شامل يعكس تنوع الشعب السوداني ويفتح الطريق للانتقال إلى حكومة مدنية تلبي تطلعات الشعب السوداني.
عبر ممثلو الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وممثلو منظمات المجتمع المدني عن قلقهم حيال الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي أثناء الحرب في السودان.
طالب الممثلون أثناء حديثهم في جلسة الحوار التفاعلي لمجلس حقوق الإنسان حول السودان بضرورة وضع حد للإفلات من العقاب.
من جهته، صرح وزير العدل السوداني، معاوية محمد عثمان، بأن تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان غير شامل وغير دقيق في التوثيق، موجهًا انتقاداته لاستخدام تعبير “أطراف الصراع”.
اتهم الدعم السريع بإذلال الأقليات العرقية واستهدافها بناءً على خلفياتها الإثنية، وأشار إلى أن الدعم الخارجي والأسلحة المتطورة القادمة من الإمارات ساهمت في استمرار النزاع.
من جهته، أكد مندوب الإمارات، خلال الجلسة، نفيه للاتهامات واعتبرها زائفة.
اتهم وزير العدل قوات الدعم السريع باحتجاز عشرة آلاف شخص في مراكز احتجازها، مما يؤدي إلى وفاة المئات يومياً.
مخاوف من تمزيق البلاد
من ناحيتها، ذكرت هناء التجاني، ممثلة الشبكة الشبابية للمراقبة المدنية، خلال اجتماع مجلس حقوق الإنسان، أن قوات الدعم السريع قامت باستهداف المدنيين في مناطق زمزم، ود النورة، والسريحة في الجزيرة، وأيضًا في القطينة بالنيل الأبيض.
بينما قامت القوات المسلحة بشن هجمات على المدنيين في دارفور وكردفان، نفذت عمليات إعدام بحقهم.
وطالبت بفرض عقوبات على الدول التي تمد الأطراف بالأسلحة.
كما طالبت بإنشاء آلية دولية لمحاسبة مرتكبي الجرائم خلال النزاع المستمر.
وأشارت إلى أن التعديلات على الوثيقة الدستورية وتوقيع الميثاق التأسيسي قد تؤديان إلى تفكيك البلاد.
قتل جماعي
ممثل الاتحاد الأوروبي في اجتماع مجلس حقوق الإنسان حول السودان أشار إلى أن المدنيين في السودان يتعرضون لعمليات قتل جماعي على يد القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.
ودعا إلى إنهاء النزاع والوصول إلى حكومة مدنية، كما نحث على التعاون مع آليات التحقيق في الحقائق.
انتهاكات ضد متطوعين
أوضح ممثل ألمانيا أن أعضاء المجتمع المدني يتعرضون للتهديدات والانتهاكات من قبل أطراف النزاع.
بدوره، صرح ممثل لوكسمبورغ أن المدنيين باتوا رهائن لدى البرهان وحميدتي.
أما ممثل هولندا فقد أعرب عن إدانته لانتهاكات حقوق الإنسان وطلب ضرورة المساءلة وتوثيق هذه الانتهاكات.
لقد أشار إلى أن انتشار العنف الجنسي والجنساني هو أمر مرفوض ويجب إنهاء الحرب.
من جهتها، دعت غانا بصفتها ممثلة المجموعة الإفريقية إلى تنفيذ اتفاق جدة، مؤكدةً على ضرورة التوصل إلى حل سلمي من خلال الحوار من أجل الانتقال إلى الديمقراطية.
أثنى ممثل المملكة العربية السعودية على تعاون السودان مع آليات حقوق الإنسان. في حين أشار ممثل الكويت إلى وحدة السودان وسلامة أراضيه واستقرار مؤسساته.