احدث الدستور الانتقالي الذي تم توقيعه من قبل تحالف التأسيس في نيروبي جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاجتماعية، حيث حدد فترة تأسيسية تمتد لعشر سنوات وقام بتقسيم البلاد إلى ثمانية أقاليم. كما تضمن الدستور الجديد نقاطاً هامة مثل حق تقرير المصير واعتناق العلمانية، مما يعكس توجهات جديدة في إدارة شؤون البلاد. هذه التغييرات أثارت تساؤلات حول مدى تأثيرها على مستقبل السودان واستقرار الأوضاع السياسية فيه.
في حديثه مع راديو دبنقا، أعرب الخبير القانوني المحامي المعز حضرة عن رأيه بأن الدستور الانتقالي لا يقدم أي جديد يذكر، مشيراً إلى أنه لا يختلف كثيراً عن الدساتير السابقة التي تم اقتراحها من قبل مختلف المجموعات السودانية. وأوضح أن الاختلافات التي قد تبدو موجودة تقتصر على بعض المصطلحات، مثل مصطلح العلمانية الذي تم طرحه سابقاً بمعنى مدنية الدولة، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذه التعديلات في تحقيق التغيير المنشود.
من جانبه، أكد عمار أمون، السكرتير العام للحركة الشعبية بقيادة الحلو، خلال مؤتمر صحفي عُقد أمس، أن الميثاق التأسيسي والدستور الانتقالي يتضمنان نصوصاً تدعم العلمانية وتحظر إنشاء أي حزب على أساس ديني. وأشار إلى أن عدم إقرار العلمانية في الدستور الدائم قد يدفع الشعوب السودانية إلى ممارسة حقها في تقرير المصير، مما يعكس القلق المتزايد حول مستقبل الهوية الوطنية في ظل التحديات السياسية الراهنة.
رأى المعز حضرة أن الدستور يتضمن نقاطًا جديدة، منها حق تقرير المصير للشعوب السودانية في حال عدم اعتماد علمانية الدولة، وهو أمر في غاية الأهمية. كما أضاف إقليمًا جديدًا وهو إقليم الفونج، مشيرًا إلى أن هناك ستة أقاليم كانت موجودة سابقًا، وهي الإقليم الشرقي، والغربي، والأوسط، والجنوبي، والشمالي.
قال المعز حضرة إن الظروف الراهنة التي يمر بها السودان بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل غير ملائمة لصياغة الدستور وإقرار مثل هذه المصطلحات مثل (العلمانية).
من جهته، يعتبر الدكتور نصر الدين عبدالباري، وزير العدل السابق، أن الدستور الذي تم اعتماده في نيروبي هو أول دستور في السودان يثبت العلمانية، واصفًا ذلك بأنه تطور مهم.
أكد المعز حضرة أن الدستور ينبغي أن يتم التوافق عليه من قبل جميع السودانيين، مما يستلزم جلوس الجميع حول طاولة مستديرة لتحديد مصير وطنهم تحقيقًا لوحدة الشعوب التي تشكل السودان. وأشار إلى أن حرب 15 أبريل أدت إلى ظهور واقع جديد زادت فيه الهوة بين المكونات السودانية، وانتشر خطاب الكراهية، مما يستدعي التفكير في طرق لتوحيد هذه المكونات بدلاً من توسيع الهوة بينها.
يعتقد حضرة أن الوضع الراهن يتطلب التفكير بطرق غير تقليدية بدلاً من فرض الوصاية كما حصل سابقًا من قبل ما يسميه جماعة الإسلام السياسي، التي تسعى لفرض الهوية العربية الإسلامية في بلد وصفه بالتنوع. وأشار إلى أن هناك مجموعتين تسعيان كل منهما لفرض واقع معين في البلاد، موضحًا أن هاتين المجموعتين لا يمكن أن تحددا مصير هذا التنوع الكبير.
حدد الدستور ثمانية أقاليم للسودان، وهي: إقليم الخرطوم، الإقليم الشرقي، الإقليم الشمالي، إقليم دارفور، الإقليم الأوسط، إقليم كردفان، إقليم جنوب كردفان/جبال النوبة، وإقليم الفونج الجديد.
قال المعز حضرة إن نظام الأقاليم الثمانية يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة بسبب عوامل تتعلق ببناء الدولة والحاجة إلى ميزانيات ضخمة. وأكد في نفس الوقت أن الوضع الحالي لا يستدعي ذلك، بل يتطلب إنهاء الحرب والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
فيما يتعلق بالمبادئ التي تفوق الدستور والتي أقرها، والمتعلقة بالعلمانية والوحدة الطوعية وتقرير المصير وحقوق الإنسان والديمقراطية وتجريم أي خطوات ديكتاتورية، أوضح المعز حضرة أن الأولوية ليست في تضمين هذه المبادئ. وأكد أن السودانيين يحتاجون الآن للجلوس معاً من أجل إزالة الأحقاد الناتجة عن الحروب العديدة التي شهدها السودان. وشدد على أهمية تحقيق التصافي قبل العمل على صياغة دستور يمثل كافة السودانيين بمختلف ثقافاتهم وأديانهم وأعراقهم.
أكد الخبير القانوني المعز حضرة أن هناك العديد من التفاصيل التي لا تتعلق بالدستور بل بالقوانين الخاصة الأخرى. واعتبر ما ذُكر حول المجلس التشريعي ومجلس الأقاليم فكرة إيجابية، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى وجود تعارض في الاختصاصات بسبب الصياغة، مما قد يؤدي إلى حدوث نزاعات.
نص الدستور على إنشاء مجلس رئاسي يتكون من 15 عضوًا، ومجلس نواب (تشريعي) يضم 177 عضوًا، بالإضافة إلى مجلس أقاليم مكون من 24 عضوًا.
انتقد حضرة الدستور لأنه منح سلطات فض النزاعات الدستورية للمحاكم الأدنى. وأوضح أن هذه النزاعات تتطلب محاكم تمتلك الخبرة اللازمة، وهي قد تكون غير متوفرة في المحاكم الأدنى. واعتبر المعز حضرة هذه التفاصيل بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة عند تفسيرها.
نص الدستور على ضرورة فصل الهويات الثقافية والعرقية والإقليمية عن مؤسسات الدولة.
وصف المعز حضرة هذه الخطوة بأنها غير جيدة، مؤكداً أنه لا توجد أي مشكلة في الهوية الثقافية السودانية. وقال: “إذا كنا نريد كسودانيين أن نكون دولة مستقرة، فلماذا نفصل هذه الهويات؟” وأوضح أن هذه الهويات المختلفة أصبحت جزءًا أساسياً من الشخصية السودانية، ويجب أن تتجمع في إطار واحد ليتمكن كل فرد أو جهة من التعبير عن ثقافته وهويته دون تفريق.
من جهته، شدد عمار أمون، السكرتير العام للحركة الشعبية، على أن الميثاق يرفض أن تكون الأيديولوجية الدينية أو العرقية هي الهوية التي تمثل الدولة السودانية.
قال الدكتور نصر الدين عبدالباري إنه ولأول مرة يتضمن الدستور في السودان فصل الدولة عن الهويات الثقافية والعرقية والجهوية. وأوضح أن السودان يتميز بتنوع يشمل العرب والأفارقة، والمسلمين والمسيحيين وأديان أخرى، منتقدًا تمثيل السودان منذ عام 1955 كدولة عربية وإسلامية، وأضاف: “نسعى لتصحيح هذه الصورة غير الدقيقة”.
من جهته، صرح الدكتور نصر الدين عبدالباري أنهم اختاروا تشكيل حكومة بسبب معاناة 25 مليون شخص في المناطق التي تسيطر عليها الحركات المسلحة من نقص التعليم والرعاية الصحية، بالإضافة إلى ممارسات تمييزية تتعلق بالوثائق الثبوتية ومحاولات إجبارهم على مغادرة البلاد. وأكد في مؤتمر صحفي في نيروبي بأن الحروب قد تستمر فترة تتراوح بين 10 إلى 25 عاماً.
أكدوا رفضهم تقسيم السودان، مشيرين إلى أن الميثاق ينص على الوحدة الطوعية المبنية على أساس العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أفادوا بأن الدستور يحتوي على وثيقة شاملة للحقوق تتضمن آليات لحماية حقوق الإنسان من خلال النظام القضائي.
من جهته، أشار حماد عبد الرحمن، القيادي في حزب الأمة القومي ووالي غرب كردفان السابق، خلال المؤتمر الصحفي إلى أن الحكومة المقبلة ستسعى لإنشاء سجل مدني وطباعة مستندات رسمية وإصدار جوازات سفر، متهمًا السلطات في بورتسودان بمنع المواطنين في مناطق سيطرة الدعم السريعت من الحصول على هذه الوثائق. كما ستعمل الحكومة على إنشاء نظام مصرفي وطباعة عملة جديدة.
أكد أن القوات المسلحة في تحالف التأسيس ستعمل على تشكيل قوة عسكرية موحدة لمواجهة الأعمال العدائية وتحقيق السلام.