يستند التقرير الذي يغطي الفترة من بداية النزاع في 15 أبريل 2023 وحتى يونيو 2024 إلى 34 مقابلة مع معتقلين سابقين وشهود وأفراد من أسرهم، حيث قاموا بمشاركة تجاربهم مع المفوضية. هذه الشهادات تسلط الضوء على الأوضاع المأساوية التي يعيشها المعتقلون، مما يعكس حجم المعاناة التي تعرضوا لها خلال فترة النزاع.
كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة عن وجود نمط متكرر من الاحتجاز التعسفي، بالإضافة إلى التعذيب وسوء المعاملة التي يتعرض لها المساجين، فضلاً عن الظروف غير الإنسانية في مراكز الاحتجاز التي تديرها قوات الدعم السريع والجيش السوداني في ولاية الخرطوم. هذه الممارسات ليست جديدة، بل تم توثيقها في مناطق أخرى من السودان تأثرت بالنزاع، مما يبرز أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في البلاد.
في التقرير الذي صدر يوم الخميس، أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بأن النزاع أدى إلى احتجاز عشرات الآلاف من الأفراد، بما في ذلك النساء والأطفال، دون توجيه أي تهم قانونية. وأشار التقرير إلى أن ظروف الاحتجاز كانت “سيئة ومكتظة”، مع وجود تواصل محدود أو حتى انعدام التواصل مع عائلاتهم، مما يزيد من معاناتهم ويعكس انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
في هذا السياق، صرح المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، بأنه “لا ينبغي حرمان أي شخص من حريته دون اتباع الإجراءات القانونية المعمول بها، كما ينبغي ألا يتعرض لأي شكل من أشكال التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تحت أي ظرف”.
يعتمد التقرير، الذي يغطي الفترة من بداية الصراع في 15 أبريل 2023 حتى يونيو 2024، على 34 لقاءً مع محتجزين سابقين، وشهود، وأفراد من الأسر، الذين شاركوا تجاربهم مع المفوضية.
قدّم محتجزون سابقون شهادات موثوقة عن حالات فظيعة من التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الضرب الشديد والمتكرر في أماكن الاحتجاز.
كما قاموا بتوصيف الأوضاع السيئة في مراكز الاحتجاز المكتظة للغاية، مع قلة الوصول إلى خدمات الصرف الصحي فيها، ونقص الغذاء والماء.
وقالوا إن العديد من المعتقلين لقوا حتفهم أثناء احتجازهم نتيجة نقص العلاج في مراكز قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
يعمل التقرير على توثيق انتهاكات تشمل استخدام أطفال دون الرابعة عشرة من العمر كحراس من قبل قوات الدعم السريع، وخاصة في سجن سوبا، بالإضافة إلى احتجاز أطفال لا تتجاوز أعمارهم 13 عاماً مع بالغين.
تم الإبلاغ عن حالات من العنف والاستغلال الجنسي بحق المحتجزات في مرفقين للاحتجاز تحت إدارة قوات الدعم السريع.
علاوة على ذلك، أشار المعتقلون السابقون إلى وجود تمييز مبني على العرق والانتماء المفترض للأطراف المعارضة في النزاع، حيث زُعم أن أفرادًا من قبائل أفريقية تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة بشكل متكرر في مراكز قوات الدعم السريع.
تمت الإشارة إلى أن أفرادًا من دارفور وكردفان، بما في ذلك بعض المنتمين إلى القبائل العربية، تعرضوا للتمييز وواجهوا الاحتجاز في منشآت القوات المسلحة السودانية بناءً على أسس عرقية ووفقًا للاعتقاد بانتمائهم المفترض إلى قوات الدعم السريع.
بينما يسلط التقرير الضوء على الممارسات داخل مراكز الاحتجاز في ولاية الخرطوم، قامت مفوضية حقوق الإنسان بتوثيق أنماط مشابهة في مناطق أخرى من السودان، بما في ذلك إقليم دارفور وولاية الجزيرة.
في الأشهر الماضية، ومع استعادة القوات المسلحة السودانية السيطرة على بعض المناطق، حصل المكتب على تقارير موثوقة تشير إلى قيام قوات الدعم السريع بنقل المعتقلين من مواقع الاحتجاز التي ذُكرت في التقرير إلى أماكن أخرى.
وأشار المفوض السامي إلى أن هذه الممارسات “تثير قلقًا كبيرًا، وتزيد من احتمالات انتهاك المعايير والقوانين الدولية لحقوق الإنسان، كما تهدد الإجراءات القانونية الواجبة وتهيّئ لزعزعة سيادة القانون”.
حثت المفوضية السامية لحقوق الإنسان جميع الأطراف المتنازعة على التوقف فورًا عن ممارسات الاعتقال التعسفي والتعذيب وغيرها من أشكال المعاملة السيئة، والعمل على تحسين ظروف الاحتجاز، وتسهيل الوصول إلى العدالة.
عبّر مجلس الأمن الدولي بدوره عن مخاوفه الكبيرة بشأن توقيع ميثاق لإنشاء جهة حاكمة بديلة في السودان، وأكد أن هذه الخطوات “تشكل خطرًا بتصعيد النزاع القائم في السودان، وتفتيت البلاد، وتفاقم الحالة الإنسانية التي تسوء بالفعل”.
أكد أعضاء مجلس الأمن في بيان لهم التزامهم القوي بسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، وأبرزوا أن أي إجراءات أحادية قد تؤثر سلباً على هذه المبادئ “تشكل تهديداً لاستقرار السودان والمنطقة بشكل أوسع”.
ودعوا الأطراف المتنازعة إلى العمل على إنهاء الأعمال العدائية فورًا والانخراط بصدق في الحوار السياسي والجهود الدبلوماسية لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار.
رحب أعضاء المجلس بدعوة الاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للإعلان عن توقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، وأعادوا تأكيد دعوتهم لجميع الأطراف للالتزام بالواجبات المحددة في إعلان جدة.
وأشاروا إلى ضرورة إجراء حوار وطني حقيقي وشامل وشفاف يفضي إلى حكومة وطنية حرة ونزيهة يتم انتخابها ديمقراطياً، بعد فترة انتقالية يقودها مدنيون، “لتحقيق طموحات الشعب السوداني نحو مستقبل سلمي ومستقر ومزدهر، بما يتماشى تماماً مع مبادئ الملكية الوطنية”.
حث مجلس الأمن جميع الدول الأعضاء على تجنب التدخل الخارجي “الذي يهدف إلى زيادة حدة الصراع وعدم الاستقرار”، ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق السلام الدائم، والالتزام بالتعهدات المنصوص عليها في القانون الدولي، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.