أسامه عبد الماجد
لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تتفجر الأوضاع في الحركة الشعبية قطاع الشمال بهذه الصورة الديراميكية، وترتقي لدرجة أن يتقدم نائب رئيسها عبد العزيز الحلو باستقالته، بل ويكيل الاتهامات لرفقاء دربه مالك عقار وياسر عرمان ويعلن صراحة عدم تمكنه من العمل مع رئيس الحركة والأمين العام، كفريق واحد، لإنعدام المصداقية لديهم، وتآكل عنصر الثقة بيننا .. وهنا تبرز حزمة من الاسئلة على شاكلة ماهو مصير ومستقبل الحركة؟ وهل سيضرب الانشقاق صفوفها؟ والسؤال الأهم ماذا تخبيء الأيام للحركة.
لكن هناك حزمة من المعطيات من الضرورة استصحابها، وتحليلها لاستخلاص نتائج تمكن من رسم مستقبل الحركة وهي:
أولاً: الانشقاقات في الحركة ليست بالجديدة بل هي بدأت منذ حياة زعيمها د. جون قرنق، وتواصلت حتى اليوم بخروج رياك مشار على رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت.
ثانياً: الخلاف الحالي عنيف جداً، ويختلف عن سابقاته، لجهة أن الحلو حال هاجم ياسر عرمان فقط، وأبدى عدم التعامل والتعاون معه، لصُنفت خطوته بالعنصرية والقبلية، وذلك لأن عرمان لا علاقة له بجنوب كردفان ولا النيل الأزرق، ولكن خلاف الحلو كما ظهر في بيانه أنه صراع مع عقار وعرمان معاً، بإعلانه عدم تمكنه من العمل معهما.
ثالثاً : لن يكسب الحلو من خطوته لسبب بسيط، وهو أن ملف الحركة المالي وعلاقاتها الخارجية، وكذلك الملف السياسي جميعها بيد عرمان، الذي استفاد من وجوده إلى جانب جون قرنق، وياسر هو المعروف لدى المجتمع الدولي.
رابعاً : كان بإمكان الحلو أن يكون موقفه أقوى مما هو عليه حال لم يطرح حق تقرير المصير، وهو قفزة في الظلام، وربما ناور الحلو بهذه الخطوة لجهة أن أصوله من دارفور .. والنوبة ضد هذه الخطوة، كما أن كل أنحاء السودان لن تقدم على هذه الخطوة على الأقل في الوقت الراهن، والجميع يرى ما حل بدولة الجنوب التي تستجدي قياداتها السودان حكومة وشعباً لإنقاذ مواطنيها من المجاعة.
خامساً: يعيش عبد العزيز منذ فترة وضعاً نفسياً سيئاً، عقب كسر ظهر حركة العدل والمساواة في معركة قوز دنقو الشهيرة، والسبب أن الحلو هو المشرف على حركات دارفور، عقب عودته من الولايات المتحدة في العام 2008، وكان ذلك بتوجيه من سلفاكير ميارديت شخصياً، الذي كسر حالة عزلته بإقناعه بالعودة للسودان.. خسارة حركات دارفور أمام القوات المسلحة، هزيمة ثقيلة للحلو.
سادساً: سبب انفجار الحلو الآن في وجة عرمان هو الاهتمام المتعاظم الذي أولاه الأخير بجقود، وكان ذلك خصماً على الحلو الذي يعتمد على ثقله العسكري أكثر من السياسي، حيث قدم عرمان جقود كقيادي عسكري وترقى حتى وصل رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الشعبي.
سابعاً : يعتمد الحلو على الميدان، وقد بدأت قناعات الحركة تتزعزع حيال الاحتفاظ بجيشها، خاصة وأن الرئيس البشير ظل يردد في مناسبات كثيرة (لا جيشين) ، و(لن نكرر نيفاشا)، وذلك يعنى نهاية الحلو وقلة حظوظة مستقبلاً لو تمت تسوية مع الحكومة مستقبلاً.
ثامناً : وبالمقابل فإن خسارة مالك عقار وياسر عرمان أكثر فداحة من خسارة الحلو باستقالته، وذلك لأن موقف عرمان التفاوضي سيكون ضعيفاً، لأن القوة المقاتلة بالجيش الشعبي عمادها أبناء النوبة، وقيادة أركان الجيش تعتمد على النوبة، ويتحرك النوبة الأن تحت مظلة مجلس تحرير إقليم جبال النوبة، ولذلك سارع عقار لعدم اعترافه بتحركات المجلس.
تاسعاً: استقالة الحلو ستقلق عرمان وعقار كثيراً، وستربك حساباتهما لفترة طويلة، وقد توتر علاقاتهما مع النوبة، وغير خاف خروج قيادات من النوبة من صفوف الحركة في وقت سابق من أمثال دانيال كودي وخميس جلاب وتلفون كوكو (تيار العسكر) وتابيتا بطرس (جناح السياسيين) وأخرين.
عاشراً: الحركة الشعبية مثقلة بمشاكل خارجية مثل ضعف التعاطف العالمي معها، وتراجع شعبيتها على الصعيد الاقليمي، في مقابل التقارب الكبير بين الخرطوم وكمبالا وهو خصم على الحركة دون شك.
حادي عشر: عدم تحقيق الحركة الشعبية لانتصارات على الأرض في المنطقتين، أضعف مواقفها السياسية، ولن يُمكن الحركة من التفاوض في المرحلة المقبلة بارتياح، والآن تجد الحركة نفسها مواجهة بمشاكل داخلية وهي في الأصل (الفيها مكفيها).
ومهما يكن من أمر ليس من سبيل أمام الحركة سوى الجنوح للسلام، خاصة بعد الرغبة الملحة لمواطني المنطقتين والتطور الايجابي الذي حدث في الآونة الأخيرة، خاصة في جنوب كردفان.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة آخر لحظة