قبل ساعتين من أذان المغرب، تتجمع النساء مع أطفالهن في طوابير طويلة ومتعرجة أمام مركز إيواء النازحين في مدينة بورتسودان، التي تُعتبر العاصمة الإدارية المؤقتة للسودان. هذا المشهد يتكرر يومياً، حيث يسعى الجميع للحصول على وجبة الإفطار التي تمثل لحظة انتظار مفعمة بالأمل.
تتفاوت الوجبات المقدمة قليلاً من يوم لآخر، ولكن غالباً ما تتكون من عصيدة الذرة، بينما تُعدّ أحياناً “القراصة” المصنوعة من دقيق القمح، والتي تُقدم مع “ملاح الويكة”، وهو طبق يحظى بشعبية كبيرة بين السودانيين خلال شهر رمضان. هذه الأطباق ليست مجرد طعام، بل تحمل في طياتها تقاليد وثقافة غنية تعكس روح الشهر الفضيل.
تبدأ النساء في إعداد الطعام منذ منتصف النهار، حيث يتعين عليهن تجهيز وجبة تكفي لحوالي 500 شخص من النازحين، بينهم عدد كبير من الأطفال. تعتبر هذه الوجبة هي الوحيدة التي يحصلون عليها خلال اليوم، مما يجعلها ذات أهمية كبيرة. ومع ذلك، يواجه العديد من الصائمين صعوبة في الحصول على نصيبهم من هذه الوجبة بسبب نفاد الكمية، مما يزيد من معاناتهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها.
قال أحد النازحين لصحيفة “الشرق الأوسط” إن الأوضاع في رمضان العام الماضي “كانت أفضل بكثير من هذا العام”، مشيرًا إلى أن ذلك يعود إلى تراجع الدعم الذي كانوا يحصلون عليه من المحسنين والمنظمات.
وأشار إلى أنهم كانوا يتلقون دعماً كبيراً من المنظمات والأشخاص الخيرين سواء من داخل السودان أو من خارجه، بالإضافة إلى المساعدات المستمرة التي كانت تصل إلى الدار من سكان المناطق السكنية المحيطة.
يقول المسؤولون إن أكثر من 17 ألف نازح موزعين على 55 مأوى منذ بداية الحرب، ولم يحدث تراجع كبير في هذه الأعداد، على الرغم من استعادة الجيش السوداني لعديد من المناطق الواسعة في الجزيرة وسط البلاد، وأجزاء من مدينة الخرطوم بحري.
لا تزال مراكز الإيواء تستضيف آلاف النازحين الذين جاءوا من مناطق متنوعة في العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى عدد كبير من إقليم دارفور في غرب البلاد. وأفاد بعض النازحين بأن عدداً من مراكز الإيواء قد استلمت حصصها من المساعدات الإنسانية بعد مرور أسبوع على بداية شهر رمضان.
أثرت قلة الدعم بشكل مباشر على غذاء النازحين، حيث تعاني بعض النساء الحوامل والأطفال وكبار السن من سوء التغذية، وتزداد معاناتهم بسبب عدم توفر المال لشراء العلاج، خاصةً بالنسبة لمرضى الأمراض المزمنة. ويقيم معظم الناس في المركز منذ عامين.
قال أحد المشرفين لصحيفة “الشرق الأوسط” في الصباح: “نسمع صرخات الأطفال الجائعين، فهم بحاجة إلى وجبة الإفطار أو المال لشرائها”… وأضاف: “تلجأ بعض الأمهات للعمل في بيع الشاي والطعام في الأسواق، بينما تعمل أخريات في مجال الخدمة المنزلية لتوفير بعض الطعام لأسرهن، مع العلم أن أكثر من 180 أسرة تحتضنها دار الإيواء تعتمد بشكل كامل على دعم أحد المحسنين، الذي يتبرع بـ25 كيلوغراماً من دقيق القمح و2 كيلو من اللحم يومياً”.
من ناحية أخرى، أفاد متطوعون يعملون في المطابخ العامة التي تقدم الطعام للعالقين في مناطق القتال بالعاصمة الخرطوم، أن الوضع خلال شهر رمضان لم يختلف عن الأيام العادية، حيث لا يزال العديد من المواطنين يعتمدون في غذائهم على مطابخ “التكايا”.
تعتبر معظم دور الإيواء مدارس قديمة ومتهالكة تفتقر إلى التهوية الجيدة، بينما توجد بعض الأماكن التي تتكون من خيام مصنوعة من الأقمشة. حاليًا، يواجه عدد من المقيمين مشكلة في ترحيلهم إلى أطراف المدن، حيث تفتقر تلك المناطق إلى الخدمات الأساسية. وقد طالبوا الجهات المعنية بالتدخل لإيجاد حلول لهذه القضية.