أدى التصعيد الخطير في المعارك بوسط العاصمة السودانية الخرطوم إلى تفاقم معاناة سكان الأحياء المستهدفة بالقصف المتبادل بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقد دفع هذا الوضع العديد من الأسر التي عادت مؤخرًا إلى منازلها إلى التهجير مرة أخرى، في ظل الصعوبات الكبيرة التي فرضتها الظروف الأمنية المعقدة في بعض المناطق.
ومنذ يوم السبت، تشتد المعارك بشكل كبير، حيث يركز القتال في مناطق “المقرن” شمال غرب الخرطوم، وفي عدة مناطق في وسط المدينة التي تؤدي إلى القصر الجمهوري المطل على نهر النيل في شمال المدينة.
تباينت التقارير حول القصر الذي تتحكم فيه قوات الدعم السريع، إذ تشير منصات مرتبطة بمجموعات متحالفة مع الجيش إلى أنها قد أحكمت حصارها على القصر واقتربت من استعادته، بينما أكدت منصات تابعة لقوات الدعم السريع أنها تصدت لهجوم بدأ في الساعات الأولى من الصباح، مشددة على وقوع خسائر كبيرة في صفوف الجيش والكتائب التي نفذت الهجوم.
استخدم الجانبان الأسلحة الثقيلة واستمرّا في تبادل القصف المدفعي الشديد الذي أثر على عدد من الأحياء السكنية.
مخاوف كبيرة
زاد التصعيد الأخير من معاناة نحو مليوني شخص لا يزالون يعيشون في العاصمة، التي كان عدد سكانها قبل الحرب يبلغ حوالي 8 ملايين.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، عاد حوالي 300 ألف فرد من إجمالي 6 ملايين شخص كانوا قد فروا من منازلهم بعد اندلاع القتال في أبريل 2023، لكنهم واجهوا واقعًا إنسانيًا صعبًا بسبب انقطاع الكهرباء والمياه في معظم المناطق، فضلاً عن غياب الخدمات الصحية ونقص حاد في الغذاء.
حسب أبوبكر حسين، الذي يعود إلى العاصمة في الأسابيع الأخيرة، فإن تدهور الأوضاع المعيشية الذي شهدته والذي تفاقم بفعل التصعيد الأمني الأخير يجعل من الصعب العيش بأمان في العاصمة في الوقت الراهن.
بعد ثلاث محاولات غير ناجحة بدأت صباح يوم السبت، استطاع حسين أن يخرج مع أسرته من العاصمة السودانية الخرطوم، متوجهاً إلى إحدى القرى القريبة من مدينة شندي شمال الخرطوم، حيث أقام هناك حوالي 16 شهراً بعد أن نزح إليها في الأيام الأولى للاحتدام، قبل أن يتخذ قرار العودة إلى منزله في ضاحية جبرة بجنوب الخرطوم.
يقول حسين لموقع سكاي نيوز عربية: “بعد عودتي إلى الخرطوم، قضيت شهرًا صعبًا مع عائلتي… كنا قريبين من الموت أكثر من أي وقت مضى، وازدادت الأمور سوءً خلال اليومين الأخيرين حيث أصبحت منازلنا معرضة للقصف، لذلك لم يعد لدينا خيار سوى الهجرة مجددًا”.
يشير حسين إلى التحديات والمخاطر المرتبطة بالتنقل داخل الخرطوم، ويقول: “كنا مجبرين على اتخاذ طرق معقدة وصعبة للخروج، واستطعنا بعد رحلة دامت أكثر من 7 ساعات الوصول إلى منطقة شندي التي تبعد حوالي 180 كيلومتراً عن الخرطوم”.
مصاعب حقيقية
تعيق الأوضاع الأمنية جهود المجموعات التطوعية الساعية لمساعدة السكان المحاصرين في مناطق العاصمة الخرطوم.
تقوم معظم هذه الجمعيات بتقديم الوجبات الغذائية والمساعدات الصحية بإمكانيات محدودة، حيث يواجه حوالي 80 بالمئة من السكان صعوبة كبيرة في الحصول على الطعام والدواء.
لكن المخاوف الأبرز بالنسبة لتلك الفرق تتعلق بالتعقيدات الأمنية الكبيرة التي يعملون في ظلها، إذ يواجه أعضاء هذه المجموعات خطر الموت جراء القصف أو الاعتقال العشوائي.
في هذا السياق، أفادت لجنة شباب الجريف غرب بالعاصمة الخرطوم في بيان لها بأن ثلاثة من أعضاء غرفة الطوارئ في المنطقة فقدوا حياتهم خلال اليومين الماضيين جراء القصف وسقوط قذائف، موضحة وقوع عدد من الإصابات بسبب الرصاص.
تواصلت واشنطن وتل أبيب مع دول أفريقية لاستضافة الفلسطينيين.
الولايات المتحدة وإسرائيل تتفاوضان حول نقل سكان غزة إلى إفريقيا.
جهود متعثرة
مع استمرار الحرب وتفاقم معاناة المدنيين في ظل التصعيد الخطير الراهن، تعمل الأطراف الدولية والإقليمية على البحث عن حل بعد فشل عشر مبادرات تم طرحها خلال فترة الحرب التي تقترب من عامين. يأتي ذلك في وقت يعاني فيه التمويل المطلوب لمواجهة الأزمة الإنسانية في عام 2025 من نقص يقدر بحوالي 96 في المئة، والذي يبلغ حوالي 4.2 مليار دولار.
عقد مجلس الأمن الدولي جلسة يوم نهاية الأسبوع الماضي لمناقشة الحالة الإنسانية المتدهورة في السودان.
أكد المتحدثون خلال جلسة المجلس على صعوبة الأوضاع الإنسانية في مختلف أنحاء البلاد، وخاصة العاصمة الخرطوم والمناطق التي تعاني من النزاع. كما أشاروا إلى أن 30.4 مليون سوداني بحاجة إلى مساعدات إنسانية هذا العام، من بينهم 16 مليون طفل.
اقترح كريستوفر لوكيير، الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود، خلال اجتماع المجلس التوقيع على ميثاق إنساني يُشرف عليه بشكل مستقل ويعزز بآلية قوية للمساءلة.
قال لوكيير: ما نحتاجه في الوقت الراهن هو ميثاق جديد يعتمد على التزام مشترك بحماية المدنيين، ويؤمن مساحة عمل لمنظمات الإغاثة، ويطبق وقفا مؤقتا على جميع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية.
وأضاف: “إن العنف الموجه ضد المدنيين يزيد من الاحتياجات الإنسانية، وهذا ليس مجرد أثر جانبي للصراع، بل هو جوهر النزاع”.