أعرب مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان عن انزعاجه العميق من المحاكمات التي انطلقت في مدينة ود مدني، حيث يواجه مئات الأفراد اتهامات بالتعاون مع قوات الدعم السريع. ودعا المرصد في بيان رسمي إلى ضرورة الالتزام التام بمعايير المحاكمة العادلة وفقًا للقوانين والمواثيق الدولية المعمول بها.
يأتي هذا البيان في وقت حساس، حيث بدأت محكمة جنايات ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، يوم الخميس إجراءات محاكمة 950 متهماً بتهم تتعلق بالتعاون مع قوات الدعم السريع. ويعكس هذا الوضع القلق المتزايد بشأن حقوق الأفراد المعنيين في هذه المحاكمات.
15 ألف اتهام
أفادت مصادر قانونية في النيابة العامة بأنه تم تسجيل أكثر من 15 ألف اتهام ضد متعاونين مع قوات الدعم السريع، أو المتخابرين والمشاركين معها، بالإضافة إلى اتهامات أخرى بموجب القانون الجنائي تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية ضد قادة في القوات بشأن الجرائم التي وقعت في ولاية غرب دارفور.
تزامنت هذه المحاكمات التي انطلقت في مدينة ودمدني بعد استعادتها من قوات الدعم السريع مع بدء القضاء في محاكمة أوسع لآلاف المتعاونين مع تلك القوات. وقد تم تحديد موعد لمحاكمة قائد القوات “حميدتي” ومجموعة من قياداته. في الوقت نفسه، تعتزم النيابة العامة إحالة ملف 16 من القيادات السياسية إلى القضاء لمحاكمتهم غيابياً، وهي خطوة وصفها المحامون بالسياسية.
غياب الشفافية والعلنية
عبر مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان عن قلقه من عدم وجود الشفافية والعلنية في محاكمات المتهمين التي انطلقت في مدينة ود مدني. وأفاد المرصد بأن المعلومات المتاحة حول إمكانية حضور الجمهور ومنظمات المجتمع المدني لجلسات المحاكمة ما زالت غير كافية. وأكد المركز على أن الحق في محاكمة علنية يعد أمرًا ضروريًا لضمان نزاهة الإجراءات القضائية، ولمنع استخدامها لأغراض انتقامية أو سياسية. كما أضاف المرصد في بيانه أنه من المهم التأكيد على استقلالية القضاء وضرورة عدم تأثره بأي ضغوط سياسية أو أمنية. وأشار إلى أن الوضع الحالي في السودان يثير مخاوف جدية من استخدام القضاء كوسيلة سياسية لقمع المعارضة أو معاقبة المدنيين دون وجود أدلة كافية. وأردف البيان أن سرعة بدء المحاكمات، في ظل تعقيد القضايا وعدد المتهمين الكبير، تثير تساؤلات حول ما إذا كان المتهمون قد حصلوا على الوقت الكافي لإعداد دفاعهم بشكل مناسب، خاصة إذا كانت التهم تتطلب تمحيص الأدلة والشهادات. وأكد أن تسرع السلطات في إجراء محاكمات جماعية قد يوحي بمحاولة فرض إدانات مسبقة دون ضمانات لمحاكمة عادلة لكل فرد.
خمسة مطالب
وقد قدم مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان في بيانه خمسة مطالب، في مقدمتها ضمان علنية المحاكمات وتمكين مراقبين مستقلين من حضور الجلسات لتقييم التزامها بالمعايير القانونية. كما دعا البيان إلى توفير العون القانوني للمتهمين وضمان عدم تعرض المحامين للمضايقات من قبل الأجهزة الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، طالب البيان بتأكيد استقلال القضاء وعدم السماح بأي تدخل سياسي أو أمني في مجريات المحاكمات، فضلاً عن إتاحة الفرصة للمتهمين لممارسة حقهم في الاستئناف أمام محكمة أعلى، وفقًا للقانون السوداني والمعايير الدولية.
أصدر رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان في أغسطس 2023 قراراً بتأسيس لجنة للتحقيق في الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع. وقد حدد القرار مهام اللجنة في “اتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد قيادات وأفراد قوات الدعم السريع داخلياً وخارجياً، وكل من يثبت تورطه في المشاركة أو التحريض أو المساعدة”.
أعلن النائب العام ورئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في “جرائم الحرب” في السودان، الفاتح طيفور، الأسبوع الماضي، أن النيابة العامة ستقوم بإحالة ملف الاتهام الموجه لرئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك و15 شخصًا آخرين إلى المحاكمة قريبًا، لمحاكمتهم غيابيا بعد انتهاء المهلة المقررة لتسليم أنفسهم إلى السلطات.
التحذير من استخدام النظام القضائي كوسيلة للانتقام السياسي.
أصدرت النيابة العامة في أبريل 2024 أوامر اعتقال بحق حمدوك و15 من قادة تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” بسبب توقيعهم إعلاناً سياسياً مشتركاً مع “حميدتي”، حيث تصل عقوبات هذه التهم إلى الإعدام.
أصدر قاضي محكمة الإرهاب والجرائم ضد الدولة في 13 مارس الحالي أمراً يقضي بمثول 16 من قادة الدعم السريع ومناصريهم أمام المحكمة في مدينة بورتسودان يوم 20 أبريل المقبل، وذلك في القضية المتعلقة بمقتل حاكم ولاية غرب دارفور خميس أبكر.
تضمنت قائمة المتهمين، بالإضافة إلى “حميدتي”، نائبه في قيادة القوات عبد الرحيم دقلو، وقائد القوات بولاية غرب دارفور عبد الرحمن جمعة، ورئيس الإدارة المدنية للقوات في غرب دارفور تجاني كرشوم وآخرين.
قُتل خميس أبكر في 14 يونيو 2023، بعد فترة قصيرة من توقيفه من قبل قوات الدعم السريع التي نشرت مقطع فيديو يُظهر الوالي القتيل مع أفراد من القوات، بينما انتشرت بشكل واسع مشاهد التمثيل بجثته.
يؤكد مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان، وفقاً لبيان صدر عنه يوم السبت، أن تحقيق العدالة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال محاكمات عادلة وشفافة. ويطالب المرصد السلطات القضائية والقانونية في السودان بضمان حقوق المتهمين وعدم استخدام القضاء كوسيلة للانتقام السياسي.