أجرى التحالف السوداني للحقوق دراسة شاملة وموضوعية، حيث قام بالتواصل مع شهود عيان وتحليل مجموعة من الانتهاكات والفظائع التي سُجلت ضد مجتمعات الكنابي في السودان. يسلط هذا التقرير، الذي يحمل عنوان “أصوات المهمشين: نضال مجتمعات الكنابي في السودان”، الضوء على الفترة من أكتوبر 2024 وحتى دخول الجيش وحلفائه إلى ولاية الجزيرة في يناير 2025.
خلال هذه الفترة، تعرضت مجتمعات الكنابي لعديد من الانتهاكات الخطيرة، التي شملت عمليات تصفية جسدية وإعدامات وتهجير قسري وسرقة المواشي والممتلكات. هذه الفظائع تُعَد تذكيرًا مروِّعًا بالعنف المنهجي الموجه ضد المجتمعات الضعيفة، مما أدى إلى دمار واسع النطاق، وفقدان للأرواح، وتهجير للسكان. يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على الأثر البشري لهذه الانتهاكات، وإيصال أصوات المهمشين في هذه الأزمة المستمرة.
الكنابي، وهو جمع كنبو، تشير إلى مساكن غير رسمية غالباً ما يسكنها عمال الزراعة في السودان، وتُبنى باستخدام مواد بسيطة مثل الطين والقش. عادةً ما تقع هذه المجتمعات في أطراف القرى الزراعية، قرب مشاريع الري الكبيرة وأنظمة الصرف. على الرغم من أهميتها الأساسية في قطاع الزراعة في السودان، تعاني مجتمعات الكنابي من عنف شديد وتهميش نتيجة لعدم الاعتراف الرسمي بها وبحقوقها القانونية. ينظر السكان المحيطون بهم في الغالب إلى هؤلاء السكان كغرباء، مما يجعلهم عرضة للإساءات. وغالباً ما يرتبط اضطهادهم بقضايا سياسية وعرقية واقتصادية واسعة النطاق. ولأنهم يُعتبرون كبش فداء في النزاعات الوطنية والإقليمية، فإنهم يتحملون وطأة العنف والظلم المنهجي.
تأسست مجتمعات الكنابي في عام 1925 خلال فترة الاستعمار كجزء من مشروع الجزيرة، الذي كان يهدف إلى تطوير الزراعة في المنطقة. إلا أنه غالبًا ما تم تجاهل هذه المجتمعات وتهميشها. على الرغم من إسهاماتها الكبيرة في الإنتاج الزراعي، فقد حُرمت من حقوق المواطنة الكاملة وما يترتب عليها من حقوق، حيث كانت تفتقر إلى الاعتراف القانوني والموارد اللازمة لتحسين ظروف حياتها.
يعود سكان الكنابي إلى مجموعة متنوعة من الأعراق من غرب السودان، لاسيما من دارفور وكردفان، إلى جانب سكان الدول المجاورة الذين انتقلوا إلى السودان على مر العصور.
مع مرور الوقت، أصبحت هذه المجموعات جزءًا أساسيًا من سكان السودان وأسهمت في تشكيل المشهد الزراعي والثقافي للدولة. ومع ذلك، لا تزال هذه المجموعات تعاني من التهميش والإقصاء، حيث يعيش الكثير منهم في فقر شديد ويعانون من نقص في حقوق المواطنة الأساسية. ورغم عدم وجود تقديرات دقيقة لعددهم، فإن عدد سكان الكنابي كبير، خاصة في ولاية الجزيرة. تتضمن القبائل التي تنتمي إلى سكان الكنابي قبائل البرقو، التاما، الهوسا، الأرنقا، المراريت، الفور، الزغاوة، المساليت، الداجو، المسيرية، أولاد راشد، الرزيقات، النوبة، بالإضافة إلى مجموعات أخرى أصبحت جزءًا من دولة جنوب السودان، فضلاً عن قبائل أصغر أخرى. على الرغم من أن هذه المجتمعات تلعب دورًا جوهريًا في قطاع الزراعة السودانية، إلا أنها لا تزال محرومة من حقوقها الأساسية والخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية. كما أن وضعها القانوني يظل غير مستقر، مما يعرضها للاستغلال وانتهاكات حقوق الإنسان.
تدهورت الأوضاع عندما تمكن الجيش السوداني وحلفاؤه من السيطرة على ولاية الجزيرة، مما أثر بشكل كبير على مجتمعات الكنابي في المناطق المجاورة، حيث تم استهدافها نظرًا لضعفها. تعرضت هذه المجتمعات لمجازر وتهجير قسري وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، مما يسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجهها في السودان.
عانى سكان الكنابي لفترة طويلة من التهميش والاستغلال، وهو إرث ناتج عن قرارات تاريخية أدت إلى تهميش مجتمعاتهم. بعد افتتاح خزان سنار في عام 1925 والتوسع السريع في مشروع الجزيرة، بدأت حياة سكان الكنابي في التغير. ومع ذلك، تسبب الركود الاقتصادي العالمي في عام 1929 والتغيرات في ممارسات الزراعة في عدم استقرار اقتصادي وارتفاع مستويات عدم المساواة. ورغم التحسن المؤقت في حقوق ملكية الأراضي لبعض العمال الزراعيين بين عامي 1931 و1944، إلا أن هذه المكاسب تراجعت فجأة بعد اعتماد سياسات تمييزية في عام 1945 تحت إدارة أول مدير سوداني، السيد مكي عباس. حيث فتحت قراراته، بما في ذلك مصادرة الأراضي واستبعاد عمال الكنابي من المناصب ذات الأجر في المؤسسات الحكومية، الطريق لعقود من التهميش والاستغلال. وقد أوجدت هذه الخلفية التاريخية حلقة من الظلم المستمر، مما جعل مجتمعات الكنابي عرضة للتهميش ومحرومة من حقوقها الأساسية.
يعاني سكان الكنابي من تحديات مستمرة تزيد من معاناتهم وتساهم في تفاقم وضعهم الاقتصادي، مما يقيد قدرتهم على الحصول على الموارد والفرص. وتجسد هذه التحديات في القضايا التالية:
منذ منتصف القرن العشرين، قام السودان بتنفيذ مجموعة من السياسات التي استهدفت إقصاء مجتمعات الكنابي من المشاركة المتكافئة في المجتمع. ففي عام 1945، كانت التعديلات في السياسات الزراعية السودانية توجهت بشكل خاص نحو العمال الزراعيين، مما أثر سلبًا على سكان الكنابي بشكل كبير. حيث ألغت هذه السياسات حقوق العمال الزراعيين في وراثة الأرض أو نقل ممتلكاتهم لأسرهم، مما جعلهم قوة عاملة مهمشة وسهلة الاستغناء عنها. نتيجة لذلك، فقدت العديد من عائلات الكنابي فرص بناء ثروة دائمة أو تحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي، مما زاد من تهميشهم.
أصبحت مسألة التلاعب بحقوق المواطنة واضحة من خلال قانون تعريف السوداني لعام 1948 والقوانين اللاحقة للجنسية السودانية التي عززت التمييز العنصري ضد مجتمعات الكنابي. فقد عانت هذه المجتمعات طويلاً من التمييز القانوني، لاسيما في ما يتعلق بالجنسية والوثائق الرسمية. حيث حُرم العديد من سكان الكنابي من الجنسية أو واجهوا صعوبات كبيرة في الحصول على الوثائق القانونية الضرورية مثل بطاقات الهوية الوطنية أو شهادات الميلاد. وقد ساهم هذا النقص في الاعتراف الرسمي في تعزيز وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية، مما قيد بشكل كبير فرصهم في الحصول على خدمات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والدعم الاجتماعي.
على الرغم من أهميتهم في الاقتصاد الزراعي السوداني، تم استبعاد مجتمعات الكنابي بشكل منهجي من فوائد البرامج الحكومية للتنمية. فقد تم تنفيذ سياسات حرمتهم من الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية، رغم إسهاماتهم الكبيرة في الإنتاج الزراعي. كما أن المشاريع الحكومية، مثل بناء المدارس وتقديم خدمات الصحة العامة، لم تشمل هذه المجتمعات التي غالبًا ما تُعتبر مهمشة أو من الطبقات الدنيا. وقد أدى هذا الإهمال إلى استمرار دوائر الفقر، مما ترك سكان الكنابي أمام فرص محدودة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية.
تُعاني ظروف السكن في مجتمعات الكنابي عموماً من تدني المستوى، حيث تُستخدم في بناء العديد من المنازل مواد بسيطة مثل الطين والقش. كما أن غياب البنية التحتية في هذه المجتمعات يعني أن السكان غالباً ما يفتقرون إلى الماء النظيف، والصرف الصحي، والكهرباء. هذه الظروف المعيشية القاسية تعود بشكل مباشر للإهمال والتمييز التاريخي الذي تعرضت له هذه المجتمعات. إضافة إلى ذلك، فإن عزلتها عن بقية المجتمع السوداني تزيد من ضعفها، حيث تفتقر إلى الشبكات الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تساهم في تحسين وضعها. ومع عدم وجود مدارس في مجتمعاتهم، يُجبر أطفالهم على الذهاب إلى المدارس في القرى المجاورة.
إن نظم العمل في مجتمعات الكنابي تعاني من الاستغلال، مما يؤدي بالعمال إلى الدخول في حلقة الفقر. الكثير منهم يشارك في الزراعة بنظام المشاركة أو يستأجرون الأراضي، أو يعملون بأجور زهيدة دون حقوق قانونية في ملكية الأرض. هذا الاعتماد على ملاك الأراضي يجعلهم عاجزين اقتصاديًا ومقيدين اجتماعيًا، مما يعيق قدرتهم على تحسين ظروفهم المعيشية أو التحرر من الاستغلال. وعلى الرغم من مساهماتهم الكبيرة في الاقتصاد السوداني، فإن عمال الزراعة في الكنابي يُحرَمون من الحصول على تعويضات عادلة أو فرص للنمو والتقدم.
يتولى عمال الزراعة تنفيذ جميع المهام المتعلقة بالزراعة، مثل الزراعة وتنظيف الأعشاب وحصاد المحصول، ثم يقومون بتقسيم المحصول بالتساوي مع صاحب الأرض.
يستأجر العمال الأرض لمدة موسم زراعي واحد، مع احتفاظهم بكامل حقوقهم في الإنتاج، ولكنهم مسؤولون عن الالتزامات الضريبية.
يتم توظيف العمال الزراعيين بنظام الأجر اليومي أو الشهري أو وفقًا للقطعة، وذلك لزراعة المحاصيل الغذائية والخضروات، بالإضافة إلى المحاصيل النقدية مثل القطن والقمح، فضلاً عن العمل في مزارع قصب السكر.
تعزز هذه الترتيبات العمالية من التهميش الاقتصادي، حيث يبذل عمال الكنابي جهودًا كبيرة دون أن يتلقوا تعويضًا يتناسب مع عملهم.
باختصار، أعاقت هذه السياسات مجتمعات الكنابي من نيل المساواة وضمان حقوقهم كمواطنين كاملين، مما أجبرهم على العيش في ظروف من الفقر والحرمان والهشاشة. هذه الصعوبات ليست فقط عائقًا أمام قدرتهم على الازدهار، بل تُكرّس أيضًا دوائر التهميش والحرمان التي لا تزال تؤثر على تجربتهم في السودان اليوم.
على مدار السنين، واجه سكان الكنابي تاريخًا مُحاطًا بالعنف المنهجي والتمييز والإقصاء، حيث تراوحت الانتهاكات الموجهة ضدهم من العنف الجسدي، مثل القتل والتعذيب، إلى التهجير القسري وتدمير الممتلكات. هذه الأعمال الوحشية ليست حالات فردية، بل هي نمط متكرر على مدى عقود، مما أثر بشكل كبير على رفاهية وسبل عيش مجتمعات الكنابي.
تعرض سكان الكنابي لعدة انتهاكات لحقوق الإنسان طوال تاريخهم. وفيما يلي بعض من هذه الانتهاكات التي تم توثيقها في مجتمعات الكنابي عبر السنين:
كمبو وادي شعير (1999): قُتِل عدد من المواطنين وتم إحراق الكمبو، مما اضطر الناجين للانتقال إلى مناطق أخرى داخل محلية الحصاحيصا.
قامت السلطات بقطع الخدمات الأساسية عن قرية محمد زين، مما أدى إلى مقتل أحد المواطنين، كما تم منع الطلاب من استكمال تعليمهم في منطقة جنوب الجزيرة.
كمبو أفطس (2018): تعرضت منطقة كمبو أفطس في محلية الحصاحيصا لهجوم؛ حيث تم إحراق عدد من المنازل وتعرض السكان للتعذيب.
تم إحراق عدة منازل في كمبو المعليق بمحلية الكاملين (2020).
تظهر هذه الأمثلة الانتهاكات التاريخية التي تعرض لها سكان الكنابي، مما يؤكد أن التقارير حول موجة العنف الأخيرة ليست سوى استمرارية لتاريخ طويل من الانتهاكات.
عانت مجتمعات الكُنابي على مدار عقود طويلة من العنف، والتهجير القسري، والتمييز القانوني. بدءًا من المجازر التي وقعت في التسعينيات وصولاً إلى الهجمات الأخيرة التي شنها الجيش السوداني والميليشيات المتحالفة معه، حيث تعرضوا للاستهداف بشكل منهجي بسبب وضعهم الهامشي. تعكس معاناتهم المستمرة العنف المؤسسي في السودان، الذي استمر في انتهاك حقوقهم الأساسية وسلامتهم وكرامتهم.
تدهور الوضع بشكل كبير بعد استحواذ الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه على ولاية الجزيرة، مما أدى إلى زيادة العنف. وقد كانت الجماعات المسلحة تستهدف المدنيين بصفة خاصة، ولا سيما أولئك الذين ينتمون إلى خلفيات عرقية وقبلية مهمشة، مما ساهم في تفاقم الأزمة وزيادة الاضطهاد الذي يعانون منه منذ وقت طويل.
بعد دخول الجيش، تعرضت مناطق مثل أم القرى لاعتداءات وحشية شملت اعتقالات جماعية، إعدامات، وحرق المنازل. في 7 ديسمبر 2024، قامت قوات درع السودان باعتقال 93 مواطنًا من كمبو التضامن في أم القرى، شرق ولاية الجزيرة. تم إعدام 23 مواطنًا بريئًا، وأُلقيت جثثهم في المزارع. ومن بين الضحايا كان هناك جمعة آدم، قمر هارون، هاني محمد، ود شاويش، إبراهيم آدم، محمد آدم، ياسين قمر، خميس خاطر، عبدو باوزي، عبد المجيد حسن، بكري جدو، يحيى حسين، أحمد دنان، الشيخ بحر، محمود عبد الرحمن، أيوب عبد الرحمن، ياسين بابكر، محمد مهاجر، صبري، النيل صالح، حنتوش، واثنين من أبناء عبد الوهاب. كانت هذه الأساليب العنيفة تهدف إلى زرع الخوف في قلوب المجتمع وقمع أي مقاومة.
في 9 يناير 2025، نفذت قوات درع السودان مذبحة مروعة ضد سكان منطقة كمبو طيبة في محلية أم القرى شرق ولاية الجزيرة. حيث تم إحراق طفلين، أحمد عيسى وحامد محمد، وهما يعيشون داخل منزلهما. كما تم قتل ثمانية مواطنين آخرين، من بينهم عبد العزيز عبد الكريم، خاطر إبراهيم، أحمد إسحاق كيتا، صالح حماد، وشيخ الخلوة القرآنية علي محمد. وعلاوة على ذلك، تم اختطاف 13 امرأة مع إبراهيم أبكر.
في 12 يناير 2025، تم إحراق جزء من كمبو دار السلام في محلية أم القرى القريبة من القرية (31).
تم أيضًا إحراق كمبو (16) وكمبو مبروكة في محلية أم القرى.
في محلية ود مدني الكبرى ومدينة ود مدني، قام الجيش السوداني وحلفاؤه بارتكاب مجازر وجرائم حرب تم توثيقها بالفيديو، شملت إلقاء شاب من أعلى جسر حنتوب، وإعدامات ميدانية، وتصفيات للمدنيين، إضافة إلى اعتقالات واختطافات. كان التواصل مع المصادر داخل المدينة صعبًا، مما عرقل الحصول على معلومات دقيقة، ولكن يمكن تلخيص الوضع العام في ود مدني على النحو التالي:
يتطلب الوضع في ود مدني إجراء تحقيق أعمق لكشف الحجم الكامل للجرائم التي ارتكبت ضد المدنيين غير المسلحين.
بعد تمكن الجيش السوداني من السيطرة على ود مدني، بالإضافة إلى الانتهاكات الموثقة التي ارتكبها الجيش السوداني وحلفاؤه ضد المدنيين العزل، بما في ذلك ميليشيات البراء بن مالك الإسلامية المتطرفة، وقوات العمليات الخاصة، وقوات درع السودان، والجماعات المسلحة القبلية في المناقل والحوش، ووحدات المستنفرين، شهدت المدينة المزيد من الجرائم والانتهاكات المنهجية. وقد كانت هذه الانتهاكات، التي كانت غالبًا ما تستند إلى استهداف عرقي وإثني، تركز بشكل رئيسي على جماعتي البرقو والتاما، إلى جانب مواطني غرب وجنوب السودان.
شملت الجرائم عمليات تصفية جسدية، قتل المدنيين، إحراق الممتلكات والمنازل، ذبح المواطنين، التهجير، الاعتقالات، التعذيب، والنهب. بدأ الاستهداف المستند إلى العرق بعد أن استولى الجيش على مدينتي الدندر وسنار، بما في ذلك مصنع سكر سنار، ثم انتشر إلى مناطق جنوب الجزيرة، بما في ذلك وحدتي الحوش وحاج عبد الله الإداريتين.
في جنوب الجزيرة، صاحبت عمليات نهب المواشي والممتلكات حملات اعتقال واسعة للنشطاء والشباب والنساء، بالإضافة إلى توجيه شتائم وإساءات عنصرية. وفي الوقت الحالي، تعج سجون مدينة المناقل بالأبرياء من سكان منطقة الكنابي.
شهدت الحصاحيصا أيضاً أحداثاً مروعة لا تصدق منذ تصاعد عنف الجيش السوداني وحلفائه. أصبحت هذه المنطقة، التي تعيش فيها مجموعات عرقية متعددة، بؤرة لعنف شديد ودمار واسع النطاق، واشتُهرت بهجمات منظّمة وعمليات قتل وتهجير ونهب.
في 1 يناير 2025، تعرضت كمبو العجب في مدينة أبو قوتة لهجوم من قبل ميليشيات متحالفة مع الجيش، مما أدى إلى مقتل مواطنين (آسية إسحاق عمر، وأبكر إسحاق مطر) وإصابة شخص آخر (عبد الكريم يحيى).
في هجوم جديد في نفس اليوم، 1 يناير 2025، قام عناصر من الجيش بمهاجمة سكان كمبو لفة في مدينة أبو قوتة، وتم تهجيرهم قسراً إلى قرية الرقل، بالإضافة إلى نهب ممتلكاتهم، بما في ذلك الأبقار والمواشي الأخرى.
في 21 يناير 2025، أمام حشد من المواطنين وقادة الجيش السوداني المت gatheredين في موقع الجريمة، سرد أحد الشهود تفاصيل الفظائع التي ارتكبها الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وقوات درع السودان. حيث قال الشاهد: “قُتل ستة وعشرون شخصًا على يد مسلحين في هذا الكمبو. دفناهم في قبور جماعية على مدار يومين، حيث كان هناك من ثلاثة إلى ست جثث في كل قبر. كانت المهمة صعبة بالنسبة لي، لأنه فرّ معظم الرجال والشباب من المنطقة. كان عليّ دفن إحدى الجثث بمساعدة زوجة المتوفى فقط. كان المسلحون يقتلون أي شاب أو رجل يعترض طريقهم، ولهذا السبب هرب الناس. كانت المدرعات تطلق النار على المدنيين في الكمبو. وفي إحدى المرات، وجه أحد المسلحين سلاحه نحوي وهدد بقتلي. توسلت إليه ألا يفعل، وشرحت له أنني بحاجة لدفن جثة. وعندما أريتُه الجثة، سألني من قتله، فقلت له: الجيش. حينها تركني وابتعد.”
وأضاف: “نحن نشعر بالامتنان للعميد وقواته الذين وصلت منذ ستة أيام، حيث لم نكن قادرين على التحرك قبل ذلك. ومع ذلك، نشعر بإهانة عميقة ولا نستطيع تصديق أن أي شخص في العالم يمكن أن يفعل ما فعله هؤلاء. لقد جئتم إلينا ونود أن نوضح أننا لا نمت بصلة لقوات الدعم السريع، على الرغم من الشائعات. لقد تكبدنا خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وسنستعرضها فيما يلي:”
تسجل هذه الشهادة حجم الدمار الذي يعاني منه سكان الكمبو، وتبرز الفظائع المتواصلة التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية والقوات الموالية لها ضد المدنيين العزل.
تكشف التقارير الواردة إلى التحالف السوداني للحقوق عن حدوث عمليات قتل وإعدام، وحرق للمنازل والمزارع، واختفاء قسري لأهالي الكنابي في ولاية الجزيرة وسط السودان، حيث تمت هذه الأفعال على أسس عرقية بواسطة ميليشيات قبلية مرتبطة بالقوات المسلحة السودانية. تشمل هذه الميليشيات، التي تشكلت على أسس عنصرية، مجموعات مثل قوات درع البطانة ولواء الزبير بن العوام. وقد ظلت حكومة الأمر الواقع في بورتسودان صامتة ومتواطئة في تلك الجرائم. علاوة على ذلك، تم التحريض على خطاب الكراهية ضد أهالي الكنابي ونشره في جميع أنحاء ولاية الجزيرة من قبل قادة المجتمع وكبار المسؤولين العسكريين، مما زاد من تعرض هذه المجتمعات للخطر ويعزز تبرير العنف ضدهم.
في ولاية سنار والمناطق الجنوبية من ولاية الجزيرة، قامت القوات المسلحة السودانية، وهيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة، بالإضافة إلى الميليشيات الإسلامية والقبلية، بارتكاب فظائع بدوافع عنصرية وعرقية. واشتملت الانتهاكات على القتل، والإعدامات الميدانية، وحرق المنازل والمزارع، ونهب الممتلكات والمواشي، وذبح المواطنين، وإغراق المزارع وتدميرها. كما شملت عمليات التهجير القسري، والتعذيب، وحرق الأطفال. في بعض المناطق، تم إغراق مواطنين في نهر النيل، بينما تعرض آخرون للاعتقالات التعسفية والاحتجاز. وقد وقعت هذه الفظائع في معظم المناطق التالية:
تمثل الفظائع التي وقعت ضد أهالي الكنابي انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ولها آثار طويلة الأمد على القيم الإنسانية. تعتبر هذه الأعمال العنيفة خرقًا للعديد من الاتفاقيات القانونية الدولية والإقليمية التي وضعت لحماية الفئات الضعيفة. وفيما يلي أهم النقاط التي توضح كيف تم انتهاك هذه الجرائم للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف، واتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
تشكل الجرائم التي تم ارتكابها ضد سكان الكنابي انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. هذه الأفعال تتعارض مع العديد من الأطر القانونية، بما في ذلك:
إن استهداف مجتمعات الكنابي في السودان لا يمثل مجرد فصل جديد من العنف، بل هو تجسيد للتهميش والانتهاكات المنظمة التي تعرضت لها هذه المجتمعات على مدى عقود. تاريخياً، تم إغفال الكنابي كمجتمعات زراعية غير رسمية من قبل الدولة، مما أدى إلى حرمانها من حق المواطنة والحقوق الأساسية. هذا الاستبعاد جعل هذه المجتمعات عرضة للاستغلال والانتهاكات والعنف، وجعلها أهدافاً سهلة للجماعات المسلحة، بما في ذلك الجيش السوداني والميليشيات المتحالفة معه.
إن الانتهاكات التي قام بها الجيش السوداني وحلفاؤه ليست مجرد حوادث عابرة، بل تمثل جزءًا من نمط أوسع من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان. وقد تميزت الهجمات التي شنتها القوات المسلحة على مجتمعات الكنابي، لا سيما بعد سيطرتها على مدينة ود مدني، بالوحشية، بما في ذلك المجازر والتهجير القسري والاعتقالات الجماعية. هذا العنف ليس جسديًا فحسب، بل يحمل أيضًا دلالات رمزية تعمق الانقسامات السياسية والعرقية والاجتماعية المستمرة التي تعاني منها السودان. وتدل الطبيعة المنهجية لهذه الهجمات على وجود عنف مؤسسي تم تطهيره مع مرور الزمن، مما يسهم في تفاقم أوجه عدم المساواة المتأصلة في المجتمع السوداني.
يعتبر إنكار المواطنة والهوية القانونية والخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والسكن من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى تهميش مجتمعات الكنابي. من خلال حرمانهم من هذه الحقوق الأساسية، يعيش المواطنون في السودان حياة مليئة بالضعف والظلم المستمر. إن افتقارهم للحماية القانونية والاعتراف بهم يجعلهم عرضة للعنف ويزيد من معاناتهم في الحصول على العدالة أو المطالبة بالتعويضات، مما يؤدي إلى تفاقم الاضطهاد. إن الاعتداءات على منازلهم، واختطاف النساء والأطفال، والتهجير القسري تشكل نتائج مباشرة لهذا التمييز والإقصاء المؤسسي.
يؤكد هذا التقرير على أهمية المساءلة على الصعيدين الوطني والدولي. لقد أسفر عدم تحقيق العدالة لهذه المجتمعات عن استمرار دورة العنف بلا انقطاع. هناك حاجة ملحة لتدخل دولي لمحاسبة المرتكبين على أفعالهم، وتنفيذ سياسات تضمن حماية المجتمعات المهمشة في السودان وتقديرها. ينبغي على منظمات حقوق الإنسان والهيئات الدولية والحكومات التعاون لمعالجة الفظائع التي ارتُكبت والعمل من أجل استعادة كرامة وحقوق مجتمعات الكنابي.
علاوة على ذلك، من الضروري أن يتعاون المجتمع الدولي مع المجتمع المدني في السودان للمطالبة بإلغاء القوانين والممارسات التمييزية التي تعزز هذا العنف. ينبغي مواجهة الحرمان الممنهج من الحقوق الأساسية والعمل على إصلاحه لضمان أن تتمتع مجتمعات مثل الكنابي بحياة كريمة، بعيدًا عن تهديدات العنف والانتهاكات. ولا يمكن للكنابي والفئات المهمشة الأخرى في السودان أن يبدأوا في إعادة بناء حياتهم وتأمين مكانتهم اللائقة في المجتمع إلا من خلال جهود مستمرة للمسائلة، والإصلاح الشامل، والتضامن الدولي.