القاهرة – العربي الجديد
لا يُنظر في القاهرة إلى التطورات الأخيرة في حرب السودان باعتبارها مجرد شأن داخلي لجار حدودي، بل باعتبارها عنصراً مركزياً في الأمن القومي المصري، وفي ترتيبات توازنات القوة على حدودها الجنوبية، وفي صميم تفاعلاتها مع القوى الإقليمية الأخرى، خاصة إثيوبيا والإمارات. فالبرغم من أن سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم تعد بمثابة دفعة للمعسكر الذي تراهن عليه القاهرة منذ اليوم الأول، إلا أن القاهرة تدرك في الوقت نفسه أن المشهد السوداني لا يزال هشاً، وأن سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم لا تعني بالضرورة نهاية الحرب، ولا بداية انتقال سياسي مستقر، فمليشيات “الدعم السريع” ما زالت تحتفظ بوجود عسكري في ولايات غرب السودان، وتدعمها قوى إقليمية لها أجنداتها المختلفة.
أهمية سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم
وتؤكد مصادر دبلوماسية مصرية أنه من الناحية السياسية، تمثل سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم وتحريرها من “الدعم السريع” فرصة لإطلاق عملية سياسية انتقالية جديدة، يمكن أن تُبنى على أسس أكثر تماسكاً، لا سيما إذا استُبعدت العناصر التي شاركت في تأجيج الحرب، وتوفير مظلة إقليمية ودولية داعمة. وهنا يمكن أن تلعب مصر دوراً محورياً، سواء من خلال علاقتها التاريخية بالقوى المدنية السودانية، أو عبر منصة “دول الجوار” التي أطلقتها منتصف 2023. لكن نجاح هذا الدور مرتبط بقدرة القاهرة على تجاوز حصر الملف السوداني في البعد الأمني – العسكري، والانفتاح على الفاعلين المدنيين، وعدم ترك الساحة لقوى إقليمية أخرى تناور بورقة الاقتصاد والدعم السياسي، كما تفعل أبوظبي أو أنقرة.
يرى خبراء أن استقرار السودان يخفف الضغط عن الحدود الجنوبية لمصر
وحول المكاسب المصرية المحتملة من سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم، يرى خبراء أن استقرار السودان – ولو جزئياً – يخفف الضغط عن الحدود الجنوبية لمصر، ويحد من موجات النزوح غير النظامية، ويقلل من احتمالات تسلل الجماعات المسلحة أو المهربين. كما أن وجود سلطة مركزية قوية في الخرطوم من شأنه إعادة اصطفاف السودان ضمن المحور المصري، لا سيما في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، بعد سنوات من التقلبات والمناورات. كذلك، فإن إعادة الإعمار في السودان قد تفتح المجال أمام شركات مصرية للعمل هناك، كما أن استقرار السودان يسهل تدفق السلع والتجارة عبر النيل والمعابر البرية.
كلفة انحياز مصر للجيش السوداني
أما عن الخسائر والمخاطر، فهناك تحديات وخسائر لا يمكن تجاهلها، منها كلفة الانحياز للجيش، إذ إن الرهان المصري الأحادي على الجيش قد يُبعد بعض القوى المدنية السودانية التي تنظر بعين الشك لأي تدخل إقليمي منحاز. ويشير هؤلاء أيضاً إلى أنه رغم سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم ما أدى إلى انحسار وجود الدعم السريع في العاصمة، فإن النفوذ الإماراتي في غرب السودان ومناطق التعدين لا يزال حاضراً، ما يضع مصر أمام منافسة إقليمية محتدمة. وهذا بالإضافة إلى أن أي انفجار إنساني في السودان، سواء من موجات لجوء أو تفكك اجتماعي، قد يرتد على مصر بشكل مباشر، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية داخلية هشة.
وحسب مراقبين، فإنه رغم العلاقات الوثيقة، فإن قدرة القاهرة على التأثير المباشر في الداخل السوداني تبقى محدودة بعوامل عدة، منها غياب أدوات اقتصادية مرنة، وتحفظ بعض القوى المدنية السودانية، والقيود الدولية على الانخراط العسكري المباشر. ومع ذلك، تملك مصر رصيداً معنوياً وتاريخياً يمكن تفعيله في مرحلة ما بعد الحرب، إذا أحسنت توظيفه دبلوماسياً وشعبياً. وتقول مصادر دبلوماسية مصرية إن القاهرة منفتحة على دعم أي مسار سياسي سوداني جامع، بشرط أن يحافظ على وحدة البلاد ومؤسساتها، ويقود إلى تسوية دائمة. وتؤكد هذه المصادر أن مصر مستعدة لاستضافة لقاءات أو مفاوضات بين الفرقاء السودانيين، ضمن آلية دول الجوار أو بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي.
تعزيز دور مصر في السودان
وفي السياق، يقول خبير حفظ السلام الدولي وضابط الاتصال السابق بحلف شمال الأطلسي (ناتو) أيمن سلامة، لـ”العربي الجديد”، إن سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم “قد تفتح أمام مصر نافذة لتعزيز دورها في الملف السوداني، سواء عبر الوساطات السياسية أو بدعم المؤسسات السودانية الرسمية”، لكنه حذر، في الوقت نفسه، من أن التدخلات الإقليمية والدولية المتزايدة “قد تُبقي السودان ساحة صراع مفتوحة، وتُطيل أمد الحرب”. ويعتبر أن “الفرصة لا تزال قائمة لتفعيل الدور المصري، لكن نجاح ذلك مرهون بقدرة الأطراف السودانية على الدخول في عملية سياسية حقيقية، وبتخفيف حدة التدخلات الخارجية التي تزيد المشهد تعقيداً”.
من ناحيتها، تشير الخبيرة في الشؤون الأفريقية الدكتورة نجلاء مرعي، لـ”العربي الجديد”، إلى أنه رغم التقدم العسكري، يبقى القلق كبيراً من انتقال آثار الصراع إلى دول الجوار، خاصة في المناطق الحدودية، مشيرة إلى أن “بيئة الفوضى الحالية قد تمثل ملاذاً للجماعات المتشددة العابرة للحدود، التي تربطها صلات ببعض القوى المتورطة في النزاع”. وفي السياق نفسه، تجزم مرعي بأنه “رغم انتصارات الجيش، إلا أن سيناريو الفوضى لا يزال وارداً. التحدي الأكبر اليوم هو منع تفكك الدولة، وتجنب انتقال النزاع إلى دول الجوار، ووقف استغلاله من قبل الجماعات المسلحة”.
أما الكاتب والمحلل في الشؤون الأفريقية عادل عبد العزيز، فيشدد، في تصريح لـ”العربي الجديد”، على أن القاهرة لعبت “دوراً محورياً وأساسياً في هذه الحرب، نظراً إلى ما يمثله السودان من عمق استراتيجي لمصر وحديقتها الخلفية من منظور الأمن القومي”. ويلفت إلى أن استكمال العمليات العسكرية في غرب السودان سيكون المحدد الرئيسي لاستعادة الاستقرار من عدمه.
تنويه : الخبر تم جلبه من المصدر ونشره اليا في اخبار السودان كما هو رابط
المصدر من هنا