أثارت دعوة حركتي تحرير السودان (المجلس الانتقالي) برئاسة الهادي إدريس وتجمع قوى التحرير بقيادة الطاهر حجر، المتحالفين مع الدعم السريع، إلى تشكيل تحالف (تأسيس) لمواطني مدينة الفاشر لمغادرة المدينة عبر ممرات آمنة، ردود فعل واسعة بين سكان الفاشر ومعسكراتها، وكذلك بين القوى المدنية والسياسية السودانية. وذلك في حين قُتل رجل وابنه الذي يبلغ من العمر (7) سنوات في أحدث قصف مدفعي لقوات الدعم السريع على أحد مراكز الإيواء في مدينة الفاشر يوم الأحد.في هذه الأثناء، أصدرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي، تحذيراً من أن الوضع في معسكر زمزم للنازحين جنوب الفاشر ما زال مأساوياً، حيث يحتاج سكان المعسكر إلى مساعدات إنسانية عاجلة. وفي الجهة المقابلة، تعاني مدينة الفاشر من نقص حاد في معظم السلع الأساسية، خاصة الدقيق والأرز، مما جعل الحياة في المدينة لا تُحتمل.
(تأسيس) شريك في الفاشر
ألقى رئيس هيئة محامي دارفور، صالح محمود، باللوم على طرفي النزاع في تدهور الوضع بمدينة الفاشر، مشيرًا إلى عدم موثوقية الطرفين وحلفائهما. وفي مقابلة مع راديو دبنقا، اتهم الجيش والدعم السريع باستخدام سكان الفاشر كدرع بشري. كما اعتبر أنه إذا ارتكبت أي جريمة من قبل الدعم السريع في الفاشر، فإن الحركات التي تتنسب إلى تحالف تأسيس شركاء ستكون مسؤولة وستكون عرضة للمسائلة القانونية أمام المجتمع الدولي. وأوضح صالح أن عملية إخلاء مدينة الفاشر من السكان التي اقترحتها الحركتين تبدو مشبوهة، متسائلاً عن دواعي الإخلاء، هل هي للحماية أم للسيطرة على المدينة؟ ورأى أنه من الأفضل في مثل هذه الحالات تشكيل لجنة فنية متخصصة.
الممراب الامنة فاشل
وصف المدافع عن حقوق الإنسان المحامي الصادق على حسن الاقتراح الخاص بالممرات الآمنة المقترحة لإخراج المدنيين من الفاشر بأنه غير ناجح. وفي مقابلة مع راديو دبقنا، دعا الصادق الجهات التي تروج لهذا الاقتراح إلى المطالبة أولاً من شركائها بوقف الحرب والعمليات العسكرية على الفور، ثم البحث عن حلول مناسبة. وحذر الصادق من خطورة الوضع في مدينة الفاشر، مشيرًا إلى أن الأوضاع قد تقترب من الدخول في مرحلة الحرب الأهلية، التي ستطال دارفور ثم السودان بشكل عام. ووصف الوضع في المدينة بأنه مأساوي، مؤكدًا أن جميع المؤشرات تشير إلى أن الأوضاع وصلت إلى مرحلة ما قبل الحرب الأهلية، وأنها تتجه نحو انفجار كبير قد يؤدي إلى نشوب الحرب الأهلية بين مكونات الإقليم، ومن ثم تتجه نحو الخرطوم وباقي مناطق السودان. وقد حمل الصادق جميع أطراف النزاع — بما في ذلك القوات المسلحة وحلفائها والدعم السريع وحلفاءه — مسؤولية الأوضاع في الفاشر.
للنازحين رأي
في مدينة الفاشر، عبّر نازحون من معسكرات زمزم، وأبوشوك، وأبوجا عن استنكارهم للدعوة التي أطلقها كل من الهادي إدريس والطاهر حجر لمواطني مدينة الفاشر والنازحين، للخروج بشكل آمن من المدينة إلى مناطق سيطرتهما، مع تأمين عملية الخروج وتقديم المغريات لهم، وذلك بسبب الظروف المعيشية والأمنية الصعبة التي تمر بها المدينة. وأكد النازحون رفضهم الكامل لدعوة الخروج من الفاشر، واختاروا البقاء في المدينة ومعسكراتهم رغم القصف المستمر والتهديدات.
في هذا السياق، أشار الدكتور الوليد مادبو، الخبير في الحوكمة، إلى أن قيادات المشتركة تهتم بالفاشر فقط بالقدر الذي يخدم موقفها في المفاوضات السياسية، حيث إنها تتجنب بشكل كبير الدخول في صراعات مع المؤسسات العميقة للدولة التي تكشف عن مكائدها ومؤامراتها ضد شعوب المنطقة. وأضاف قائلاً: “ها هي الآن تتجنب الهزيمة العسكرية، متمسكة بالآلاف من النازحين الذين محاصرتهم آلة الحرب، والذين أجبرتهم ظروف التهجير القسري على البحث عن ملاذ.” وأكد الوليد مادبو أن الاستسلام الفوري لهذه القوات سيساعد على تجنب دارفور الانزلاق نحو حرب أهلية شاملة، ويفتح المجال أمام التفاهمات والنقاشات الضرورية حول الأسس والمبادئ اللازمة للعيش المشترك.
لجنة وطنية لحماية المدنيين
من جهته، دعا ياسر عرمان، رئيس الحركة الشعبية لتجديد الحركة، إلى تشكيل لجنة وطنية لحماية المدنيين، في ظل تزايد الانتهاكات ضد المدنيين من قبل الجيش والدعم السريع في مختلف مناطق السودان. وأفاد عرمان في بيان له: “لقد حان الوقت لتأسيس لجنة وطنية تضم أكثر أبناء وبنات السودان نفوذًا داخل البلاد وخارجها، للدفاع عن حقوق جميع المدنيين السودانيين في الحياة والأمان والإغاثة والسكن في جميع أنحاء الوطن.” وأضاف أن اللجنة ينبغي أن تعكس التنوع السوداني ووحدة النسيج الوطني، وتكون موجهة ضد أي محاولات لتقسيم السودانيين.
أوضح عرمان في بيانه أن الاعتداءات وجرائم الحرب ضد المدنيين تتزايد دون أي رادع، ودون وجود صوت قوي مؤثر سواء داخل السودان أو خارجه. وأضاف قائلاً: “ما حدث في منطقة الجموعية جنوب أم درمان، ومايو والحزام جنوب الخرطوم، وكذلك الاعتداءات على المدنيين في الفاشر والأبيض ومناطق أخرى، هو أمر يدعو للاستياء ويجعل جبين البشرية يخجل، في ظل تصاعد خطاب الكراهية والدعوات لتحويل الحرب لاستهداف مناطق جغرافية معينة”.
عرمان: صراع لن يؤدي إلى ديمقراطية أو عدالة اجتماعية.
وأفاد عرمان أن توجهات الحرب الإثنية والجهوية وخطاب الكراهية تجعل من هذه الحرب موجهة بشكل خاص ضد جميع المدنيين السودانيين والنسيج الوطني. وأكد أن هذه حرب تهدف إلى تمزيق وتفتيت السودان، ولن تؤدي إلى ديمقراطية أو عدالة اجتماعية مهما ادعى القائمون عليها. وأضاف قائلاً: “فلترتفع أصواتنا وليتحد جهودنا لحماية المدنيين في الأبيض والفاشر ومايو والحزام ومنطقة الجموعية وكافة أنحاء السودان، ولنقف ضد جميع التوجهات الجهوية والجغرافية والإثنية التي تؤدي إلى شن الحروب”.
مدفعية ومسيرات
ميدانيًا، أفادت الفرقة السادسة مشاة في الفاشر أن سلاح المدفعية قام بتنفيذ ضربات ضد قوات الدعم السريع القادمة من مدينة نيالا، مما أدى إلى مقتل العشرات من أفراد الدعم وتدمير وتعطيل عدد من المركبات. كما أعلنت الفرقة في بيانها عن إسقاط ثلاث طائرات مسيرة كانت تستهدف مواقع ودفاعات الجيش بالفاشر دون أن تحقق أي أهداف. وأكدت الفرقة في بيانها أن الأوضاع في الفاشر تحت السيطرة، وأن القوات متماسكة في جميع جبهات القتال بهدف فك حصار المدينة.
قذارة اسمها ياسر سجمان