أعلنت قوات الدعم السريع في السودان عن بدء “معركة الشمال” التي تستهدف ولايتي “الشمالية ونهر النيل”، حيث تعتبر هاتان الولايتان نقطة استراتيجية مهمة لقوات البرهان والميليشيات الإخوانية المتحالفة معه.
في تصريحات سابقة، كشف نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، عن الأهداف العسكرية لقواته في الفترة المقبلة، والتي تتضمن نقل الصراع إلى الولايات الشمالية، التي تُعتبر المركز الرئيسي للجيش السوداني وحلفائه الإسلاميين، الذين يسعون لاستعادة السلطة بعد الإطاحة بهم في ثورة شعبية شهدتها البلاد في ديسمبر 2018.
إذا تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على هاتين الولايتين، فسوف تعزز من قدرتها على التقدم نحو الشرق، مما سيمكنها من محاصرة مدينة بورتسودان الساحلية، التي تُعتبر مركز القوة للقادة العسكريين في البلاد.
جاءت تصريحات “شقيق حميدتي”، الذي يعد القائد العسكري الرئيسي في الميدان، خلال كلمته الأسبوع الماضي في حفل تخرج حوالي 50 ألف مقاتل. وذكر أن قواته تستعد لاجتياح ولايتي الشمال ونهر النيل والتقدم نحو جميع الولايات في البلاد.
ظلتا الولايتان بعيدتين عن الصراع منذ بدء الحرب في البلاد في أبريل 2023.
السيطرة على الراهب
بعد ساعات من خطاب عبدالرحيم دقلو، أعلنت “قوات الدعم السريع” أنها حققت انتصارات حاسمة في محور الصحراء وتمكنت من السيطرة بالكامل على منطقة “الراهب”، وذلك بعد معارك تسببت في تكبيد قوات البرهان خسائر كبيرة.
أعلنت في بيان أن نجاحها في السيطرة على هذه المواقع الاستراتيجية يعزز موقف قواتها في الميدان ويعدها لمهام عسكرية جديدة.
تقع منطقة الراهب على بعد حوالي 300 كيلومتر من مدينة الدبة في الولاية الشمالية.
الأسبوع الماضي، استحوذت قوات الدعم السريع على مدينة المالحة في شمال دارفور، التي تُعتبر مركزًا لوجستيًا للقوة المشتركة للميليشيات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني. وتعد هذه النقطة استراتيجية، حيث كانت تزوّد تلك الميليشيات بالأسلحة والمقاتلين المرتزقة.
مليون جندي
يأتي التصعيد الأخير من “قوات الدعم السريع” بنقل المعارك إلى شمال السودان، كرد فعل على التهديدات المستمرة التي أطلقها قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الذي هدد بمواصلة الحرب واستهداف ولايات دارفور وكردفان في غرب البلاد.
قال عبد الرحيم دقلو إن “قوات الدعم السريع” تمتلك احتياطيًا يصل إلى مليون جندي مستعدين للقتال حتى نهاية المعركة وتحقيق النصر.
أشار في خطابه إلى أن قواته تمكنت من إبعاد الطائرات الحربية والطائرات المسيرة، التي كانت تعتبر السلاح الذي يتمتع به الجيش السوداني في ساحة المعركة.
منذ بداية الحرب، اعتمد الجيش السوداني على طائرات “أنتونوف” لمواجهة “قوات الدعم السريع”، لكنها تمكنت من إسقاط عشرات الطائرات، مما أثر على قدرته على إنهاء الحرب لصالحه.
معاقل الإخوان وخطاب الكراهية
أشار المحلل السياسي حاتم إلياس إلى أن الولاية الشمالية قد تكون هدفًا لقوات الدعم السريع، خصوصًا أن جماعة الإخوان تدعي أن هذه المناطق تعتبر قاعدة اجتماعية لها.
أشار إلى أن الحركة الإسلامية والفريق الحاكم في بورتسودان، إلى جانب الحملة الإعلامية المنسقة التي يقودونها، يسعون إلى إعادة تفسير الحرب بشكل غير صحيح وكأنها صراع بين دارفور والشمال.
وأكد إلياس، في تصريح لـ”إرم نيوز”، أن مناطق الشمال تحولت إلى معسكرات عسكرية وقواعد تعبئة تعتمد على الأسس العرقية والمناطقية. كما أن الحركة الإسلامية، التي تسيطر على قرار الجيش، تقوم ببث خطاب الكراهية والإقصاء ضد جميع المكونات الإثنية والعرقية في إقليم دارفور.
ذكاء سياسي
صرحت عضو الهيئة القيادية لتحالف “قمم”، لنا مهدي، بأن التصريحات الأخيرة لقائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم حمدان دقلو، تعكس مستوى عالٍ من الذكاء السياسي وفهم عميق لموازين القوة في السودان. حيث إن التهديد باجتياح الولاية الشمالية ونهر النيل ليس عبثياً، بل هو جزء من استراتيجية متطورة تهدف إلى كسر احتكار الجيش للمناطق التي يعتبرها جزءاً من عمقه الاستراتيجي والرمزي.
وأشارت إلى أن القيادة العسكرية لقوات الدعم السريع من خلال هذه الخطوة تثبت أنها تمتلك السيطرة على المبادرة وتعمل وفق خطة مدروسة بدلاً من القيام بردود فعل عشوائية. فالإفراط في التركيز على ولايات الشمال ليس بعداً عسكرياً فحسب، بل يحمل أيضاً رسائل اجتماعية وسياسية تُظهر أن نشاط “الدعم السريع” ليس مقتصراً على مناطق معينة، بل هو لاعب قادر على تغيير المعادلة.