حين دخل هانز فليك غرفة الملابس في ملعب «سيغنال إيدونا بارك» عقب نهاية المباراة، كان المشهد واضحاً: وجوه محبطة، وهدوء ثقيل. حسب شبكة «The Athletic»، قال المدرب الألماني: «لم يكن الجو جيداً هناك… لكن قلت لهم: يا شباب، نحن في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، وهذه لحظة تستحق أن نحتفل بها».
برشلونة تأهل رغم الخسارة (3 – 1) أمام بروسيا دورتموند، مستفيداً من فوزه الكبير في الذهاب برباعية نظيفة. وهكذا، وجد نفسه بين الأربعة الكبار في القارة، للمرة الأولى منذ ست سنوات. لكن طريق العبور لم يكن سهلاً، فدورتموند لعب بشراسة، وتألق سيكو غيراسي بتسجيل ثلاثية، في أمسية قدّمت إشارات إيجابية لمشروع المدرب الجديد نيكو كوفاتش.
الهزيمة أنهت سلسلة من 24 مباراة دون خسارة لبرشلونة، وهي رابع أطول سلسلة في تاريخ النادي، والأطول هذا الموسم في الدوريات الأوروبية الكبرى، إلى جانب ليفربول. ولعلّها خسارة في توقيت مثالي. الضغط الجماهيري والنفسي على الفريق تراجع قليلاً، والنتيجة لم تكن كارثية. في 19 يوماً، خاض الفريق سبع مباريات، ونجح في الحفاظ على حظوظه في جميع البطولات.
وعلى الرغم من ذلك لم يخرج اللاعبون راضين. فالفريق لم يخسر فقط، بل سجّل أسوأ فارق للأهداف المتوقعة، في مباراة إقصائية هذا الموسم بدوري الأبطال: -3.36، وهي إحصائية ثقيلة لفريق بحجم برشلونة.
المدافع جول كوندي قال بصراحة لقنوات «موفيستار»: «أنا محبط. لم نكن في المستوى، ارتكبنا أخطاء، وكنا متراخين. أعرف أن هذا الفريق أفضل من ذلك». كلام كوندي يعكس معايير عالية داخل غرفة الملابس، وهي نقطة مضيئة. لكن الأهم من كل ذلك؛ برشلونة عاد إلى نصف نهائي دوري الأبطال، وهذه لحظة تستحق التوقف عندها.
فمنذ خسارة «أنفيلد» الشهيرة أمام ليفربول برباعية في 2019، عاش برشلونة سنوات صعبة أوروبياً: خروج من دور المجموعات مرتَيْن، وانكسارات في «الدوري الأوروبي» على يد مانشستر يونايتد وآينتراخت فرنكفورت. أما الوصول لربع النهائي، فلم يتحقق سوى مرتَيْن، إحداهما كانت الهزيمة المهينة أمام بايرن ميونيخ (8 – 2). باختصار، ظلت البطولة بعيدة المنال، والأمل غائباً.
في صيف 2024، حين قبل فليك المهمة، بدا وكأنه دخل تحدياً مستحيلاً. لكنه اليوم يقود فريقه إلى نصف النهائي، ويحقّق أفضل معدل تهديفي بين جميع فرق الدوريات الخمسة الكبرى، وأكثر من ثلاثة أهداف في المباراة الواحدة بـ«دوري الأبطال». ما فعله يستحق الاحترام والدعم، خصوصاً في ليلة لم تسر كما أراد.
أكثر من 3 آلاف مشجع لبرشلونة سافروا إلى ألمانيا، في أكبر حضور للفريق خارج أرضه هذا الموسم. الجماهير تعرف جيداً كم كانت هذه اللحظة بعيدة.
قال فليك: «صحيح أننا لم نكن في أفضل حالاتنا، لكن الآن وقت الاحتفال. لن أكون قاسياً، لقد قدّم اللاعبون موسماً مذهلاً. غداً، سنراجع المباراة ونصحح ما يجب تصحيحه».
وسيجد المدرب الكثير مما تجب مراجعته. أول الدروس: لا بديل حقيقياً لبيدري. النجم الإسباني جلس على مقاعد البدلاء، للمرة الأولى منذ مطلع العام، لكن خط الوسط الذي ضم دي يونغ، وغافي، وفيرمين لوبيز، لم ينجح في فرض السيطرة. وبعد ساعة من المعاناة، اضطر فليك إلى إشراك بيدري.
أما الخط الخلفي فشهد مساءً محبطاً آخر لرونالد أراوخو. المدافع الأوروغواياني شارك بدلاً من إينييغو مارتينيز المُهدد بالإيقاف، لكنه ارتكب خطأً قاتلاً أدى إلى الهدف الثالث، وظهر مهزوزاً في إخراج الكرة، وغير متأقلم مع خط الدفاع المرتفع الذي يعتمده فليك.
السبت الماضي، تم استبداله بين الشوطَيْن أمام ليغانيس بسبب مشكلات مماثلة. ثقته مهتزة، وإشراكه في نصف النهائي سيكون مخاطرة.
لكن لا فريق يُتوَّج بلقب «دوري الأبطال» دون مطبّات. ليلة دورتموند كانت واحدة منها، وهناك اختبارات أصعب قادمة.
ينتظر برشلونة في نصف النهائي إما إنتر ميلان وإما بايرن ميونيخ، وهما أكثر صلابة من بنفيكا ودورتموند.
روبرت ليفاندوفسكي قال بعد اللقاء: «آمل أن يتعلم لاعبونا الشباب من هذه المباراة. في هذه البطولة، لا يكفي أن تكون جاهزًا بنسبة 90 أو حتى 95 في المائة. يجب أن تكون في قمة الجاهزية، بنسبة 100 في المائة».
إذا خرج برشلونة بهذا الدرس فقد تكون ليلة دورتموند هي اللحظة التي بدأت فيها ملامح موسم تاريخي تتشكّل حقاً.
المصدر من هنا