استعادت القوات المسلحة السودانية السيطرة على معظم مناطق العاصمة الخرطوم من قبضة قوات الدعم السريع، التي تمكنت من التوسع في مواقع استراتيجية بالعاصمة لأكثر من عامين. وقد ساهم وجود قوات الدعم السريع في نقاط حيوية، مثل القصر الرئاسي ومباني الإذاعة والتلفزيون، في تعزيز سيطرتها فور اندلاع الاشتباكات العنيفة في منتصف أبريل 2023.
يؤكد الخبراء العسكريون أن استعادة الجيش للقصر الرئاسي في 21 مارس/آذار الماضي كانت بمثابة ضربة قاصمة لقوات الدعم السريع، خاصة وأن ذلك جاء بعد نحو ستة أيام من تصريح قائد تلك القوات، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، الذي أعلن في 15 مارس أنهم لن يغادروا القصر، وأن قواته ستبقى في المقرن وفي الخرطوم.
في تلك الأثناء، ظهر حميدتي لأول مرة مرتديًا الكدمول مع الزي العسكري، حيث تحدث عن التغييرات الجذرية التي شهدتها قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى أنها أصبحت تتمتع بتحالفات سياسية وعسكرية جديدة. وحذر من أن المعارك المقبلة ستكون مختلفة “ومن كل فج عميق”. ومع ذلك، أثبتت التطورات اللاحقة أن قوات حميدتي لم تتمكن من الصمود أمام الهجمات التي شنها الجيش وحلفاؤه.
زاد الجيش السوداني والقوات التي تدعمه من ضغط الحصار على قوات الدعم السريع في الخرطوم منذ بدء الهجوم البري الواسع في 26 سبتمبر 2024. وقد تمكن الجيش من السيطرة على الجسور الرئيسية في شمال وغرب العاصمة، مثل جسر الحلفايا وجسر الفتيحاب وجسر النيل الأبيض الذي يربط بين أم درمان والخرطوم ويصل إلى منطقة المقرن القريبة من وسط الخرطوم، حيث شهدت المنطقة مواجهات عنيفة استمرت لأسابيع طويلة.بالتزامن مع ذلك، حقق الجيش انتصارات متتالية في الولايات الوسطى بالسودان الملحقة بقوات الدعم السريع. ففي أكتوبر الماضي، استطاع الجيش تحرير جبل موية في ولاية سنار، مما شكل نقطة تحول في مسار العمليات العسكرية المباشرة. بعد ذلك، بدأت قدرات الدعم السريع وقوته الصلبة في الانهيار، مع استعادة الجيش لمدن الدندر والسوكي وسنجة، عاصمة ولاية سنار، بالإضافة إلى مناطق أخرى. نتيجة لذلك، تراجعت قوات الدعم السريع إلى الجنوب حتى حدود دولة جنوب السودان، وإلى الشمال نحو ولاية الجزيرة.بعد استعادة معظم أجزاء ولاية سنار، استمر الجيش في تقدمه حتى استطاع استعادة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في يناير الماضي. تلى ذلك طرد قوات الدعم السريع من المدن والقرى في الولاية، حتى الوصول إلى جسر سوبا شرقي الخرطوم.
يقول قائد قوات العمل الخاصة بمحور سنار، فتح العليم الشوبلي، لموقع الجزيرة نت إن إتمام عملية تحرير الجزيرة ساعد في فرض حصار على الدعم السريع داخل العاصمة الخرطوم، وكان ذلك من بين العوامل الأساسية لتحريرها.
ويقول: “القوات التي حررت الجزيرة هي نفسها التي تضييق الضغط على الدعم السريع داخل الخرطوم وزادت من نشاط الجيش في استعادة المواقع التي كانت تحت سيطرة المليشيا، حيث تم محاصرة الدعم السريع من ثلاثة اتجاهات، وهي: شرق النيل (سوبا شرق)، وجنوب الخرطوم (الباقير)، ومحور جبل أولياء”.
بالتوازي مع تلك التحركات، واصلت قوات الجيش القادمة من أم درمان في التقدم بشكل بطيء من خلال هجمات برية مدعومة بالطائرات والطائرات المسيرة والقصف، حتى استطاعت إنهاء سيطرة الدعم السريع على الخرطوم بحري، وربط القوات مع سلاح الإشارة، ثم التقدم نحو مقر القيادة العامة في الخرطوم.
بعد أن نجح الجيش في رفع الحصار عن القيادة العامة، انطلقت التحضيرات على الفور لوضع خطة لتحرير القصر الرئاسي والوزارات الحيوية المحيطة به، وعلى رأسها وزارة الخارجية ومجلس الوزراء.ووفقًا لمصدر عسكري من القوات الداعمة للجيش الذي تحدث لموقع الجزيرة نت، فإن قادة الجيش قد وضعوا استراتيجية محكمة للسيطرة على وسط الخرطوم، الذي كان يمثل منطقة خطرة للغاية نظرًا لوجود قناصة الدعم السريع في المباني العالية المحيطة بالقصر، وحتى في أماكن بعيدة نسبيًا مثل قاعة الصداقة وبرج الفاتح. وأشار المصدر إلى أن القناصة كانوا مزودين بأسلحة متطورة وصواريخ موجهة.
تشير المصادر العسكرية إلى أن القوات التي دخلت من أم درمان واجهت مقاومة قوية في منطقة المقرن، التي تعتبر من النقاط الاستراتيجية في الاتجاه نحو القصر.
ويشير إلى أن الجيش ومسانديه من القوى الأخرى تكبدوا خسائر كبيرة في المقاتلين على هذه الجبهة، حيث تم استهدافهم من قبل عناصر الدعم السريع بواسطة أسلحة القنص. ورغم ذلك، كان هناك إصرار قوي بين قوات الجيش على التقدم، مدعومين بقصف الطائرات المسيرة والمدفعية، كما أفاد.
بعد الحصار الشديد الذي تم فرضه على عناصر الدعم السريع في وسط الخرطوم والقصر الرئاسي، لم تستسلم قوات الدعم السريع بسهولة، بل قامت بإرسال قوات كبيرة من جنوب الخرطوم بهدف فتح طريق لخروج القوة المحاصرة في القصر والتراجع بها نحو الجنوب.
وقعت معارك شديدة يومي 18 و19 الماضيين في شارع القصر، ولكن موقف الجيش تقوى حين اجتمع جنود سلاح المدرعات بالقيادة العامة، مما ساعد في تعزيز قوة الجيش واستمرار تقدمه نحو القصر.
يشير المصدر العسكري إلى أن هذه المعركة العنيفة كانت قاصمة لقوات الدعم السريع، حيث تكبدت خسائر كبيرة شملت تدمير نحو 100 عربة ومقتل حوالي 600 من عناصرها، وذلك بفضل الدور الحاسم الذي لعبته الطائرات المسيَّرة في ضرب القوة الرئيسية والدفاعات المتقدمة للدعم السريع في وسط الخرطوم.
أدت هذه المعركة الحاسمة إلى تمكين الجيش من استعادة السيطرة على القصر الرئاسي في 21 مارس، وبعد ذلك انهارت دفاعات قوات الدعم السريع، وبدأت تلك القوات بالانسحاب بشكل متتابع من المواقع الاستراتيجية في شرق وجنوب الخرطوم.لم تشهد المواقع التي كانت تحتلها قوات الدعم السريع في ضاحية الرياض، والمدينة الرياضية، وحي المطار، وجامعة أفريقيا العالمية أي قتال، بعد أن فضلت القوات المتبقية منها الانسحاب نحو الجنوب ومغادرة الخرطوم.
لم يعلن الجيش حتى الآن بشكل رسمي عن تحرير الخرطوم، إذ لا تزال الاشتباكات العسكرية مستمرة في غرب أم درمان. وقد أشار المتحدث باسم الجيش، اليوم الثلاثاء، إلى تحقيق تقدم ملحوظ، حيث تمكن الجيش من “سحق وتدمير بقايا مليشيا آل دقلو” -في إشارة إلى الدعم السريع- في مناطق الصفوة والحلة الجديدة وقرية الصفيراء ومعسكر الكونان. وأكد على “استمرار ملاحقة وتصفية ما تبقى من جيوب محدودة” في المنطقة.