فشلت محاولة بريطانية لتأسيس مجموعة اتصال تهدف إلى تسهيل محادثات وقف إطلاق النار في السودان يوم الثلاثاء، حيث رفضت دول عربية التوقيع على بيان مشترك بعد مؤتمر عُقد في لندن، وفقًا لما ذكرته صحيفة “الغارديان” البريطانية. هذا الرفض يعكس عمق الخلافات بين الدول المعنية، حيث استمر النقاش طوال اليوم بين مصر والسعودية والإمارات، مما شكل نكسة دبلوماسية كبيرة للجهود الرامية لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ عامين في السودان.
أعربت وزارة الخارجية البريطانية عن أسفها لعدم التوصل إلى اتفاق حول مسار سياسي واضح للمضي قدمًا، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن هناك بعض التقدم الذي تم إحرازه. هذا التقدم، رغم كونه محدودًا، يعكس الجهود المستمرة من قبل المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السودانية، التي أثرت بشكل كبير على حياة الملايين من المواطنين.
في سياق متصل، أصدر وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، مع نظرائه من فرنسا وألمانيا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي بيانًا مشتركًا للرؤساء المشاركين، وذلك في غياب بيان نهائي. وقد تعهدوا في هذا البيان بدعم “الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سلمي”، مع التأكيد على رفض جميع الأنشطة التي قد تؤدي إلى زيادة التوترات أو استمرار الصراع. كما دعا البيان إلى ضرورة إيجاد حل يحافظ على وحدة السودان ويمنع تقسيمه.
افتتح لامي المؤتمر بتفاؤل كبير، وأكد قائلاً: “الكثيرون قد تخَلّوا عن السودان، وهذا خطأ. إنه خطأ أخلاقي عندما نشهد هذا الكم الهائل من المدنيين يُقتلون، وأطفال لا تتجاوز أعمارهم العام يتعرضون للعنف الجنسي، ويعاني المزيد من الناس من المجاعة أكثر من أي مكان آخر في العالم. لا يمكننا ببساطة أن نتجاهل ذلك. وفي الوقت الذي أتحدث فيه، يواجه المدنيون وعمال الإغاثة في الفاشر ومخيم زمزم للنازحين عنفًا لا يمكن تخيله.”
وأضاف: “العائق الرئيسي ليس نقص التمويل أو النصوص في الأمم المتحدة، بل عدم وجود الإرادة السياسية. يجب علينا إقناع الأطراف المتحاربة بحماية المدنيين، والسماح بدخول المساعدات إلى البلاد، ووضع السلام في المقدمة على كل شيء.”
لكن محاولاته لإقناع الدول العربية بالتوصل إلى توافق حول مجموعة من المبادئ الدبلوماسية لمجموعة الاتصال المستقبلية لم تحقق أي نتائج.
وقد أوضح المسؤولون أن المؤتمر لا يعتبر وساطة ولا منصة للالتزامات المالية، بل يهدف إلى تعزيز التوافق السياسي حول مستقبل السودان بين الدول التي تدعي أنها لها دور في القضية السودانية.
وفي دلالة على طبيعة الحرب المعقدة والمتزايدة التي تُدار من الخارج، قرر لامي عدم دعوة أي من الأطراف الرئيسية في السودان أو ممثلين عن المجتمع المدني. وقد كانت أهداف المؤتمر محدودة، حيث تمحورت حول محاولة التوصل إلى توافق بشأن مجموعة اتصال دولية يقودها الاتحاد الأفريقي، وتجديد الالتزامات لإنهاء القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية.
تعود الحرب التي بدأت في أبريل 2023 إلى صراع على السلطة بين الجيش تحت قيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”.
كان الغرض من تشكيل مجموعة الاتصال إقناع دول الشرق الأوسط بالتركيز على الدبلوماسية بدلاً من دعم الأطراف المتنازعة. ومع ذلك، واجه المسؤولون منذ البداية تحديات في العثور على صيغة محايدة يمكن أن توافق عليها كل من مصر والإمارات فيما يتعلق بمستقبل السودان.
اتهم السودان ودول أخرى الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وهو الأمر الذي تنفيه الإمارات بشدة، بينما حافظت مصر على علاقات قوية مع الجيش السوداني.
انتقدت الحكومة السودانية المنظمين للمؤتمر بسبب استبعادها من الاجتماع الذي دعت إليه الإمارات.
أشارت وزيرة الدولة الإماراتية للشؤون السياسية، لانا نسيبة، التي كانت حاضرة في المؤتمر، إلى أن كلا الطرفين يرتكبان انتهاكات. وقد أدانت الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات الدعم السريع على مخيمات النازحين، وناشدت بضرورة وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط، وإنهاء العرقلة غير المقبولة للمساعدات الإنسانية، والانتقال إلى حكومة مدنية مستقلة تقود البلاد.
وقد وُجهت لكل من الطرفين تهم بارتكاب جرائم بشعة أثناء الحرب، التي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف، وتشريد 13 مليون شخص، ودفع أجزاء كبيرة من البلاد نحو المجاعة.
في فعالية مستقلة صباح يوم الثلاثاء، نادت منظمات إغاثية وحقوقية المجتمع الدولي بضرورة معاقبة الدول التي تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في تزويد الأطراف المتقاتلة بالأسلحة، وذلك انتهاكًا لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة.
قالت ياسمين أحمد، مديرة هيومن رايتس ووتش في المملكة المتحدة: “سيفشل المجتمع الدولي فشلاً ذريعًا إذا عُقد مؤتمر اليوم بحضور أطراف متورطة في النزاع ولم يسفر عن أي نتائج. نحن بحاجة إلى تحالف من الدول، تقوده المملكة المتحدة والدول المضيفة، يعلن بوضوح: نحن نعمل على تعزيز الزخم السياسي اللازم لحماية المدنيين على الأرض. من الضروري أن يتم التأكيد على أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حدوث إبادة جماعية جديدة. لديه التزامات دولية لحماية المدنيين واحترام القانون الدولي”.
كما أبدت كيت فيرغسون، المديرة المشاركة لمنظمة “Protection Approaches”، قبل انعقاد المؤتمر، رأيها معتبرةً أن “هذا المؤتمر يعد اختبارًا لنمط وزير الخارجية الذي سيتبناه لامي في عالم مليء بالفوضى والأزمات والعنف، حيث يتراجع الدور الأمريكي”. وأشارت إلى ضرورة أن يكون لامي واضحاً ومباشراً حول موقف المملكة المتحدة بلا أي اعتذارات، مؤكدةً أنه يجب على المؤتمر مواجهة الوضع الراهن والسعي بشكل عاجل لوقف الإبادة الجماعية التي تحدث في دارفور.
ومع ذلك، لا يبدو أن أي طرف مهتم بتحقيق السلام، ويخشى البعض من أن البلاد تسير نحو نوع من التقسيم بناءً على مناطق النفوذ الحالية.
يُعقد الاجتماع في وقت تُقلّص فيه الولايات المتحدة برنامج مساعداتها، حيث أظهرت كيت فيليبس-باراسو، نائبة رئيس السياسات العالمية في منظمة ميرسي كوربس الإنسانية، أن نوعية التخفيضات الأمريكية تجعل من الصعب تقييم تأثيرها على السودان، لكن بالنسبة لمنظمتها، فقد تم قطع مصدر حياة كان يقدم الدعم لـ 220 ألف شخص.