السودان الان

“محاولات ولكن” أجواء سحب السفير السوداني بالقاهرة.. صمت مصري رسمي.. ارتباك إعلامي.. هل تنجح عقلانية البعض في تعاطيها مع الخرطوم في إذابة جليد الخلاف المتراكم؟

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

القاهرة- صباح موسى
تعيش الأوساط المصرية حالة من الانتظار والترقب بعد قرار سحب السفير السوداني في القاهرة عبد المحمود عبد الحليم، واكتفت مصر بتقييم الموقف بشكل متكامل لاتخاذ الإجراء المناسب، بينما لم يصدر أي رد رسمي سوى مداخلة تليفونية لوزير الخارجية المصري سامح شكري لأحد برامج التوك شو المصرية المهمة (الأحد)، قال فيها إن السودان من أهم الدول بالنسبة لمصر، وهناك إدارة معنية بالسودان خصيصاً، يتولاها مساعد وزير الخارجية، نظراً لعلاقات التاريخ والجوار بين البلدين، كما أن الرئيس السيسي قام بأول زيارة خارجية بعد القمة الأفريقية إلى السودان، وتم تقليد الرئيس عمر البشير بأرفع الأوسمة لمشاركته في حرب 1973، مؤكداً أن مصر ترى السودان ومصر شعباً واحداً، لا يفصلهما أي حدود. وأضاف: “مصر لم تستبعد السودان من سد النهضة ومفاوضاتها، والخارجية أرسلت جواب رسمياً إلى السودان بالمبادرة، وتطلعنا للحصول على وجهة نظره إزاءها، وكان مقرراً أن يأتي وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور للقاهرة في الرابع من الشهر الجاري وتحديد عناصر المبادرة، ولكنه لم يأت لظروف خاصة به، ولم يصل حتى الآن أي رد على هذا الخطاب”. وعن سحب السودان للسفير عبد المحمود من القاهرة، قال الوزير المصري: أخطرنا بسحب السفير، وكانت هذه إشارة لموضوع حلايب، مضيفاً: “كانت دائماً هناك إعلانات سودانية في الأمم المتحدة، وأخرى مصرية مقابلة تدعم الموقف المصري، وكان هدفنا تجنيب هذا الملف عن مجالات التعاون”. وتابع: “إن هذا الملف نظراً لحساسيته متوافق عليه بين الرئيسين”، مشيرا إلى الجهود التي بذلتها مصر لتوطيد علاقتها مع السودان، وتوطيد مجالات التعاون وخاصة في فتح المعابر لتنمية التجارة بين البلدين، والاهتمام برفع الكفاءات والقدرات وخاصة للسودانيين في مصر. وقال: “لكن الحملات الإعلامية والفيديوهات المغلوطة لا تخدم المصلحة المشتركة، ومصر دائما تحاول أن تبني جسور التواصل مع السودان”، مضيفا: “نأسف للنبرة التي وجدناها في بعض وسائل الإعلام السودانية، ونعمل على شرح وتصحيح أي غلط، ومن المفترض أن تراعي الصحافة والإعلام على الجانبين أهمية العلاقة، وأن يتحلوا بالموضوعية، فالمغالطات والإساءات لا تخدم مصلحة الشعبين اللذيْن تربطهما علاقات وثيقة”.
مداخلة هادئة:
مداخلة شكري بدت هادئة، وقرأها الخبراء بأن مصر تجنح لعدم التصعيد مع السودان، وأنها جاءت كرسالة طمأنة للخرطوم بأن القاهرة على علاقات وثيقة معها، وتعجب البعض من حديث شكري بأن سبب الاستدعاء خلفه قضية حلايب، فكل التكهنات كانت تذهب باتجاه سد النهضة وأحاديث عن وجود عسكري مصري في إريتريا، أو على التناول الإعلامي المصري لزيارة أردوغان للخرطوم، بيد أن البعض أخذ على الوزير المصري عدم إدانة الإعلام المصري على الرغم من توجيه نقد إلى الإعلام السوداني، في حين أشار بعض آخر بأنه إذا كان بعض الإعلاميين المصريين يصرخون ويتجاوزون، إلا أنهم لا يضربون في صميم العلاقة على عكس الإعلام السوداني رغم هدوئه، إلا أنه يضرب بقوة وفي الصميم، بالحديث مثلاً عن إلغاء الحريات الأربع وانضمام السودان لاتفاقية عنتيبي وغلق المعابر وغيره من الأمور التي تسعى إلى تدمير العلاقات. وقال خالد محمد علي الكاتب والمحلل السياسي والخبير في الشأن السوداني لـ (اليوم التالي): “لو ظللنا نركز على وسائل الإعلام وما تقوله هنا وهناك، لن تستقيم العلاقات أبداً”، مضيفاً كان يجب على الجانب الرسمي السوداني بعد سحب السفير أن يوضح السبب حتى يغلق باب التكهنات المغلوطة أمام الإعلام، لافتا إلى أن تعليق شكري على الأحداث يؤكد أهمية العلاقة لمصر الرسمية، وأنها تعمل في اتجاه، وأن الإعلام يعمل في اتجاه آخر. وقال: “يجب أن نحرص طوال الوقت على استراتيجية العلاقة، وأن نتجاوز الشطحات الإعلامية”.
تحليلات وافتراضات:
في الوقت نفسه تموج القاهرة بكثير من التحليلات على قرار سحب السفير، تصب معظمها على افتراضات تفتقد المعلومة الصحيحة وراء قرار سحب عبد المحمود.
وسط هذه الافتراضات، تم نشر مقالين يميلان إلى العقلانية في إدارة الأزمة بين البلدين، أحدهما لعماد الدين حسين رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية، جاء فيه: “ليس عيباً أن يحدث خلاف بين حكومتي البلدين، فالخلافات تحدث داخل البيت الواحد، فما بالك بعلاقات متشبعة لدولتين كبيرتين؟ العيب الأكبر أننا لسنا قادرين حتى الآن على كيفية التعامل مع هذه الخلافات وطرق حلها بصورة متحضرة، وليس سراً أن هناك خلافًا بين الحكومتين هذه الأيام”، مضيفا أن السؤال الجوهري: إذا كنا غير قادرين على حل أي خلاف، فعلى الأقل علينا ألا نزيده اشتعالا، وهذا الاتهام موجه بوضوح إلى بعض وسائل الإعلام في البلدين، التي تنفذ حملات كراهية تتجاوز السياسيين إلى الإساءة للشعبين، تقول بعض وسائل الإعلام المصرية إن السودان قدم شكوى ضدنا في مجلس الأمن بشأن حلايب وشلاتين، والأدق أنه لا توجد شكوى جديدة، بل هي شكوى قديمة تتجدد سنويا، لأنها لو مضى عليها ثلاث سنوات من دون أن يناقشها المجلس، ومن دون أن تقدم الدولة صاحبة الشكوى ما يؤكد أسبابها، فإنها تسقط آليا من جدول الأعمال، علما بأن المجلس لا يناقش القضية منذ تقديم أول شكوى عام ١٩٩٦.
ليس عيبا أن ينتقد الإعلام المصري سياسات الحكومة السودانية، وبعضها من وجهة نظرى يتعمد استفزاز مصر والتنسيق مع خصومها، لكن ليس من حقنا بالمرة إهانة الرئيس السوداني شخصيا، هو أو أي مواطن سوداني، وفي المقابل لا يمكن قبول أي إهانات من وسائل إعلام سودانية بحق المسؤولين المصريين.
وتابع: “إن خلاف الحكومتين سوف ينتهي آجلا أو عاجلا، لكن حساسيات الشعوب تظل قائمة، متسائلا: ماذا سنجني بعد أن يتهجم بعض الإعلاميين على قيادات السودان وتتدهور العلاقات؟!”.
وقال: “أليس من الحكمة البحث عن طرق وأساليب وأدوات تجعلنا نقلل الخلاف مع السودان، وألا ننفخ فيه؟ شرط أن يكون المعيار الأساسي هو أمننا ومصالحنا القومية التي لا ينبغي التفريط فيها تحت أي مسمى.. هل سنكون سعداء ونحن نرى الخرطوم تنسق مع إثيوبيا ضدنا في سد النهضة ومع أردوغان وتميم في ليبيا بحيث تتحول كل حدودنا إلى حزام من نيران معادية؟!”.
وأضاف: “علينا أن نبحث عن أفضل طريقة ملائمة لحماية مصالحنا وأمننا القومي، بعيدا عن الملاسنات والشتائم، وهو ما ننصح به الإخوة في السودان أيضا”.
فقدان البوصلة:
المقال الثاني للكاتب في صحيفة (المصري اليوم) عبد الناصر سلامة، جاء فيه: “قد يُصاب البعض بالحَوَل لأي سبب، فيتصور أن سد النهضة يقع في السودان، لذا وجب التنبيه، سد النهضة يقع داخل الأراضي الإثيوبية بالقرب من السودان، إثيوبيا هي التي تسعى منذ زمن طويل لمنع مياه النيل عن مصر، إثيوبيا هي التي راوغت مع مصر بشأن تفاصيل إنشاء السد والخرائط والمعلومات الفنية، لا تحتاج في فهمها إلى عبقرية من أي نوع”. مضيفا “نعود ونؤكد أن سد النهضة يقع في إثيوبيا، لم نعد نسمع برامج الليل وآخره التليفزيونية تتناول هذه القضية، على الرغم من أنها تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، البوصلة الإعلامية توجهت عموماً نحو السودان.. حتى في المقالات الصحفية، يبدو أن البعض صار ينظر للخريطة بالمقلوب، إنه الحَوَل الذي يحتاج إلى علاج سريع، قد يكون العلاج في السودان، وقد يكفي العلاج من مصر”. وقال: “ليس مقبولاً استدعاء سفير من القاهرة أو آخر من الخرطوم، ليس مقبولاً الحديث عن استعدادات واستفزازات واستنفار من أي نوع، ليس مقبولاً تهديد من هنا أو تلويح بالتهديد من هناك، ليس مقبولاً العمل لحساب آخرين على أي صعيد سياسي أو عسكري أو حتى شخصي، ليس مقبولاً مجرد الصمت حتى تتفاقم الأوضاع، أو حتى الصمت على تجاوزات البرامج التليفزيونية والتصريحات غير المسؤولة، ليس مقبولاً مجرد القطيعة والجفاء والضرب بالعلاقات التاريخية والأخوية عرض الحائط، يجب أن نفهم أن المفاوضات حول السد فشلت منذ أن ساءت العلاقات مع السودان، يجب أن نفهم أن السودان هو الأهم على الإطلاق في منظومة الأمن القومي المصرية”.
وتابع: “نحن نتحدث عن دولتي مصر والسودان، مصلحة مصر والسودان، مستقبل مصر والسودان، هكذا كان التاريخ، ومن صالح كل الأطراف أن يظل كذلك، ويجب أن تتوارثه الأجيال القادمة، الأشخاص زائلون أياً كانت مواقعهم، وسوف تبقى مصر والسودان، محاور الشر والحرب العائلية بالمنطقة في طريقها إلى التحلل، لن تبقى سوى محاور السلام، محاور الخراب دائماً وأبداً تخسر في نهاية المطاف”. وقال: “لنكن أكثر صراحة لنتحدث بانفتاح أكبر، حينما تستدعي الخرطوم سفيرها بالقاهرة، فإن هناك شيئاً ما خطأ، حينما يكون رد الفعل المصرى: نبحث الرد المناسب، فإن هناك أيضاً شيئاً ما خطأ، حينما يُختزل حديث القاهرة والخرطوم على الميكروفونات فقط، فإن كل الأوضاع تصبح خطأ، بالتالي حينما تتناول نشرات الأخبار الإقليمية والعالمية تقارير حول مزيد من الأزمات، بل الاستنفار بين القاهرة والخرطوم، فإن ذلك بمثابة فشل للجهود الدبلوماسية والسياسية على الجانبين، قد يكون الفشل نتيجة عوامل كثيرة ومختلفة، ذلك أن الأزمات أيضاً كثيرة ومختلفة، إلا أنه ليست هناك أكبر من أزمة سد النهضة، الذي يقع داخل الأراضي الإثيوبية”.
غموض الأجواء:
ما يزيد الأجواء غموضا هو عدم إعلان الخرطوم لسبب سحب السفير حتى الآن، فهل وصل تأكيد من الجانب الإثيوبي على صحة ما تردد بأن مصر طلبت خروج السودان من مفاوضات سد النهضة؟ أم هناك معلومات أكيدة بوجود عسكري مصري في إريتريا، أم هو رد فعل عام على تناول الإعلام المصري لزيارة رجب الطيب أردوغان للخرطوم؟ أم كل هذه الأسباب مجتمعة.
المعلن فقط أن السفير عبد المحمود انخرط فور وصوله الخرطوم في عدة اجتماعات مع جهات مختصة داخل وزارة الخارجية وخارجها، وقابل البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية في لقاء مطول (الأحد)، ولكنه رفض الإدلاء بأي تصريح مؤجلا الحديث لبعد إكمال المشاورات. إلا أن مصدر رسمي سوداني مسؤول أكد حرص الخرطوم على علاقات جيدة مع القاهرة. وقال المصدر الذي رفض الإفصاح عن نفسه لـ (اليوم التالي): “نحن حريصون على العلاقة مع مصر، وندرك المخاطر التي تمر بها المنطقة”، مستدركا في الوقت نفسه، قائلا: “لكن لابد من احترام سيادتنا وشعبنا وتاريخنا”. وأضاف مصدر مسؤول سوداني آخر لـ (اليوم التالي): “إن الخرطوم مستاءة جدا من القاهرة، خاصة على ردود الفعل المصرية على زيارة أردوغان للسودان”، لافتا إلى أن الهجوم على شخص الرئيس البشير من الإعلام المصري يلقي استياء شديدا، ويسود شعور بأن الهجوم الشخصي على الرئيس جاء بتوجيهات رسمية، معلنا أن هناك لجنة تنظر في الانضمام لاتفاقية عنتيبي التي ترفضها مصر. وقال إن هناك حديثاً آخر حول إلغاء اتفاق الحريات الأربع.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي