السودان الان

“مطارد بماضيه” لم يكن مفارقاً أن تتزامن لحظة جلوس علي الحاج على كرسي الأمانة العامة للشعبي مع مطالبة جديدة بحق تقرير المصير

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – الزين عثمان
تسعينيات القرن الماضي والمعركة على أشدها بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان.. (يستف) مسؤول ملف السلام بالجنوب، علي الحاج محمد، حقيبته لا ينسى وهو يمضي إلى فرانكفورت الألمانية لخوض جولة من التفاوض مع (المتمردين)، بحسب التوصيفات الرسمية، لم ينسَ أن يضع في حقيبته الوعد بحق تقرير المصير لجنوب السودان كمهر للسلام المستحيل. حتى ذلك الوقت كان مجرد الحديث عن تقرير مصير للجنوب أمراً يضع صاحبه في خانة الخيانة الوطنية.. الحاج لم يكن يأبه لذلك، ومضى فيما تم تكليفه به.. غادر بعدها طاولات التفاوض لصالح آخرين، ولكن انتهى المطاف بالجنوب إلى حق تقرير المصير الذي أفضى لقيام دولتين في السودان.
لم تنتهِ الحكاية عند ذلك الحد، وتغير كل المشهد في السودان.. يختار أعضاء المؤتمر العام للمؤتمر الشعبي علي الحاج من أجل ملء المقعد الفارغ بعد رحيل شيخهم حسن الترابي، في ذات اللحظة التي كانت ترتج فيها أرض المعارض ببري بتهليلات وتكبيرات اختيار الحاج للأمانة العامة للشعبي.. كانت الأخبار تتوارد من الحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال) لتعلن عن موقف جديد.. لم يكن الموقف غير المطالبة بحق تقرير المصير لجبال النوبة؛ ولم يعدم البيان مبررات اختياره للموقف الجديد في التعاطي مع المشهد السوداني، باعتباره أولى خطوات إزاحة التهميش والعنصرية الممارسة على كيان النوبة.. انتهى الأمر بإقصاء ياسر عرمان من التفاوض، وجعل عبد العزيز الحلو مرجعية للتفاوض باسم النوبة.
لم يكن الأمر مفارقاً في أن تتزامن لحظة جلوس علي الحاج على الكرسي، مع لحظة جديدة للمطالبة بحق تقرير المصير فيما تبقى من السودان.. يقول البعض إن صعود علي الحاج إلى منصب الأمين العام حدث من شأنه أن يرسم مستقبل كل البلاد، وليس الحزب وحده، لكن تأثير القيادة الجديدة في الشعبي لا يمكن قراءته بمعزل عن الخطوة المفاجئة التي اتخذها مجلس التحرير التابع للحركة الشعبية في جبال النوبة، وهو الأمر الذي يؤكد أن ثمة وقائع جديدة سترتسم على المشهد السوداني.
في ردة فعل بدت كأنها استباقية لمخرجات اجتماع مجلس تحرير النوبة، خرج بعض منسوبي المنطقة في إصدار بيانات ترفض التلويح بورقة حق تقرير المصير في جبال النوبة، بل إن إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، اعتبر أن السير في مثل هذا الطريق هو مسير الندامة.. كان المهدي يستدعي تجربة تقرير المصير في الجنوب ومآلاتها الراهنة.. كان يقول إن التلويح بها لا يعدو سوى كونه مزايدة سياسية. فيما ينتظر البعض ردة فعل الجناح الآخر في الحركة الشعبية بزعامة ياسر عرمان وكيفية مواجهته لتيار (نوبنة المشروع) التي بدا صوتها يعلو.. لكن الحكاية لا تبدو في بروز المطالبة بحق تقرير المصير في جبال النوبة، بقدر ما تبرز بشكل كبير في التزامن بينها وبين صعود الحاج إلى منصب الأمانة العامة.
علي الحاج الذي يحتفظ له تاريخ الحراك السياسي بأنه صاحب الفضل في توقيع مذكرة التفاهم بين الشعبي المفاصل وقتها للمؤتمر الوطني وبين الحركة الشعبية بزعامة الراحل الدكتور جون قرنق.. كان التفاهم يتبنى موقف الحركة في ما يتعلق بمنح الجنوب حق تقرير المصير، وهو الأمر الذي اعتبره البعض امتداداً لمشروع الحاج الداعم للجبهات الجهوية منذ انضمامه لجبهة نهضة دارفور في الستينيات من القرن الماضي.
يقول علي الحاج وهو يتسلم تكليفه الديمقراطي، إنهم “سيظلون دعاةً للسلام الغائب عن البلاد لأربعة عشر عاماً.. ونحن ضد الحروب ويجب أن تتوقف الآن”. يحدد الحاج الكتلوج الذي سيتحرك على أساسه في عملية الحوار الوطني، ويؤكد أن صبرهم على الحوار سيضاهيه صبرهم على تنفيذ مخرجاته.
يرى البعض في صعود نائب حاكم إقليم دارفور (1982) إلى سدة القيادة في المؤتمر الشعبي، أمراً من شأنه المساهمة في إيقاف نزيف الدم في الإقليم المضطرب؛ فالرجل من خلال انتمائه للإقليم وإيمانه بالحوار، من شأنه أن يخلق بعض الاختراق في المشهد المتعلق بدارفور، بحسب ما يرى البعض في تحليلهم لما يمكن أن يحدث مستقبلاً في المشهد السوداني المفتوح على كافة الاحتمالات.
في استدعائهم لما حدث في ملف المفاوضات الأولى مع الحركة الشعبية، يحمل الكثيرون علي الحاج المسؤولية عن الانشقاقات فيها؛ حيث استطاع إنجاز اختراق بإعادة لام أكول المؤمن بحق تقرير المصير برفقة رياك مشار إلى الخرطوم في اتفاقية الخرطوم للسلام، لكن على الحاج الحاضر ليس هو نفسه علي الحاج الذي كان يمسك بمقاليد الأمور ويسند كتفه على الدعم الذي يأتيه من شيخه الغائب، كما أن الوضع السياسي لم يعد هو هو.
بغض النظر عن المآلات، فإن صعود علي الحاج إلى كرسي الأمانة العامة للشعبي سيكون صعوداً محفوفاً بالمخاطر، وسيحتاج الحاج إلى التأكيد بأنه هو الرجل المناسب في الزمان والمكان المناسبين، لكن في كل الأحوال فإن الرجل يصدق فيه وصف المطارد بحق تقرير المصير، الطفل الذي أنجبه في جولة فرانكفورت؛ فكيف سيتعاطى معه حين يأتيه من جبال النوبة وهو يجلس في مكتب حزبه بالمنشية؟

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي