الخرطوم- عبد الرحمن العاجب
ثمة من يقول إن المؤتمر الشعبي، منذ تأسيسه بعد مفاصلة الإسلاميين الشهيرة، حفر لنفسه نفقا سريا مع حركة العدل والمساواة السودانية، ويشار إلى هذا الزعم بالعلاقة الجدلية بين المؤتمر الشعبي وحركة العدل والمساواة، والتي يعتبرها البعض جناحا عسكريا للمؤتمر الشعبي، وهو الأمر الذي ظلت تنفيه الحركة نفيا قاطعا، ولكن رغم النفي المتكرر للعلاقة بين الطرفين إلا أن الواقع التاريخي يشير إلى وجود علاقة وطيدة بينهما، ويرى بعض المتابعين لتطور صراع الإسلاميين أن تزامن صدور (الكتاب الأسود) وإعلان حركة العدل والمساواة بعد مفاصلة الإسلاميين، يرجح وجود علاقة وتنسيق سياسي غير معلن بين الحركة وحزب المؤتمر الشعبي.
صراع التيارات بين الإسلاميين بدأ خفيا، ولم يطف إلى السطح إلا بعد حين من الزمن، ومنذ أمد بعيد بدأت فكرة (الكتاب الأسود) عندما شكل الراحل خليل إبرهيم وستة آخرون من الكوادر الإسلامية الدارفورية خلية سرية هدفها (إصلاح الحركة الإسلامية من الداخل) وبدأوا نشاطهم في مدينة (الفاشر) ثم تشكلت خلية أخرى مماثلة لنفس الغرض في (كردفان) في العام 1994م، ونشأت الخلية الثالثة في (الخرطوم) في العام 1997م وكان معظم أعضاء خلية الخرطوم من الخريجين الجامعيين وكان الاعتقاد السائد بين منسوبي هذه الخلايا هو التهميش لأبناء دارفور وبعض المناطق الأخرى.
لم يمضِ وقت طويل حتى أصدرت المجموعة (الكتاب الأسود) الشهير في مايو من العام 2000م كوثيقة تثبت (من وجهة نظرهم) استحواذ أهل وسط السودان على كل مفاصل السلطة، وبعد أن توصلت المجموعة إلى استحالة إصلاح الحركة الإسلامية من الداخل، تحركوا لبناء تنظيمهم الخاص الذي يهدف للمواجهة المسلحة مع سلطة الخرطوم، وجاء صدور الكتاب بعد قرارات الرابع من رمضان الشهيرة والتي بدروها قادت إلى انقسام المؤتمر الوطني إلى مؤتمرين (وطني وشعبي)، وهو ما يعضد من فرضية وجود علاقة وطيدة بين حزب المؤتمر الشعبي وحركة العدل والمساواة التي يعتبر(الكتاب الأسود) مرجعية وهاديا لها في تبني فكرة التهميش.
في ظل هذه الظروف ولدت حركة العدل والمساواة، وفي العام التالي لميلادها وفي العام 2001م أصدرت الحركة الجزء الثاني من (الكتاب الأسود) وبثته على موقعها على شبكة الإنترنت داعية لمحاربة التهميش في السودان، وعقد مؤتمر جامع تشارك فيه الحركات الجهوية لمعالجة ما أسمته بالمظالم والمآسي التي أرتكبتها في حق السودان والسودانيين مجموعة صغيرة من الحكام، وفي عام 2000م أعلن الراحل خليل إبراهيم مولد الحركة في بيان صحفي أصدره في هولندا ودشن به نشاط حركة العدل والمساواة السياسي، بعدما قام بإرسال عشرين من كوادر الحركة إلى الخارج لإشهار مولدها من خارج السودان.
وفي الثاني من فبراير من العام 2002م عقد المؤتمر الأول لحركة العدل والمساواة السودانية في مدينة (فلوتو) الألمانية تحت غطاء (مؤتمر المناطق المهمشة) والذي لعب الدكتور علي الحاج نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي، وقتها، دورا كبيرا في نجاحه، وفي ذات العام أصدرت الحركة ميثاقا يحدد أهدافها المتمثلة في إشاعة العدل والمساواة في المجتمع السوداني بديلا للظلم والتمييز والتهميش، وإدخال إصلاحات في تركيبة الحكم في السودان وتوفر تنمية متوازنة بحيث توفر الخدمات الأساسية لكل السودانيين.
بتحليل ما.. يمكن الإشارة إلى أن نشأة حركة العدل والمساواة السودانية جاءت وليدة تطورات داخلية وخارجية ارتبطت ارتباطا وثيقا بفكر الحركة الإسلامية عبر مسمياتها المختلفة من جبهة الميثاق حتى الجبهة الإسلامية القومية، وخرجت الحركة من رحم صراعات الإسلاميين، وانقسامهم. ومنذ نشأتها ظل هنالك عنصران مهمان يشكلان رؤيتها وهما (التوجه الإسلامي والارتباط القبلي) ونسبيا يمكن القول إن أغلب كوادرها وقادتها الميدانيين كانوا من قبيلة واحدة.
استقطبت الحركة منذ ميلادها أعدادا كبيرة من طلاب وشباب دارفور ورعتهم وجندتهم في صفوفها وأعلت من مستوى إحساسهم (بالتهميش) في إطار سعيها لفك الارتباط بينهم وبين القوى التقليدية وفي مقدمتها طائفة الأنصار التي استحوذت على ولاء آبائهم، وأرادت الحركة التي ينتمي معظم قياداتها إلى الجبهة الإسلامية فك الارتباط بين الأجيال الجديدة من الشباب والطلاب الدارفوريين وبين (الطائفية) وتحميل الطائفية مسؤولية تهميش الأقاليم وخاصة غرب السودان (دارفور) واستغلال آبائهم دون السعي لتطوير مناطقهم واحتكار السلطة عند أبناء الوسط النيلي على حساب الغرب والشرق وبقية المناطق المهمشة.
بالنسبة للراحل خليل إبراهيم مؤسس حركة العدل والمساواة السودانية، فإننا نجده انضم للحركة الإسلامية منذ أن كان طالبا في المدرسة الثانوية، ووضع نفسه في خدمة التنظيم وظل يعمل باجتهاد من خلال قوات الدفاع الشعبي وشارك في (المتحركات) التي كانت تحارب الحركة الشعبية لتحرير السودان في جنوب السودان، حيث كان يعمل (مجاهدا) ومسؤولا طبيا عن المجاهدين وأميرا لهم في عدد من المتحركات.
قبل نحو ثلاث سنوات تقريبا، بدأت العلاقة بين المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني تتحسن، الأمر الذي قاد بدوره إلى مشاركة المؤتمر الشعبي في مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا له المشير عمر البشير رئيس الجمهورية، وفي إطار تحسن العلاقة بين الحزبين تم إطلاق سراح القيادي بالمؤتمر الشعبي يوسف لبس المتهم الأبرز في المحاولة الانقلابية في العام 2004م وبعدها نشط المؤتمر الشعبي مطالباته المتكررة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والأسرى إلى أن تم إطلاق سراح أسرى الحركات المسلحة.
ولكن الأسرى الذين شملهم قرار رئيس الجمهورية القاضي بإطلاق سراحهم والبالغ عددهم (259) معظمهم من منسوبي حركة العدل والمساوة والذين بلغ عددهم (229) أسيرا، تم أسر (44) منهم في أحداث أم درمان الشهيرة في مايو من العام 2008م وكان أبرز هؤلاء الأسرى عبد العزيز النور عشر الأخ غير الشقيق للراحل خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، كما تم أسر (4) أسرى في معركة كلبس وأبرز هؤلاء إبراهيم الماظ دينج القيادي الجنوبي في الحركة، بجانب (181) أسيرا من مقاتلي حركة العدل والمساواة في معركة قوز دنقو في العام 2015م.
هل ثمة صفقة سياسية في ملف أسرى العدل والمساواة؟ ربما، ويتعين النظر إلى عدم إطلاق سراح بقية الأسرى البالغ عددهم (30) أسيرا يتبعون لحركتي تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي وعبد الواحد محمد نور والذين تم أسر (18) منهم في معركة دونكي البعاشيم و(12) في معركة فنقا.
المشهد في عمومياته يشير إلى وجود تسوية جزئية ربما تتخلق في القريب العاجل، هدفها الأول مصالحة الإسلاميين، ويظهر هذا بوضوح من خلال عودة الدكتور علي الحاج محمد نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي إلى أرض الوطن، ومشاركة حزبه في حكومة الوفاق الوطني واحتمال تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية في الحكومة المقبلة، بجانب إطلاق سراح أسرى حركة العدل والمساواة السودانية البالغ عددهم (229) أسيرا، وترحيب رئيسها الدكتور جبريل إبراهيم محمد بالخطوة، وإعلان موافقته على التفاوض مع الحكومة بشرط أن توافق الأخيرة على فتح وثيقة الدوحة، وكل هذه المعطيات وغيرها ربما تقود إلى انحياز حركة العدل والمساواة لعملية السلام.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي